يُعول مُنتجو الأثاث على زيادة التصدير، حتى يعود لهم الانتعاش عبر سيولة جديدة تُعيد الحياة لمصانعهم، مُجددًا.
وشهدت الفترة الماضية، تكدس المخازن بالمنتجات الراكدة، تأثرًا بضعف المبيعات المحلية، وفقدان أسواق تصديرية هامة.
ويسعى البعض للخروج من حالة الركود، عبر التوجه إلى المنتجات غير التقليدية بالسوق المحلي، منها الأثاث المعدني ومنتجات “الإيبوكسي” وهو مادة كيماوية أشبه بالمطاط الشفاف.
لكن محاولات الخروج، تظل محاولات فردية لا يمكن لها أن تدفع قطاعا بأكمله.
قال عبدالحليم العراقي، نائب رئيس غرفة صناعة الأثاث، إن المُحرك الحقيقي لنمو قطاع الأثاث، خلال المرحلة المُقبلة، هو التصدير، وهو أمل المنتجين في تحريك المياه الراكدة محليًا، إذ تعاني مصانع الأثاث من ضعف المبيعات.
وأضاف: “لا توجد سيولة داخل السوق المحلي تُحرك المصانع.و الحل الوحيد هو الحصول على سيولة من الأسواق الخارجية.. ودون ذلك سيبقى الحال كما هو عليه”.
وأشار العراقي، إلى محاولات يجري بذلها لفتح أسواق جديدة بشكل فردي، ولكل مصنع على حدة. لكن المحاولات الفردية لن تدفع الصناعة المحلية قدمًا، والحل الحقيقي في تولي الدولة مهمة فتح أسواق خارجية، حتى تعم الفائدة على المُصنع الصغير والكبير.
وأوضح أن مدينة الأثاث في دمياط، تستطيع أن تحل أزمة البطالة.. لكنها لن تحل أزمة قطاع الأثاث بأكمله، ولن تكون قاطرة نمو للقطاع قبل 10 سنوات من الآن بعد اكتمالها، ودخولها في مرحلة العمل، سواء المصانع الصغيرة أو المصانع الكبيرة المُزمع إنشاؤها، بجانب تجهيز معرض ضخم لمنتجات الأثاث الخاصة بالمدينة.
ووصف العراقي، السوق المصري بأنه مغلوب على أمره، بسبب ما فُرض على المستهلك من إصلاح اقتصادي، وهو ما أجبره على ضغط وترشيد خطط إنفاقه.
وحذر من خطورة عدم التحرك نحو السوق الخارجي والاستحواذ على الأسواق الأفريقية على وجه الخصوص، مضيفا : “يومًا بعد يوم، فرص المنتج المحلي في الأسواق الخارجية تقل وتضعف. ويجب أن ندرك خطورة إهمالنا للأسواق التي تعد فرصة لنا، قبل أن يستحوذ عليها المُصنعون الأتراك والصينون، ونجد أنفسنا خارج المنافسة عالميًا أيضًا”.
قال نائب رئيس غرفة صناعة الأثاث، إن أسواق أفريقيا حاليًا في أيدي المصانع التركية والصينية، بسبب الاتفاقيات التجارية التي تبرمها حكوماتهم باستمرار مع الدول الأفريقية المختلفة، وهو ما يضع على عاتق المسؤولين الحكوميين المصريين، مهمة التحرك السريع والجاد نحو تفعيل الاتفاقيات الحالية، وإبرام اتفاقيات مع كل دولة على حدة، حتى يتحرك المُنتج المصري بثقة وبضمان وجود حكومته في الصورة، داعمًا سياسيًا له.
كما طالب بمنع استيراد المشتريات الحكومية طالما توجد بدائل محلية، قائلا :”لا يصح أن تعاني المصانع المحلية من الركود، ونجد مسؤولي الدولة يستوردون احتياجاتهم من الخارج”.
وقال شريف عبدالهادي، وكيل المجلس التصديري للأثاث، إن الدول التي نجحت في تنشيط قطاع الأثاث وصادراته، لم تحقق هذا النجاح إلا بدعم حكومتها للقطاع.
ويمكن الرجوع للنموذج التركي ، إذ إن الدعم الحكومي هناك هو الذي مكن قطاع الأثاث من التغول في الأسواق المختلفة خصوصًا الأفريقية.
وأوضح أن تركيا أطلقت برنامجا ضخما لدعم قطاع الأثاث لديها، أبرز ملامحه، إلغاء الضرائب على أي منتج يتم تصديره، وتحمل تكلفة مصروفات التصدير ومسح الأسواق.
كما أن البرنامج التركي يتحمل تكاليف إيجار أي محل لعرض الأثاث في الخارج لمدة 5 سنوات، وهو ما حدث مع مجموعة “استقبال” التركية عندما فتحت أبوابها في مصر، إذ تحملت الحكومة هناك تكلفة الإيجار، وتجهيزات الفرع، ومرتبات مديري التصدير.
وأشار وكيل المجلس التصديري للأثاث، إلى أن الأثاث يحتاج مساحات كبيرة جدًا للعرض في المعارض الدولية، والمساحة المذكورة في برنامج دعم الصادرات غير مناسبة البتة. و القطاع يحتاج مساحات عرض تتراوح بين 80 إلى 100 متر.
وتطرق عبدالهادي، إلى وجود خامات إنتاج متعددة مُحملة بعبء الرسوم الجمركية، وهي خامات مطلوبة في المنتج النهائي الذي يتم تصديره وغير متوفرة محليًا بنفس الجودة، مما يُضعف تنافسية المنتج المصري عالميًا، بسبب ارتفاع التكلفة الإضافية.
وأضاف: “يصل الأمر أحيانًا إلى وضع قيود تصل لحد منع استيراد بعض الخامات، مثل بعض أنواع الأقمشة والجلود”.
وطالب بتيسير الإجراءات بما لا يتعارض مع مصالح الدولة أو مصالح الصناع، حتى يتحقق النفع العام، دون تعقيدات.
وتابع : “التعقيدات لا حد لها، ومنها الضريبة العقارية على المصانع، وهو وضع فريد ليس له نظير في العالم كله.. فلماذا تم ابتداعها إذا كانت الدولة جادة في دعم الصناعة؟”.
أشار عبدالهادي، إلى محاولات تعميق صناعة الأثاث من خلال صناعة المفصلات و”المجاري” الخاصة بالأدراج.
وطرح الصناع مقترحاتهم على غرفة الصناعات الهندسية.. لكن اكتشفوا أن هذه صناعات تحتاج استثمارات ضخمة جدًا، ومخاطرها عالية كون السوق لا يستوعب كميات مصانع بهذا الحجم.
ويحتاج الصناع لاستيراد مكونات إنتاج عديدة غير متوفرة محليًا بشكل نهائي، ومع ذلك ثمة مشكلات رهيبة في استيرادها.
وقال أحمد حسين، عضو مجلس إدارة الغرفة، إن المنتجات المستوردة، استطاعت جذب المستهلك المصري بأسعار أرخص من نظيراتها المحلية.
وهذة المنتجات تعتمد على خامات منها خشب MDF والـ PVC، والتي تستخدم إلى جانب الأخشاب الطبيعية وتساهم في تخفيض سعر المنتج النهائي، وتدخل في صناعة المكاتب والقطع الديكورية وغرف السفرة، مع العلم أن تلك المواد تفتقد الجودة.
وتطرق حسين، إلى الأثاث “المودرن”، موضحا أنه لا يحتاج إلى حرفية عالية.. بل يحتاج لتقطيع الأخشاب ثم تركيبها. لذلك أي عامل في ورشة صغيرة يُمكنه فعل ذلك، وهو ما انعكس سلبًا على ورش ومصانع دمياط، حتى أُصيبت بالركود، خصوصًا مصانع دمياط التي مازالت متمسكة بالمنتجات الكلاسيك اليدوية.
وأشار حسين، إلى أن العديد من صُناع الأثاث في دمياط تركوا المهنة، وغيروا نشاطهم إلى امتلاك مطعم أو مقاهي. وعدد من أصحاب الورش الصغيرة تركوا ورشهم واتجهوا للعمل بالأجرة في المصانع الكبرى.
أوضح أن نسبة الخامات من إجمالي تكلفة المنتج تختلف من نوع إلى آخر، فمثلا نسبة الخامات من الصالون، تبلغ نحو 40%.. أما بالنسبة لغرفة النوم والسفرة فتصل نسبة الخامات إلى 70%.
وتطرق حسين، إلى أنه تحول من إنتاج الأثاث الكلاسيك الذي يعتمد على الأيدي العاملة إلى أثاث مودرن مميكن. كما اضطر إلى تخفيض عدد العمالة في المصنع.
وقال إنه طور منتجاته، واتجه إلى الجديد الذي يفتقده السوق المصري، حتى يخرج من أزمة الركود الحالية، وبدأ في استخدام مادة الإيبوكسي وهو مادة كيماوية أشبه بالمطاط الشفاف (مادة كيميائية، تعتبر من مجموعة الراتنجات المتصلبة بالحرارة).
وأوضح عضو مجلس إدارة الغرفة، أن تلك المادة موضة جديدة في عالم الأثاث ظهرت في الدول الغربية، وتستخدم خصوصًا في صناعة الطاولات، والسفرة. ولم يظهر هذا الموديل، إلا من خلال مستوردي الأثاث، ولا يُصنع محليًا إلا نادرًا.
وأشار إلى أن” الإيبوكسي” ترفع من سعر الغرفة كثيرًا، ولكنها تبقى أقل بنسبة لا تقل عن 50% من الغرفة المستوردة.
فمثلا طاولة السفرة المستوردة المصنوعة من “الإيبوكسي” يصل سعرها وحدها إلى 55 ألف جنيه، في حين يجري طرح الغرفة كاملة ومعها طاولة إيبوكسي محلية، بنفس السعر وبجودة مماثلة.
ويبلغ سعر نفس الغرفة بمكونات خشبية كاملة، نحو 20 ألف جنيه.
قال حسين، إنه اتجه لمخاطبة فئة استهلاكية لا تتعدى 5% من إجمالي المستهلكين في السوق، من خلال صناعة محليًة، للمنتجات الأحدث في صيحات الموضة.
وحتى يصل لهذا المستوى من منافسة المستورد، اصطر لتغيير نوعية الخامات التي يعتمد عليها والماكينات وأحيانا العمالة، حتى ينجح في صناعة منتجات حديثة تمامًا على السوق المصري، وهو ما كلفه نحو مليون جنيه، لشراء خامات ومعدات جديدة لمصنعه في المنطقة الصناعية بدمياط.
وقال محمد النجيري، عضو مجلس إدارة غرفة الأثاث باتحاد الصناعات، إن الغرفة وافقت على مبادرة أرسلتها رئاسة الجمهورية للاتحاد، بشأن بيع الأثاث بالتقسيط بالتنسيق مع البنوك المصرية، وسيعلن البنك المركزي عن تفاصيل المبادرة خلال الشهر الحالي، فور الانتهاء من صياغتها، موضحًا أن مدة التقسيط لن تقل عن 6 شهور.
وأشار النجيري، إلى أن 90% من خامات الإنتاج الخاصة بالأثاث مستوردة وليس لها بديل محلي. وبعض الخامات المتوفرة محليًا ليست بالجودة المطلوبة لتنفيذ منتج يصلح للترويج في الأسواق الخارجية، مثل المفصلات، والأبلكاش وبويات الأخشاب.
وأوضح أن دمياط كانت تعتمد على التصدير بنسبة كبيرة. وبعدما خسرنا أسواقنا الخليجية، وتعطلت حركة التصدير، أصيبت ورش ومصانع دمياط بركود شديد، لذلك اضطرت بعد المصانع لإنتاج الأثاث المودرن، وهو منتج لا يتم تصديره لصعوبة المنافسة فيه، والمنتج الذي ينجح في التصدير من مصانع دمياط هو “الكلاسيك” فقط.
وأوضح أن طبيعة سوقي الإمارات والسعودية، تغيرت هي الأخرى تأثرًا بالتغيرات الاقتصادية والسياسية التي حلت بالدولتين. فبعدما كان المستهلك الإماراتي يُغير أثاث بيته كل عام أو عامين، أصبح يُغيره كل خمسة أعوام على الأقل وهو ما أثر على الصادرات المصرية.
وكشف النجيري أن بعض الصناع بدأوا تصدير غرف ومنتجات غير كاملة التشطيب، إلى إيطاليا. وهناك يتم وضع اللمسات الأخيرة علي المنتج ولكن يُكتب عليه “صنع في إيطاليا”، ما يجعل الاستفادة الكبرى تعود على إيطاليا. ويلجأ بعض المنتجين المصريين إلى تلك الحيلة لتحريك المياه الراكدة.
وقالت إنجي عياد، المدير الإداري لشركة ألفا جي لتشكيل المعادن على البارد (إحدى شركات عياد جروب) المتخصصة في صناعة الأثاث والديكورات المعدنية ، إن سوق المستهلك العادي يكاد يكون متوقفا ولا توجد به سيولة. أما الفرص المتاحة حاليًا فقط في المشروعات القائمة، خصوصًا المجمعات السكنية الفاخرة.
وأضافت عياد، أن المصنع تم تأسيسه منذ عام، وهو متخصص في صناعة الأثاث المعدني، سواء منتجات ذات تشكيل ثابت أو وفقًا لتصميمات يطلبها العميل، وتبلغ مساحته نحو 10 آلاف متر، وهو مصنع مميكن بالكامل، وتعتمد منتجاته على خامات، الحديد والاستنالس والألومنيوم.
وتبحث الشركة الفرص التصديرية المتاحة في دول الخليج وأفريقيا، ولا تستهدف الاكتفاء بالسوق المحلي فقط.