المدير التنفيذى لصندوق النقد: الجائحة كشفت أهمية التركيز على البحث العلمى المرتبط بالقطاع الصحى
محيى الدين: سياسة تمويل الاستثمارات فى المنطقة يجب أن تقوم على الادخار العام والخاص
زيادة الاستثمارات العامة 1% من الدخل القومى يمكن أن تجذب استثمارات خاصة تصل إلى 10%
التحول الرقمى، والاستدامة، والتكنولوجيا.. أبرز توصيات الدكتور محمود محيى الدين المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى، ممثلًا عن المجموعة العربية، ليس فقط للعبور من الجائحة بل ولإطلاق إمكانيات الاقتصاد المصرى والانتقال به إلى المستوى التالى.
وفى حواره مع «البورصة» استخدم محيى الدين، خبراته الاقتصادية الكبيرة، بصفته مسئولًا دوليًا مرموقًا فى أكبر المؤسسات الاقتصادية العالمية فى السنوات العشر الأخيرة، ليرسم خريطة طريق لاقتصاديات الدول النامية فى الخروج من الأزمة الحالية، ترتكز على التعاون الدولى وترتيب الأولويات فى الإنفاق وعمليات توطين التنمية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
فى البداية.. أين تتجه أنظار المستثمرين فى 2021؟ وكيف يمكن لمصر أن تستغل الأزمة الحالية لخلق مزيد من الفرص لجذب الاستثمارات الأجنبية؟
تتجه أنظار المستثمرين خلال العام الجارى 2021 إلى تنمية الاستثمارات القائمة بالفعل فى القطاعات التقليدية، بالإضافة إلى الاستثمار فى التحول الرقمى، فضلاً عن الاستثمارات الخاصة بالمشاركة مع الدولة فى بعض المشروعات، مثل البرامج التى تبنتها العديد من الدول خاصة الاتحاد الأوروبى لتسريع عملية التعافى، حيث أطلق الاتحاد برنامج خاص بضخ استثمارات بقيمة 750 مليار دولار.
وهناك الاستثمار فى مجالات الاستدامة خاصة مع متغيرات ومتطلبات المناخ واتفاقية باريس فيما يعرف بالاستثمارات الداعمة والاحتوائية لتغيرات المناخ أو تلك المعالجة لمتغيراته أيضًا، وهو النهج الذى اتبعته مصر مؤخرًا حيث دخلت فى مجموعة ضخمة من الاستثمارات فى تلك المجالات كقطاعات الطاقة المتجددة، ومشروع بنبان، ومشروع تخفيض انبعاثات الكربون وصيانة المصانع القديمة، فضلاً عن الجهود فى تطوير المحركات داخل تلك المصانع والاعتماد بصورة كبيرة على استخدام منظومة الطاقة النظيفة، حيث تسعى كل الدول للعمل على هذه المجالات فى الوقت الحالى خاصة وأنها استثمارات جديدة وضخمة.
ومع الظروف التى تمر بها بعض الدول لزيادة الناتج الغذائى مع تقليل فاقد المياه هناك توجه كبير نحو الرى الحديث وتغيير الطرق التقليدية.
والاستثمار فى تلك القطاعات قائم على جهود الدولة بشكل أساسى، لتكون محفزة وداعمة للاستثمارات الخاصة، حيث تدور تلك القطاعات فى فلك منظومة الضروريات من الطاقة والماء والغذاء.
وأجرى صندوق النقد الدولى دراسة تعتمد على بيانات من عدة دول متقدمة وناشئة، والتى تشير إلى أن كل زيادة فى الاستثمارات العامة بمعدل 1% من الدخل القومى، من المتوقع أن تؤدى إلى زيادة الاستثمارات الخاصة بنسبة تصل إلى 10% حسب القطاع، على أن تكون تلك القطاعات مكملة للقطاع الخاص وليست مزاحمة له.
ما رؤيتك للأسس التى يعتمد عليها جذب الاستثمارات الأجنبية لقطاع الرعاية الصحية بمصر فى ظل الجائحة؟
يعتمد الاستثمار فى قطاع الرعاية الصحية فى الأساس على الدولة، وأهمها ما يرتبط بتوفير نظام للرعاية الصحية الشاملة كالذى تسعى مصر لتطبيقه فى الآونة الأخيرة وهو نظام التأمين الصحى الشامل، والذى أتوقع تفعيله بسرعة أكبر مما هو معلن، حيث يصب هذا النظام فى مصلحة قطاع الرعاية الصحية المصرى بشقيه العام والخاص.
كما أنه لابد أن يكون هناك تركيز على قطاع البحث العلمى والتطوير المرتبط بالقطاع الصحى خاصة بعد إبراز الجائحة لأهمية دوره، والحاجة إلى تعاون ضخم بين الجهات الحكومية والخاصة والشركات العالمية فى تصنيع الدواء ونظم الصحة بشكل عام.
وبينت الجائحة أن المصدر الهام للمعلومات والبيانات ليس محدودًا ولا قاصرًا على ما يرتبط بالعالم الغربى، فقد وجدنا مستحدثات طبية متطورة ومختلفة من دول الصين والهند وكوريا وجنوب أفريقيا والبرازيل وعدد كبير من الدول التى بات التعاون معها أمر حتمى، وهو ما يدفعنا إلى العمل على تكثيف الاستثمارات المحلية فى هذا القطاع خاصة مع نمو دخول الأفراد والعناية بالصحة الفردية بصورة أكبر.
ما رؤيتكم للاقتصاد المصرى خلال 2021.. وهل يبشر بدء توزيع اللقاح بعام أفضل من العام الماضى؟
السيطرة على الوباء هو المحور الرئيسى الذى تتجه إليه أنظار دول العالم لدفع عجلة النمو الاقتصادى، حيث إن كل خطوة نحو السيطرة على الجائحة ذات مردود إيجابى على حياة الناس وعلى فرصهم للعمل، واستئنافهم للأنشطة الاقتصادية، مع اتخاذ الاعتبارات الخاصة بالسلامة والتدابير الاحترازية للتباعد الاجتماعى للحفاظ على استمرار الأنشطة الاقتصادية.
وتتطلب الفترة القادمة مساندة القطاعات المتضررة على أثر الجائحة كقطاع السياحة من خلال ضخ المزيد من الاستثمارات فى هذا القطاع الحيوى، إلى جانب استغلال فترة الأزمة فى عمليات صيانة ودعم وتجديد القطاع، خاصة فى ظل معدلات الإشغال المنخفضة حاليًا للمنشآت السياحية، مع ضرورة مراعاة هذه القطاعات المتضررة من خلال برامج مساندة اجتماعية.
وعلى الجانب الآخر هناك قطاعات لم تتضرر من الجائحة مثل القطاعات الزراعية والصناعية والنقل والتى حافظت على توازنها خلال العام الماضى، فى حين أن قطاعات التكنولوجيا والاتصالات والخدمات التى تتعلق بالعمل عن بعد شهدت انتعاشة كبيرة على مستوى العالم، وهو ما يشير إلى أن التنوع بين كل تلك الأنشطة هو الميزة القوية للاقتصاد المصرى.
ما الذى تحتاجه الدول النامية للتعافى من آثار الجائحة؟
للتعافى من آثار الجائحة يجب على الدول النامية اتباع روشتة مكونة من سبعة عناصر أساسية، أولها اتخاذ كافة التدابير اللازمة للتعامل مع الجائحة، وثانيها المساندة من مؤسسات المجتمع الدولى، خاصة أن الدول الغنية نجحت فى توفير اللقاح بنسبة تغطى عدد سكانها، ودول أخرى نجحت فى توفيره بنسبة تغطى مضاعفات السكان بها، مما يعنى تركز اللقاح، فى حين أن بعض الدول النامية الأفقر لم تستطع توفيره وتحتاج تعاون دولى أكبر من خلال آلية كوفاكس والتى تديرها منظمة الصحة العالمية لإتاحة اللقاح للدول غير القادرة على توفيره، مع ضرورة النظر إلى التعاون مع منظمة التجارة العالمية للمراجعة الدورية لحقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة لتيسير القدرة على تصنيع العقاقير واللقاحات والأجهزة الطبية المطلوبة، فضلاً عن دعم تلك الدول من الجانب الدولى فى الإطار الصحى لنقل المعرفة والتكنولوجيات المتطورة حتى تستطيع القيام بعملها.
ويرتبط العنصر الثالث بضرورة تخفيف الأعباء المالية ومنع تحويل مشكلة المديونية إلى أزمة مديونية، خاصة أن بعض الدول النامية تعانى من ارتفاع معدلات الاستدانة الدولية، ويجب مساندة موازنات تلك الدول محليًا عبر تحديد أولويات الإنفاق العام على مدار العامين المقبلين حتى تحقق أقصى عائد ممكن من هذا الإنفاق، بينما يتمثل العنصر الرابع فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهو ما يتطلب مزيجا من الاستثمارات المحلية والدولية لتحقيق الاستدامة فى تلك الدول.
وفيما يخص العنصر الخامس والذى أعتبره الأخطر والأتعس على الإطلاق، التعاون لمنع التدفقات غير المشروعة من الدول، ففى الوقت الذى تسعى الدول النامية وخاصة الأفريقية لجذب استثمارات ومساعدات خارجية، نجد أن التدفقات النقدية غير المشروعة التى تخرج منها تتجاوز الـ90 مليار دولار سنويًا.
أما العنصر السادس، فمع تغير مسارات العولمة خاصة بعد الجائحة، فإن هناك حاجة إلى زيادة التعاون الإقليمى، وهو الأمر الكفيل بزيادة الصادرات على سبيل المثال، بينما العنصر السابع يتمثل فى ضرورة توطين التنمية، وهو ما يؤكد أن أهم المشاريع على الإطلاق خلال الفترة المقبلة هو الاهتمام بالقرية المصرية والأحياء المختلفة فى المدن الصغيرة، لأنها تحقق نقلة فى الخدمات وفرص التعليم والرعاية الصحية، مما يساهم فى الارتقاء بنوعية الخدمة، خاصة وأن المواطن فى القرى يتوقع الحصول على خدمة لا تقل فى تميزها وكفاءتها وجودتها عن الخدمات التى تقدم فى المدينة، لأنه فى حالة الافتقاد إلى الخدمة المتميزة فى القرية فإن المواطن يتوجه إلى السكن فى المدينة، وهو ما يسبب حالة من التكدس فى بعض الأماكن.
ولابد هنا من الإشارة إلى أهمية المشروعات والمبادرات التى يتم تدشينها فى المناطق الريفية والقرى خاصة أنه يعيش بها ما يقرب من 58 مليون نسمة، والتى ببعضها نسب فقر مرتفعة، ومع تفعيل برامج المساندة الاجتماعية وتوفير فرص عمل سينخفض معدل الفقر بهذه المناطق مما يخلق زيادة فى الدخول وهو ما ينعكس على زيادة الطلب، والمساهمة فى تحقيق معدلات نمو اقتصادى أعلى.
كما أننا نحتاج إلى تكثيف عمليات التطوير والابتكار خلال السنوات المقبلة، حتى يشعر المواطن بمعدلات التنمية، كما أنه لابد من استخدام آليات السوق فى الرقابة والتنظيم، وضرورة تعديل التشريعات بما يتواكب مع تطور الصناعة بدون التأثير على الصناعة بشكل سلبى.
ما المقومات التى يمتلكها الاقتصاد المصرى للتعافى من الجائحة.. ودور الحكومات فى هذا الشأن؟
مصر تمتلك رصيدا قائما من شركات والمشروعات المنتجة بحجم كبير، وفى ظل استيراد مصر من الخارج بنحو 30% من الدخل، ومع إجمالى استهلاك بنحو 90% من الدخل، مما يعنى أن 60% من الناتج المحلى الاجمالى عبارة عن إنتاج محلى يلبى الاستهلاك.
وتمتلك مصر إنتاجا كافيا ويزيد فى بعض المجالات مثل الخضر والفاكهة، حيث تعتبر مصر الدولة المصدرة الأولى للموالح خلال العام الماضى، خاصة وأن هذه الزراعة تتطلب عمليات تسميد وميكنة ونقل ولوجستيات ومحطات توفير وعمليات تغليف، إلى جانب تميز مصر فى بعض الصناعات التحويلية مثل تصنيع الملابس الجاهزة والمفروشات والصناعات الخشبية، مما يشير إلى أن مصر تمتلك العديد من المقومات التى تمكنها من أن تصبح مركزًا صناعيًا من خلال عقد شراكات صناعية مع الدول التى تتميز بصناعات مهمة.
وتحتاج إلى تكثيف التصدير خاصة فى ظل أرقام التصدير المتراجعة، كما يجب عليها استغلال عبقرية الموقع الجغرافى بالشكل المطلوب، حيث كانت مركزًا لحركة النقل بين الشرق والغرب من خلال القوافل وقناة السويس، فكان عليها أن تصبح مركزا للنقل الجوى بنفس المعيار، إلا أن التأخر فى هذا المجال أدى إلى الانتقال لغيرها من الدول، إلا أننى أرى أن هناك اهتماما مؤخراً لاستعادة هذا المجال.
كما أن المشروعات الجديدة التى تربط البلد ببعضها، تعتبر مقوما كبيرا لعملية التنويع الهيكلى، حيث تمتلك مصر مزارع فى الصعيد تنتج سلعا بديعة ومطلوبة، إلا أن الهدر الذى يصل إلى نحو 40% منها، يجعل هناك زيادة فى التكلفة وضعف قدرة المنتج على المنافسة، مما يمنعه من الوصول إلى الأسواق المحلية والخارجية، وهو ما يجعل تحسن منظومة النقل والطرق أحد أبرز المقومات لدعم هذه المجالات وخلق التنويع الاقتصادى، وهو ما يتطلب سياسة صناعية تتناغم مع العصر الرقمى بمتطلباته، وربط الاستدامة بالرقمنة وسياسات التعليم ونظم التدريب والشبكة الخاصة بالتنمية العمرانية.
وأود أن أشير إلى مسألة مهمة فى سياسة تمويل الاستثمارات أنها لابد أن تقوم على سياسة ادخار عام وخاص ولابد من توطين ثقافة الادخار لدى الأفراد واستغلال الحصيلة الادخارية فى تمويل الاستثمارات، حيث اقترح مبادرة «حساب لكل تلميذ» وتستفيد هذه المبادرة من أربعة عوامل: أولها شبابية التكوين السكانى وتزايد أعداد تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات فى البلدان العربية، ثانيها انتشار خدمات الإنترنت فى البلدان العربية، وثالثها التوسع فى النشاط المصرفى، ورابعها استخدام نظام الرقم القومى الموحد فى عدة بلدان عربية.
هذه المبادرة، التى أدعو البلدان العربية لتبنيها، تهدف إلى فتح حساب مالى لكل تلميذ بمدرسة.
فمع بداية العام الدراسى يسجل التلاميذ الجدد فى مدارسهم أسماءهم، يسجلون أيضاً تلقائياً فى البنوك من خلال فتح حساب مالى إلكترونى يودع فيه مبلغ رمزى ليكن ما يعادل 10 دولارات «بالعملة المحلية»، تمول هذه الإيداعات من البنوك بالتعاون مع البنوك المركزية باستخدام هامش محدود من الاحتياطى القانونى، وستحدث هذه المبادرة نقلة نوعية فى الثقافة المالية والادخارية للتلاميذ وذويهم، وتفتح أمامهم آفاق الخدمات المالية مثل الائتمان والاستثمار وأعمال البورصات والتأمين.
وستربح البنوك أعداداً غفيرة من المودعين الجدد بمدخراتً طويلة الأجل، إذ لن يقربوا هذه المدخرات حتى بلوغ السن القانونية، بل قد يضيفوا وذويهم إليها مدخرات عبر الزمن وفقاً لأحوالهم المالية، من شأن هذه المبادرة، إذا أحسن تطبيقها، باستخدام قاعدة بيانات متكاملة والتنسيق بين البنوك، تحقيق شمول مالى له فائدة حقيقية للأفراد والاقتصاد، فالخدمات المالية أكثر تنوعاً وأهمية من مجرد فتح حساب لسداد الالتزامات والمستحقات مع ما فى ذلك من ضرورة.
فالادخار يجب أن يكون الهدف الأول للشمول المالى، وفتح حساب ادخارى لكل تلميذ وطالب هو بداية لنهج جديد، خاصة وأن هناك تسربا كبيرا فى مدخرات العرب بعيداً عن مسار الاستثمار والتنمية، يتجه نحو المضاربات، ولا أقول الاستثمارات العقارية واقتناء الذهب والسلع المعمرة، ولعل عدم ترسخ ثقافة الادخار يحتاج إلى مراجعة وسياسات تعدل المسار.
هل تتغير نظرة المؤسسات الدولية للاقتصادات الناشئة فى ظل الموجة الثانية للجائحة؟
هناك مراجعات دورية للمؤسسات الدولية يتم على أساسها تقييم الاقتصادات، فعلى سبيل المثال عند مراجعة رقابة المؤسسات الدولية لمعدلات النمو العالمى، نجد أنها كانت تتوقع معدل نمو فى بداية 2020 بنحو 3%، إلا أن هذه التوقعات تغيرت فى إبريل -أى بعد انتشار الجائحة- لتصبح انكماش بنسبة 5%، لكن مع التحسن الطفيف والسيطرة جزئياً على الجائحة، غيرت المؤسسات الدولية توقعها ليصبح انكماشا بنسبة 4% أو 3.5%، إلا أن توقعات النمو الاقتصادى هذا العام تصل لنحو 4 أو 5%، مما يعنى أن خسارة 2020 يعوضها تحسن 2021 مع افتراض السيطرة على الجائحة، ليس فقط بتوفير اللقاح وإنما من خلال الالتزام بالتباعد الاجتماعى.
العنصر الحاكم الرئيسى للخروج من حالة الانكماش هو السيطرة على الجائحة، حيث إنها تسبب تراجع الاستثمار، والتصدير، وضعف الاستهلاك ببعض القطاعات بسبب ضعف دخول الأفراد، خاصة وأن الوباء تسبب فى فقدان نحو 250 مليون وظيفة حول العالم.
كيف يمكن للدول النامية توفير تمويلات للرعاية الصحية والتعليم فى ظل تنامى القروض المستحقة على هذه الدول؟
الحل يكمن فى أولوية سياسات الإنفاق، حيث إن الدول عندما تريد أن تنفق حتى فى ظل قيود التنمية فإنها تستطيع أن توجه أولويات الانفاق، وكل 1% من الاستثمارات العامة يجذب نحو 10% من الاستثمارات الخاصة، ما يدفعنا إلى النظر إلى المجالات التى تحتاج إلى استثمارات عامة ودعمها، كالطاقة والمرافق والاستدامة، وتلك المجالات لا يستطيع أن يحل القطاع الخاص محل الدولة فيها، ومن أهمها الإنفاق على التعليم والصحة والمرافق الأساسية.
ما مدى التزام مصر بتنفيذ أجندة 2030 وما هى الأهداف التى يجب التركيز عليها؟
أحد أهم العناصر لتحقيق التنمية المستدامة يتمثل فى مكافحة الفقر، ومصر من خلال مشروعاتها الحالية تسعى لزيادة معدل الدخول وزيادة فرص العمل من خلال تلك المشروعات لأن هذا المحور هو الأهم بين كل الأهداف على الأجندة، ورغم أهمية باقى أهداف التنمية المستدامة مثل الارتقاء بالتعليم والرعاية الصحية والبنية الأساسية وتغيرات المناخ ليس على مستوى أهمية مكافحة الفقر.
ما تعليقك على المضاربات على بعض الأسهم فى الأسواق العالمية مثل سهم «جيم ستوب»؟
ما يحدث الآن هو نوع من أنواع المبالغة الشديدة فى المضاربة والتى تقترب إلى حد المقامرة والمغامرة بالأموال فى عدة أسهم لعدة شركات لا تحقق ربحًا فى إيقاف صراع محتوم بين بعض صغار المستثمرين وصناديق التحوط الجديدة والتى قامت بعمليات ما يعرف بالشورت سيلنج أو البيع بغرض الاقتراض فى بورصة «وول ستريت».
ويرجع ذلك إلى توافر المنصات الرقمية المتاحة للتداول بتكاليف تقترب من الصفر وأيضًا مواقع للتواصل الاجتماعى توجه جموع المستثمرين الصغار لاستهداف أسهم بعينها، كما أن عددا وليس كل هؤلاء المستثمرين أتيحت لهم تدفقات مالية بتكلفة زهيدة أو بدون تكلفة من خلال عملية التيسير النقدى.
عن طبيعة هؤلاء المستثمرين تبين أن عددا منهم على استعداد لخسارة أمواله ولا توجد عليه أعباء إذا خسر رأس ماله فى هذا الأمر، إلا أن هناك آخرين إما انهم اندفعوا وراء أصحاب الدوافع الانتقامية من صناديق التحوط أوالدوافع السياسية ضد المؤسسات القائمة ظناً فى احتمالية تحقيق أرباح كبيرة، وتكبدوا خسائر كبيرة على النحو الذى رأيناه فى سهم «جيم ستوب».
الرسالة هنا أن جهاز الرقابة والإشراف تقع عليه مسئوليتان؛ الأولى هى تطوير قواعدها فى القضية الإشرافية للتعامل مع فرص وتحديات العصر الرقمى، وثانيها هى التوعية المستمرة لبعض المستثمرين حيث إنهه لا يكمن تحديد دوافع المستثمرين على أنها دوافع واحدة، حيث إن هناك من يدخل لدوافع سياسية وآخر للمضاربة وآخر للاستثمار العادى باعتبار أن هذه فرص لا يمكن تعويضها، وهناك من يدخل بدافع التواجد مع القطيع فيما يعرف باستثمارات فرص العمر أو كما يسمونها YOLO أى «أنت تعيش مرة واحدة ولك فرصة واحدة فى المكسب والخسارة»، ويمكن أن ندع هذا الأمر لمحللى السلوك البشرى وفى ظل الضغوط الشديدة التى خلفتها الجائحة والعمليات الإنفلاتية فى الأسواق أدت إلى أشياء غير مسبوقة فى طبيعتها وسرعتها، وهو ما يحتم على الجهات الرقابية ضرورة توعية المستثمرين، خاصة أن أغلبهم يلقى اللوم على هذه الجهات عند خسارة أمواله.
ما انعكاس التقلبات التى تحدث فى البورصات العالمية على الأسواق الناشئة؟
بالنظر إلى ما حدث فى الأسابيع الماضية نجد أن الارتفاعات والانخفاضات التى حدثت فى بعض البورصات العالمية لم تسبب أزمة شاملة أو عالمية ولكنها أزمة لأسهم بعينها، حيث إن المتضرر هو من تعامل على هذه الأسهم تحديداً، وبالتالى لم يترتب عليها أزمة فى السيولة أو التداول، ولكن إذا تعددت هذه الأمور بشكل يشكل نوع من أنواع زيادة القلق والمخاطر وعد اليقين التى يتعرض لها المستثمرون سيكون هناك قدر من التوتر فى الأسواق.
وأود الإشارة إلى أن البورصات تقوم بموجة تصحيح عاجل فى الأسهم سواء بشكل جزئى أو قطاعى، حيث أن عدم حدوث موجات تصحيح يؤدى إلى حدوث مشاكل وقلق يخلق أزمات أكبر، فكلما صححت البورصات أوضاعها كانت أفضل.
تعليقك على التقلبات الأخيرة والارتفاعات الضخمة فى أسعار البيتكوين؟
فيما يخص البيتكوين، يجب التأكيد أولاً أنها ليست عملة بالمعنى المتعارف عليه حيث إنها من الممكن ان يطلق عليها أصل مشفر يمكن استخدامه فى المعاملات الاقتصادية والتجارية بشرط رضا الأطراف والجهات والسلطات الرقابية داخل البلد، حيث إن هناك عددا من الدول أقر التعامل بالبيتكوين وعلى مسئولية المتعاملين، أما العملات المشفرة فيمكن أن تتجه إليه الدول لاحقاً تحت رقابة السلطات المختصة ، حيث يتلخص شكل العملات بنكنوت أو فى شكل معدنى أو شكل عملات رقمية.
واختتم الدكتور محمود محيى الدين حواره لـ«البورصة» بالتأكيد على ضرورة السيطرة على الوباء من خلال توفير اللقاح وأسس التباعد الاجتماعى المتعارف عليها لضمان تعافى الاقتصادات، وأنه الأولوية الأولى والقصوى لعبور الأزمة.