لقد أحدثت التدابير الحكومية لدول العالم التي اتخذت استجابة لوباء الفيروس التاجي كورونا تأثيرًا خطيرًا على الأعمال التجارية حيث أدت هذه التدابير إلى نقص العمال، وقيود النقل، وتعطيل سلاسل التوريد، وتعطيل مرافق التصنيع، تظهر الآثار اللاحقة في الغالب في قطاعات التصنيع والبناء وأسواق السلع والطاقة والسياحة، كما انخفضت أسواق الأسهم، وهو أكبر انخفاض منذ الأزمة المالية العالمية، وقد هبطت أسعار النفط، وهو أكبر انخفاض منذ عام 1991.
وفى ضوء ذلك فإن الشركات ليست معفاة من هذه الظروف القهرية فمثلا نجد أن سلاسل التوريد التقليدية معطلة لأن الصين، من أكبر اقتصاديات في العالم، وتكافح من أجل العودة إلى العمل، كون الصين هي مركز التصنيع في العالم ومورد مهيمن للمواد الخام، فإن التفشي الحالي لفيروس التاجي الناشئ عن أراضيها يؤثر على سلاسل التوريد العالمية للسلع، لذلك قمنا بتقييم الآثار القانونية اللاحقة للفيروس التاجي من وجهة النظر التعاقدية، وما إذا كان يمكن للأطراف الاعتماد على مفهوم القوة القاهرة بموجب مجموعة مختلفة من القوانين والأدوات القانونية.
والواقع يفرض علينا القول بأن عقود التوريد هي الأكثر تأثراً بالوباء ولذلك اخترناها كنقطة محورية في ورقتنا هذه ولكن هناك أيضًا نوع آخر من العقود وهى العقود القائمة على الأداء؛ فقد تأثرت عقود التشغيل والصيانة بشدة بسبب قيود السفر الصادرة عن الحكومات، هناك أيضًا عقود تستلزم كلاً من التزامات المبيعات والأداء للأطراف والتي قد تتأثر بالوضع الحالي.
إن التفشي الأخير لوباء كورونا هو أيضًا تذكير للأطراف لمراجعة شروط القوة القاهرة والتحقق مما إذا كانت تغطي هذه الأنواع من الأحداث غير المتوقعة في عالم اليوم سريع التغير، مع الاخذ فى الاعتبار أنصياغة العقد واختيار القانون تصبح أكثر أهمية في حالة الأزمات مثل تلك التي يسببها فيروس كورونا. علاوة على ذلك، فإن معظم عقود التوريد أو العقود الدولية القائمة على الأداء تتضمن بنودًا فعالة لتسوية المنازعات ومعظمها يحيل النزاعات إلى التحكيم الدولي. قد يكون من الجدير بالذكر هنا أن بعض قواعد التحكيم، مثل محكمة التحكيم الدولية لغرفة التجارة الدولية، والمعروفة أيضًاباسم ICC، ومحكمة لندن الدولية للتحكيم، ومركز سنغافورة للتحكيم الدولي تنص على آليات في حالات الطوارئ إذا رغب الطرفين في تلقي أمر أو قرار حكومي بالحظر أو تدابير تحفظية. قد يتم طلب الاستشارة من محكم الطوارئ بهدف منع المطالبة أو التمسك بالقوة القاهرة من الطرف المتأثر بفيروس كروونا التاجي فيما يتعلق بإعفائه من التزاماته التعاقدية وطلب الحفاظ على تنفيذ التزاماته التعاقدية الراهنة.
وتوصيتنا الشديدة هنا للأطراف المتضررة من الفيروس التاجي بالاستعانة بمستشاريها القانونيين قبل اتخاذ أي خطوات لتحديد مفهوم قوة قاهرة حيث تختلف عواقبها في ظل الظروف المحددة المحيطة بالقضية والمكان والزمان، ولهذا فقد أنشأنا دليلاً مرجعياً حول كيفية تحديد ما إذا كان يمكن التمسك بمفهوم القوة القاهرة بسبب وباء كورونا نلخصها فيما يلى:
الدليل المرجعى رقم 1: نوع العقد: خاص (ذو أطراف وكيانات خاصة) أم عقد عام مثل العقود الإدارية والتى تكون الدولة أو أحد أجهزتها الإدارية طرفا فى العقد – وهلهو عقد توريد أم عقد أداء وتشغيل خدمة أم عقد من عقود الامتياز
الدليل المرجعى رقم 2: مدة العقد: هل هى عقود قصيرة الأجل أم عقود طويلة الأجل وتنطوى على مخاطر تشغيل وتسويق ومخاطر مالية أخرى وماذا عن مبدأ توزيع المخاطر فى حالة القوة القاهرة ومبدأ التوازن المالى للعقد؟
الدليل المرجعي رقم 3: هل يوجد شرط رئيسى فى العقد ينص على القوة القاهرة أم لا؟ وهل تم تحديد حالات القوة القاهرة فيها على سبيل الحص والتحديد؟ أم وردت عامة ومطلقة؟
الدليل المرجعى رقم 4: فى حالة عدم وجود شرط القوة القاهرة – ما رأى القانون الحاكم للعقد؟ واذا لم يحدد ماذا عن العقود ذات الأطراف الدولية فى ظل احتمالية تنازع القوانين بين قانون دولة لطرف لا تتشابه قواعده فى مفهوم القوة القاهرة مع القواعد القانونية لدولة الطرف الآخر فى ذات التعاقد؟
الدليل المرجعى رقم 5: قواعد التحكيم الدولى – هل يوجد شرط يلزم الأطراف باللجوء للتحكيم الدولى؟ وهل تم تحديد غرفة تحكم محددة أو مركز بعينه يختص بالتحكيم؟ وهل قرأت التحيكم ملزمة للأطراف المتعاقدة؟
الدليل المرجعي رقم 6: بعد ثبوت القوة القاهرة – هل يتم التحلل من الالتزامات التعاقدية وإلى أى مدى (تأجلها/تحلل جزئي- كلى/سلطة تعديل العقد / إنهاء العقد – إنفساخ العقد؟
التالى: تداعيات كورونا بين تقليص العمالة وشبح البطالة
حفظ الله مصر قيادةً وشعباً وجيشاً وحكومة
بقلم: د. أحمد الكلاوى
Kalawy & Partners Law Firms







