أصدرت مؤسسة “برايس ووتر هاوس كوبرز للاستشارات المالية والمراجعة مصر” تقريرها عن الشركات العائلية العاملة فى السوق المصرى وآليات إدارتها لأزمة فيروس “كورونا”.
وقال التقرير الذى حصلت “البورصة” على نسخة منه إن 45% من الشركات العائلية المشاركة فى استطلاعها لا تملك مجلس إدارة رسمياً، و39% من تلك الشركات ليس لديها لجان للمخاطر والتدقيق والامتثال.
وأجرى مكتب “برايس ووتر هاوس كوبرز” مسحاً ميدانياً على 47 شركة من أجل المسح الافتتاحى للشركات العائلية فى مصر من 16 أغسطس إلى 10 أكتوبر 2020، إذ غطى الاستطلاع الشركات العائلية ذات الأحجام المختلفة، وتم توزيع الشركات عبر مجموعة تمثيلية من قطاعات العقارات والأغذية والمشروبات والبناء والخدمات المالية.
وأظهر التقرير مجموعة من نقاط القوة فى العديد من الشركات فى استبيانها الأول للشركات العائلية فى مصر، والذى يغطى الشركات التى تضم بضع مئات من العمال فقط فى التكتلات الدولية الكبيرة، كما أشارت النتائج إلى أن الشركات العائلية فى مصر بحاجة إلى العمل بجدية أكبر لإدخال التقنيات الرقمية فى عمليات التعامل بداية من إدارة سلسلة التوريد إلى مبيعات العملاء وعلاقاتهم.
وقال التقرير إن عدداً كبيراً من الشركات العائلية تعامل بشكل جيد مع التأثير غير المسبوق للموجة الأولى لفيروس “كورونا” خلال الفترة من مارس وحتى يوليو 2020، إذ أظهرت المرونة وخفة الحركة والاستبصار الاستراتيجى فى التحول إلى العمل عن بُعد والمبيعات عبر الإنترنت، واغتنام الفرص التى أوجدها الوباء فى قطاعات مثل تصنيع الأغذية والمستلزمات الطبية.
أضاف التقرير، أن تقلبات السوق والسعى نحو التحول الرقمى يجعل الشركات العائلية فى مصر لا يمكنها الاعتماد على الطرق التقليدية من أجل نقل شركاتهم فى حالة جيدة إلى الأجيال القادمة.
وطالب التقرير مالكى الشركات العائلية بالاعتماد على أفضل الخبرات المتاحة فى مجالس الإدارات والإدارة الخارجية، للخروج بشكل قوى من أزمة “كورونا” لخدمة المصالح طويلة الأجل للأسرة المالكة.
وأوصى التقرير بضرورة التزام الشركات العائلية فى مصر بتطبيق 3 تدابير رئيسية يجرى تنفيذها بشكل عاجل لبناء المرونة وضمان خلق قيمة مستدامة مع تعافى البلاد من أزمة “كورونا” أولها الإشراف المستقل على مجلس الإدارة، وإدخال وظائف التدقيق والامتثال وإدارة المخاطر، بجانب وضع استراتيجية تخطيطية للتعاقب الوظيفى وتدريب الجيل القادم بالمهارات والمؤهلات المناسبة، ما سيمكنها من تقليل احتمالية حدوث نزاعات داخلية وضمان بقاء الشركة فى أيدى أفراد العائلة، وأخيراً صياغة خطط استراتيجية واضحة تعتمد على التقنيات الرقمية.
وأوضح التقرير، أن الدروس المستفادة من أزمة “كورونا” فى وقت إجراء المسح بالنسبة للشركات المشاركة فى الاستطلاع، أن بعض الشركات قد نجت فى تخطى الموجة الأولى من الوباء مع القيود المرتبطة بها واضطراب السوق.
وأظهرت بعض الشركات العائلية فى مصر مرونة وخفة فى التعامل مع ظروف الأزمات الشديدة، وتمكنت من التخفيف من الأضرار التى لحقت بعملياتها.
كما كافح آخرون للتعامل مع سلاسل التوريد المعطلة، وانخفاض المبيعات والتباطؤ الاقتصادى العام، الأمر الذى تعكسه عينة المسح للشركات العائلية فى مارس 2020، عندما بدأت الموجة الأولى فى الارتفاع، حيث اتخذ العديد من مالكى العائلات وفرقهم الإدارية تدابير فورية لإنشاء مراكز قيادة الأزمات وضمان سلامة موظفيهم، قبل الشروع فى خطوات تكتيكية لتحقيق الاستقرار فى الشركة وشملت هذه التدابير تحليل السيولة وتخطيط السيناريو التشغيلى.
وقال 21% فقط من المشاركين فى الاستطلاع إنهم فكروا فى طلب المساعدة خلال الأزمة من أفراد الأسرة الآخرين خارج الشركة بمهارات وخبرات مختلفة، ما يشير إلى مستوى قوى من الثقة بالنفس فى مواردهم وقدراتهم.
وليس من المستغرب أن يكون تحسين الربحية فى المناخ الاقتصادى الحالى المتقلب وسريع الحركة هو الأولوية القصوى لمعظم المستجيبين ومع ذلك فإن نسبة 9% من المشاركين فى الاستطلاع أشاروا إلى أنهم بحاجة للابتكار أو إجراء تغييرات على نموذج أعمالهم، بينما يصنف 6% فقط التحول الرقمى باعتباره أحد الاهتمامات الرئيسية.
ومن الجدير بالملاحظة أن نوع العناية الواجبة فى فترة ما بعد الأزمة التى تقوم بها معظم الشركات الأخرى يبدو أقل إلحاحاً لنسبة كبيرة من الشركات المملوكة للعائلات فى المسح، وعلى سبيل المثال، كان إجراء مراجعة للمحفظة فى ظل المناخ الاقتصادى الحالى فى المتوسط رابع أهم أولوية فقط بالنسبة للمستجيبين.
واحتلت معالجة اضطرابات سلسلة التوريد واستكشاف قنوات بديلة المرتبة الخامسة، برصيد 63 درجة، على الرغم من التأثير الكبير والمحتمل لوباء فيروس كورونا على شبكات التوريد الوطنية والدولية، وكانت الحاجة إلى النظر فى إعادة الهيكلة المالية فى مرتبة أدنى من جدول الأعمال، بمتوسط 51 درجة.
ويمكن القول إن العائلات التى نجحت فى امتلاك وإدارة شركاتها لأجيال خلال الأزمات السابقة لديها الخبرة والمعرفة للتغلب على تحديات ما بعد “كورونا”.
وقال 43% من المشاركين فى الاستطلاع إنهم ليس لديهم خطة استراتيجية ديناميكية لمدة ثلاث إلى خمس سنوات مقبلة، لكن 80% أفادوا بأنهم من المحتمل أن يقدموا واحدة.
وذكر الاستطلاع أن من بين 57% من الشركات فى الاستطلاع التى لديها خطط استراتيجية ديناميكية من “ثلاث إلى خمس سنوات”، حققت ثلاثة أرباعها تقريباً نمواً فى فترة وباء فيروس “كورونا”، خلال العام الحالى، وأعلى بشكل ملحوظ من متوسط المسح الإجمالى.
وتشير نتائج المسح جميعها فى نفس الاتجاه، عند وضعها فى سياق السوق الوطنى والدولى الأوسع، إلى أن الشركات العائلية فى مصر قد نجت بشكل عام من حالة الطوارئ الفورية لوباء “كورونا” كما تضمن أنها مهيأة لتزدهر فى اقتصاد ما بعد “كورونا”، مدفوعاً بالتقنيات الرقمية التى تعمل على تغيير مشهد الأعمال فى جميع أنحاء العالم.
وتشير النتائج إلى أن الشركات العائلية يجب أن تكون حذرة من افتراض أن الهياكل والثقافات التى خدمتهم جيداً فى الماضى، وحتى من خلال الموجة الأولى من الوباء، مناسبة لمستقبل سريع الاقتراب بعد “كورونا” حيث إن الشركات التى تدار بشكل صارم وذات خبرة فى مجال التكنولوجيا هى التى ستحتفظ بميزاتها التنافسية.
وتسلط نتائج الاستطلاع الضوء على الكيفية التى تتطلب بها إجراءات إضفاء الطابع المهنى على الشركات العائلية نهجاً مزدوج المسار، يركز على كل من مالكى العائلة “بما فى ذلك أفراد الجيل القادم” والحوكمة والإدارة اليومية للشركة.
ويجب على الشركات العائلية ضمان الإشراف المستقل على مجلس الإدارة وإدخال وظائف التدقيق والامتثال وإدارة المخاطر الصارمة بما فى ذلك التخطيط الأكثر صرامة للخلافة وتدريب أفراد الجيل القادم بالمهارات والمؤهلات المناسبة.
كما يؤكد الاستبيان الذى أجرته “برايس ووتر هاوس”، أن الشركات العائلية فى مصر بطيئة فى إضفاء الطابع الاحترافى على إدارتها وعملياتها مقارنة بنظيراتها العالمية فعلى سبيل المثال فان 45% من المستجيبين ليس لديهم مجلس إدارة رسمى، بينما من بين الشركات التى لديها مجلس إدارة حوالى الربع ليسوا واثقين من أنها مجهزة بالكامل لإدارة المخاطر المرتبطة بوباء “كورونا”.
وبالإضافة إلى ذلك يطلب 50% فقط من هذه المجالس إجراء مراجعات للمحفظة وتمارين قياس الأداء لمختلف الأعمال التى تحتفظ بها الشركة، من أجل تحديد الوحدات ذات الأداء الضعيف، وكانت نسبة كبيرة من المجالس تفتقر إلى لجان المخاطر والتدقيق والامتثال والاستثمار.
وتعود أسباب ذلك إلى جذور عميقة فى ثقافة الشركات العائلية المصرية إذ كانت الشركات العائلية المصرية حذرة من تجنيد الغرباء من خارج دائرة الأسرة بالإضافة إلى ذلك، فإن مصر لا تفرض أى شرط قانونى على الشركات لتعيين مديرين مستقلين.
وتؤكد نتائج الاستطلاع على الدرجة التى تشكل بها هذه الشبكات المترابطة بشكل وثيق نسيج الشركات العائلية فى مصر، وكان 94% من المجيبين يقولون إن أفراد الأسرة مسموح لهم بالعمل فى الشركة، بينما يسمح 53% أيضاً بتوظيف أزواج الأسرة المالكة.
ومن القضايا الموازية التى تنشأ مباشرة من الطبيعة الانسيابية للعديد من الشركات العائلية صعوبة جذب المهارات والمواهب الخارجية والاحتفاظ بها لتقوية الشركة بدون نظام احترافى يقدم للمديرين والمديرين التنفيذيين الموهوبين مساراً مهنياً منظماً.
كما تكافح الشركات العائلية للتنافس مع الشركات الأخرى التى تقدم حوافز مثل خيارات الأسهم ومكافآت الأداء، ومع ذلك، يجب معالجة هذا التحدى إذا كانت الشركات العائلية تهدف إلى التوسع دولياً أو التنويع فى أسواق جديدة أو إدارة المخاطر بشكل أفضل أو الابتكار بشكل أكثر فعالية على كل هذه الجبهات.
وتحتاج العديد من الشركات العائلية إلى جلب أشخاص مؤهلين تأهيلاً عالياً لتحقيق النتائج، وقبل الوباء، كانت الشركات العائلية فى مصر تتعرض بالفعل لضغوط متزايدة لإضفاء الطابع الاحترافى على عمليات حوكمة الشركات والإدارة لضمان استدامتها على المدى الطويل وسط تغير اقتصادى سريع مدفوع رقمياً وتقلبات فى السوق كما زاد فيروس “كورونا” من حدة هذا الضغط، حيث اكتشف الكثيرون أن طريقتهم المنعزلة وغير الرسمية فى ممارسة الأعمال التجارية لا يمكنها مواجهة التحدى المتمثل فى اجتياز أزمة غير مسبوقة.
ويكمن الخطر بالنسبة للمالكين الذين يرفضون قراءة علامات التحذير وإضفاء الطابع المهنى على شركاتهم فى أن الأعمال التجارية لن تستمر حتى يتم نقلها إلى الجيل التالى.
كما بدأت العديد من الشركات العائلية فى اتخاذ خطوات لتحديث حوكمتها وإدارتها وتشمل التدابير الرئيسية ضمان أن مجالس إدارات الشركات مسئولة بالكامل عن أفعالها وأن تكون مسئولة أمام المساهمين، وأن يتمتع أعضاء مجلس الإدارة بالمزيج الصحيح من المهارات والخبرة لدفع جدول أعمال المساهمين ووجود فصل واضح بين أدوار مجلس الإدارة والإدارة والمساهمين.
ووفقاً لنتائج الاستطلاع، أظهرت الشركات العائلية فى مصر مرونتها خلال الموجة الأولى من الوباء، ومع ذلك يفتقر الكثير منهم إلى استراتيجية واضحة للتفاوض بشأن التحديات المقبلة فى شركة محترفة، ويجب على مجلس الإدارة والرئيس التنفيذى وفريق الإدارة العليا استثمار طاقاتهم فى إعداد الأعمال للوضع الطبيعى الجديد، بدءاً من الخطوات الثلاث التالية:
أولاً: تحديد التحولات الهيكلية الأكثر عمقاً فى صناعتك وأسواقك وتأثيرها المحتمل على الشركة وفى هذه المرحلة يجب أن تركز إدارة المخاطر على تقييم محركات القيمة والتدفقات النقدية فمن المحتمل أن تكون بعض الاضطرابات المرتبطة بـ”كورونا” مؤقتة بينما قد يكون البعض الآخر دائماً.
ثانياً: إدارة المخاطر فى الوضع الطبيعى الجديد يجب أن تنظر إلى ربحية الإيرادات والسيولة والرافعة المالية بالإضافة إلى مخاطر طلب متقلب والقدرة على شراء المواد الخام والقدرة على تقديم المنتجات والخدمات.
ثالثاً: فى الوضع الطبيعى الجديد سريع التطور، يمكن أن يؤدى خفض التكاليف بشكل ضعيف التركيز إلى تقويض فرص بقاء الشركات العائلية ونموها على المدى الطويل.
كما يجب على الإدارة العليا تحويل التكاليف نحو مجالات العمل ذات الإمكانات الأكبر لإضافة القيمة واكتساب ميزة تنافسية من خلال المنتجات والخدمات الجديدة أو المحسّنة أو قنوات التوزيع الجديدة أو العمليات الأكثر كفاءة.
واستناداً إلى نتائج الاستطلاع فإن هناك سبباً كبيراً يدعو للقلق من أن العديد من الشركات العائلية فى مصر لم تدرك بشكل كافٍ السرعة التى تعمل بها التقنيات الرقمية القائمة على البيانات على تحويل الاقتصاد العالمى.
ومن المثير للقلق على سبيل المثال، أن 64% من الاستطلاع لا يعتقدون أنهم عرضة للاضطراب الرقمى، و55% يقولون إنهم ليسوا عرضة لهجمات إلكترونية، وذكر 6% فقط أن التحول الرقمى يمثل أولوية قصوى.
ولا يمكن للشركات العائلية فى مصر تجاهل الدرجة التى ستكون فيها التقنيات الرقمية جزءاً لا يتجزأ من البقاء والنجاح فى السنوات القادمة، بغض النظر عن حجم الشركة وقطاعها فعلى الشركات الاستثمار بشكل عاجل فى القدرات والمهارات الرقمية فى جميع أنحاء الأعمال، من الأتمتة وسلاسل التوريد المدعومة بالذكاء الاصطناعى إلى تحليلات البيانات التى ستمكنهم من خدمة عملائهم بشكل أفضل.
وتقدم الشركات العائلية المشاركة فى الاستطلاع دليلاً مقنعاً على أنه من المضلل للشركات العائلية الحفاظ على هياكل الحوكمة غير الرسمية وطرق العمل التقليدية، وذلك ببساطة لأنها موروثة من الجيل السابق من المالكين.
كما تتطلب التحديات والفرص التى أوجدتها الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية الحالية إطاراً واضحاً ومهنياً لتعاقب الموظفين وثقافة مؤسسية تتسم بالمرونة والاستباقية والترحيب بمواهب الإدارة الخارجية.
وقال التقرير إن الشركات العائلية التى تتبنى هذه التغييرات، بدلاً من مقاومتها، تعد فى وضع أفضل للبقاء والازدهار مع تعافى مصر من وباء “كورونا”.