بولندا ستسجل أقل انكماش فى الناتج المحلى الإجمالى لأوروبا 2020
يمكن أن يشير مصير المطاعم والحانات، التي لم تستطع استقطاب عدد كبير من العملاء، إلى الصعوبات التي تواجهها الدول الغنية في الوقت الذي ترفع فيه عمليات الإغلاق.
ويعتقد معظم المتنبئين، أن الناتج المحلي للاقتصاد المتقدم، بعد انخفاضه في النصف الأول من عام 2020، قد يصل إلى مستويات ما قبل الأزمة في وقت ما بعد عام 2021.
لكن لن تكون جميع الانتعاشات متساوية، إذ يمكن أن تبدو بعض الدول الغنية، ومنها ألمانيا وكوريا الجنوبية، في وضع أفضل للنهوض من جديد أو تسجيل انتعاش على شكل حرف V، وربما يبدو مسار الناتج المحلي الإجمالي في مكان آخر أشبه بحرف I أو W.
وأظهر تحليل أجرته مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية للبيانات الاقتصادية أيضا مدى سهولة أن يتحول التعافي الاقتصادي إلى الاتجاه المعاكس، إذ يتفاعل المستهلكون مع إمكانية حدوث تفشيات جديدة للأوبئة.
وأوضحت المجلة أن بعض الدول لايزال أمامها عمل شاق، نظراً لانخفاض إنتاجها بشكل كبير منذ فبراير الماضي، عندما فرضت عمليات الإغلاق، ومع ذلك لا أحد يدرك حتى الآن الدول التي حققت نتائج جيدة أو سيئة على وجه التحديد، لكن الهيكل الصناعي يعتبر أحد المؤشرات على الأداء.
وتشير استطلاعات النشاط الاقتصادي في ألمانيا إلى تحسن الأوضاع بين شهري مارس ومايو، مقارنة بما كان عليه الوضع في فرنسا أو إيطاليا أو إسبانيا، وربما يكون السبب في ذلك هو اعتماد ألمانيا بشكل كثيف على التصنيع، إذ يعتبر الاحتفاظ بكل من الإنتاج والتباعد الاجتماعي، على سبيل المثال، أسهل من خدمات البيع بالتجزئة أو الضيافة.
وتجادل مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” بأن بولندا ستسجل الانكماش الأقل في الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا هذا العام، ويرجع ذلك جزئياً إلى اعتمادها إلى حد ما على السياح الأجانب.
ومن الواضح أن صرامة عمليات الإغلاق الرسمية وتغييرات سلوك الأفراد لعبت دوراً كبيراً في الأداء الاقتصادي. ووجد بحث أجرته مؤسسة “جولدمان ساكس” المصرفية، أن صرامة الإغلاق- من حيث قوة القواعد الرسمية وكيفية ممارسة الأفراد التباعد الاجتماعي بحماس- يرتبط ارتباطاً وثيقاً بضرر النشاط الاقتصادي.
ووفقاً لهذا المقياس، كانت إيطاليا تعاني من الإغلاق الأكثر صرامة على الإطلاق لمعظم الوقت، لذا تشير الحسابات غير الرسمية للناتج المحلي الإجمالي للبلاد في النصف الأول من 2020، إلى احتمالية تسجيل انخفاض بنسبة 10% تقريباً عما كان سيكون الوضع عليه في الأوضاع الطبيعية بالنسبة لبلد كافح من أجل النمو حتى قبل تفشي الوباء.
وفي المقابل، من المرجح انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الجنوبية بنسبة 5%، وأكدت “ذي إيكونوميست” أن رفع قيود الإغلاق تعزز النشاط الاقتصادي الآن، لكن مقدار النمو يختلف من بلد إلى آخر.
وتشير بيانات النشاط الفعلية، إلى أن أمريكا وإسبانيا تأتيان في مكانة متأخرة، ليس من حيث زيارات المطاعم فقط، بل أيضاً في أماكن العمل ومحطات النقل العام.
وفي الوقت نفسه، يمضي البعض الآخر قدماً ليصبح أكثر قوة ونجاحاً، فقد عادت الحياة الاقتصادية في الدنمارك والنرويج إلى حد كبير، لوضعها الطبيعي بحلول نهاية يونيو الماضى.
وارتفعت مبيعات التجزئة الدنماركية بالفعل بأكثر من 6% على أساس سنوي في مايو، مقارنة بانخفاض مزدوج الرقم في بريطانيا، كما أغلقت المطاعم فى ألمانيا في مايو، ولكنها عادت بكامل طاقتها فى الأيام الأخيرة.
وثمة عوامل عديدة تؤثر على سرعة عودة الاقتصاد، مثل الوضع المادي للأسر، وهو ما تعزز من خلال الدعم الحكومي، إذ يمكن للأسر الآن إنفاق الاحتياطيات النقدية الكبيرة التي استطاعت جمعها في الأماكن التي اتسمت فيها مدفوعات التحفيز بكبر حجمها وتركزها على الأسر.
ويمكن النظر في وضع كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، حيث أنفقت الأسر سريعا أكثر من 80% من حزمة الطوارئ البالغة 10 تريليونات وون كوري جنوبي ( أي 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي أو 8.4 مليار دولار).
ونتيجة لذلك ربما يعاني اقتصاد البلاد بشكل أقل من الاقتصادات المتقدمة الكبرى الأخرى.
ومن المتوقع ارتفاع الدخل الكلي للأسر في اليابان هذا العام، ويرجع ذلك جزئياً إلى مدفوعات الطوارئ السخية التي تقدمها الدولة، وعلى النقيض من ذلك كانت الحوافز المالية في إيطاليا، التي كانت تعاني من ارتفاع الدين الحكومي بشكل كبير أثناء بدء الأزمة، أقل سخاءً.
ومع ذلك، كل تلك الأمور لا تعني شيئاً دون ثقة المستهلك، فعلى سبيل المثال يتمتع الشعب الأمريكي بالكثير من التحفيز النقدى، لكن الأمريكيين رغم ذلك حذرين.
فقد أظهرت مجموعة كبيرة من الأدلة أن رفع الإغلاق لا يحدث فروقاً كبيرة في النتائج الاقتصاديةن طالما أن المستهلكين يشعرون بالخوف.
وأظهرت الأرقام الحديثة مدى هشاشة ثقة المستهلك.
ويبدو أن الأفراد في الولايات الأمريكية المتوترة، مثل أريزونا وفلوريدا ونيفادا، التي تتزايد فيها حالات الإصابة بالفيروس، أصبحوا أكثر حذراً، فقد توقف نمو معدل إنفاق بطاقات الائتمان الأمريكية، التابع لمصرف “جيه.بي مورجان تشيس” في 21 يونيو تقريباً، وارتفع حجم مبيعات التجزئة الأسبوعية، التي تُراقب عن كثب، بالكاد منذ مايو، والأكثر خطورة هو أن مقاييس سوق العمل تشير إلى أن العمالة في الشركات الصغيرة آخذة في الانخفاض مرة أخرى.
ومع ذلك، لا يقتصر خطر الانتكاس على الولايات المتحدة فقط، بل تزامن انخفاض كبير في مطاعم أستراليا بداية يوليو، مع تفشي الوباء في ولاية فيكتوريا.
ولحين القضاء على الفيروس، يمكن أن يقال شيء واحد أكيد عن التعافي وهو أنه سيكون تحولا في شكل الاقتصادات.








