شراكة من أجل التنمية المستدامة..
عديت من ولاية كارولاينا الشمالية من الساحل الشرقى للولايات المتحدة الأمريكية وتحت واشنطن بشويتين.. حيث زرت أهم مدينتين فى هذه الولاية كتجربة تنموية تستحق الدراسة.. وهما ميدنتى هيكورى وشارلوت.
ولعل هذه أولى المقالات التى أكتبها عن هذه الولاية تحديداً.. وستكون ضمن مقالتين أو أكثر حسب الموضوع الذى سأغطيه لاحقاً، مما شاهدته فى تجربة هذه الولاية التى فى خلال 6 سنوات حققت نهضة تنموية مثار إعجاب كل من يزورها.. فعلى سبيل المثال مدينة هيكورى كانت قائمة على قطاعة الاثاث وبعض المحاصيل الزراعية مثل القطن.. واستطاعت خلال 6 سنوات الانتقال من الاعتماد على قطاع الأثاث فقط (مع تطويره ليصبح أكثر تنافسية محلياً وعالمياً) إلى الاعتماد على قطاعات متعددة.. ولاسيما قطاع التكنولوجيا وعدد من الصناعات الأخرى.. منتقلة من معدل نمو حوالى 2-%3 إلى معدل نمو وصلت فى بعض الأحيان إلى %10 ومن معدلات بطالة مرتقعة تتخطى %10 إلى معدلات بطالة تقل عن %3.. والأحرى من ذلك أنه لا يوجد لديها هيئة استثمار او وزارة استثمار وتصنف بأنه ولاية جاذبة للاستثمار وتحديداً فى شارلوت المدينة الأكبر.. وكذلك هيكورى.. يكفى أن هناك مصنعاً كبيراً لشركة سيمنس لإنتاج توربينات توليد الكهرباء، والتى وردت لمصر بعض من هذه التوربينات- وشرككة ديوك للطاقة التى تركز نشاطها على الولايات المتحدة الامريكية وكندا، كما أن بنك أو أمريكا Bank of America وهو من أكبر البنوك الأمريكية نقل مقره إلى شارلوت لخدمة الشركات.. ومن ثم هيكورى أصبحت من أكبر مدن الأثاث التى تصدر للعالم ويأتيها أمراء الخليج وغيرهم من أغنياء العالم لشراء الأثاث الراقى الذى يلبى جميع الأذواق.
وفى عشاء لإحدى الشركات الكبرى لماذا شارلوت.. لأن فيها كل شىء من الهدوء إلى كل ما يتطلبه الاستثمار، كما أن الحياة أهدى وأرخص فيها من الولايات الصاخبة.. نحن أكثر سعادة هنا من نيويورك وواشنطن..إلخ، كما أنها فى موقع يتوسط أمريكا.. وبها جميع الخدمات التى يحتاجها القطاع الخاص من ناحية والمواطن من ناحية أخرى..
من هذه المقدمة يكفى القول بأن الولايات تلعب دور المنظم فقط وتعتمد على القطاع الخاص فى كل شىء سواء فى تطوير التعليم الفنى أو النشاط الاقتصادى فى مختلف مجالاته بل ووصل الأمر إلى تشكيل مجالس استشارية من القطاع الخاص لكل مدينة تراقب الصرف الحكومى على تحقيق التنمية فى الولاية.. وأساس التنمية ومحورها هو المواطن واحتياجات المواطن.. ومنها تتحرك المدن ومن ثم الولاية فى رسم سياساتها طويلة الأجل وتحدد المجالات ذات الأولوية لها وفى وضوء إمكانياتها الاقتصادية، وبالتالى الرؤية الاستراتيجية واضحة لها لمدة 10 سنوات قادمة.
ووصلت إلى مرحلة استطاعت من خلال توجيه الاستثمارات إلى المجالات التى تحتاجها وحتى توجيه الشركات الكبرى إلى تلك الاحتياجات.. فمن ينظر الى البنية التحتية لديها داخل المدن وعن الانتقال من مدينة إلى أخرى ترى نهضة وجودة عالية فى البنية الاساسية فهم يهتمون بفكرة الترابط اللوجيستى بين الموانئ البرية والبحرية والجوية لنقل البضائع وكذلك نقل البشر، لتكون فى أعلى مستوى لها تريح كل من يتعامل معها.
الدولة تفكر والقطاع الخاص ينفذ فى ضوء رؤية الدولة.. ونفس الشىء بالنسبة للتعليم الفنى.. لم أرى فى جميع الدول التى زرتها ذلك الاهتمام بالتعليم الفنى والأكاديميات والمراكز التى أنشئت فى هذا الشأن وفى مجالات متعددة.. قد أنشأتها الدولة وجهزها القطاع الخاص بأعلى مستوى من المعدات والآلات والتجهيزات وشاركا فى وضع المنهج العلمى لها؛ لدرجة اننى ذهلت عندما ورت العديد منها ودخلتها وتجولت فيها وسمعت لإدارتها فى كيفية إدارة المنظومة مع تحديد دور الحكومة والقطاع الخاص.. أن تكون تلك الأكاديميات أو مراكز للتعليم الفنى بل نما إلى ذهنى أنها جامعات أو كليات تكنولوجية متخصصة على أعلى مستوى، إيماناً منهم بأن التعليم الفنى هو مايحتاجه الاستثمار هو وقود الأنشطة الاقتصادية بل أن مرتباته من أعلى المرتبات.. يكفى عندما التقينا بعمدة مدينة شارلوت وهى – سيدة متواضعة فى تعاملها بفكر متقدم، وقالت لنا إنها ترك العمل فى تخصصه وهى المحاماه – وكليات القانون من أعلى الكليات فى الولايات المتحدة- ليعمل عاملاً فى مجال البناء والتشييد لأنه يرغب فى الحصول على مرتب أعلى ولا يرغب فى الانتظار طويلاً حتى منظومة تنمية قائمة على المواطن واحتياجاته وإشراكه طول الوقت ليكون طرفاً أساسية فى التنمية والتطوير والمساءلة والدولة كمنظم وموجه وتلبية تلك الاحتياجات وإفساح المجال للقطاع الخاص لينمو وليكون شريك فى تحقيق التنمية المستدامة مع رقابة صارمة وشديدة ولا مركزية فى إدارة الولاية والمدن التابعة لها مع دور أكبر للغرف التجارية والتجمعات الصناعية والتجارية.. يكفى أن نظام حوافز الاستثمار مختلف القانون الفيدرالى أو أى ولاية أخرى فالولايات تنافس بعضها محلياً وعالمياً على جذب الاستثمار ورفع مستويات التشغيل وخلق الوظائف.
وإلى لقاء آخر مع الاستثمار فى ولاية شمال كارولاينا..
وما نبغى إلا إصلاحاً وتوعية..
بقلم: إبراهيم مصطفى
خبير اقتصاد واستثمار وتطوير أعمال