من المعتقد أن الاحتجاجات الشعبية، التى شهدتها الولايات المتحدة عقب وفاة جورج فلويد فى مينيابوليس مؤخرا، اشتعلت نتيجة الغضب من الأعمال الوحشية لرجال الشرطة والظلم العرقى ضد مجتمع السود.
ولكن فى الواقع لم يكن هذا السبب الوحيد، بل ثمة سبب آخر وهو الشعور بالإحباط من استمرار معاناة الأمريكيين الأفارقة من فجوة اقتصادية كبيرة مقارنة بالبقية عندما يتعلق الأمر بالثروة والدخل والأجور، حتى بعد أطول توسع اقتصادى فى تاريخ الولايات المتحدة ورغم ارتفاع أسواق الأوراق المالية إلى مستويات قياسية قبل تفشى فيروس كورونا.
وقالت الرئيس التنفيذى للصندوق الوطنى لحلول القوى العاملة، أماندا كيج، وهو الصندوق الذى قضى أعواما فى مساعدة الأحياء المنكوبة فى جنوب شيكاغو: «منذ الركود الأخير لم نشهد تراجع أوجه التفاوت تلك ولم نشهد تحسنا منهجيا فى الرفاهية الاقتصادية للأفراد، لذا نحن نشهد بعض الآثار المترتبة على ذلك الآن».
ويصف العديد من خبراء الاقتصاد، الأعوام العشرة الماضية، التى شهدت تعافى الاقتصاد الأمريكى من الركود العظيم، بأنها فرصة ضائعة.
وفى هذا الصدد، أوضحت صحيفة «فاينانشيال تايمز» أن الأسر الأمريكية القادمة من أصل أفريقى لا تزال تعتمد اعتمادا غير متناسب على العمالة ذات الأجور المتدنية والتمثيل الناقص فى ملكية الأسهم والأعمال التجارية، كما أن تلك الأسر غير قادرة على المشاركة فى العديد من المكاسب التى تحدث فى مكان آخر.
وتأتى تلك الأمور على رأس المخاوف المتوطنة بشأن عدم الحصول على رعاية صحية جيدة والسكن والتعليم.
وأفادت دانيا فرانسيس، أستاذة الاقتصاد المساعدة بجامعة ماساتشوستس فى بوسطن الأمريكية، أن الانتعاش الاقتصادى منح الأولوية لرأس المال مقارنة بالعمل، مضيفة: «رغم احتمالية ارتفاع الأرباح، إلا أننا لم نشهد سوى ركودا فى الأجور».
ووفقا لأحدث البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الأمريكى، كان متوسط دخل الأسرة السوداء يصل إلى 41.361 دولار فى عام 2018، بعد أن نما بنسبة %3.4 مقارنة بالعقد السابق، ومقارنة بمتوسط دخل يقدر بـ 70.642 دولار للأسر البيضاء من أصل غير هسبانى فى عام 2018، والتى نمت بنسبة %8.8 منذ أزمة 2008.
صافى ثروة الأسرة البيضاء 10 أضعاف الأسرة السوداء
أوضح تقرير نشره معهد أبحاث «بروكينجز»، ومقره واشنطن، فى فبراير الماضى، أن صافى ثروة الأسرة السوداء النموذجية بلغ 17.150 دولار فى عام 2016، بينما كان الرقم المكافئ بالنسبة للأسرة البيضاء أكبر بعشر مرات ليصل إلى 171.000 دولار، مما أدى إلى توصل المؤلفين إلى حقيقة أن المجتمع الأمريكى لا يقدر فرص مكافئة لكافة مواطنيه.
قال جيرالد دانييلز، أستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة هوارد الأمريكية، إنه لا يزال هناك طريق يتعين قطعه، حتى تستطيع الأسر السوداء اللحاق بالركب فيما يتعلق بالثروة والدخل، مشيرا إلى أن هناك الكثير من الاضطرابات بشكل عام، مع عدم الاستقرار الاقتصادى، بسبب عدم المساواة.
المشرعون يضغطون لدفع تعويضات العبودية وسندات الأطفال
هناك سؤال هام بشأن الدعم الاقتصادى للأحياء السوداء، ويدور هذا التساؤل حول ما إذا كان الكونجرس والبيت الأبيض سيتمكنان من الاتفاق على جولة جديدة من الشيكات للأسر الأمريكية، بالإضافة إلى 1200 دولار لكل فرد يجنى ما يقل عن 75.000 دولار سنويا التى أرسلت بالفعل.
وأفادت الصحيفة أن الأزمة الراهنة تثير الجدل حول تغييرات سياسية أعمق وأكثر إثارة للجدل لمعالجة التفاوت الاقتصادى الذى يعانى منه مجتمع السود.
يضغط بعض المشرعين والناشطين وخبراء الاقتصاد من أجل دفع تعويضات العبودية إلى الأسر السوداء، فضلا عما يسمى بسندات الأطفال، والتى ستكون عبارة عن أدوات إدخار متاحة لكل طفل، وخطط ضمان الأجور التى ستساعد العمال على الحصول على بعض الاستقرار الاقتصادى، وسيكون كل ذلك بمثابة دفعة سياسية ضخمة.