كما قال لاعب البيسبول الأمريكى العظيم، يوجى بيرا، ذات مرة: «عندما تصل إلى مفترق طرق، خذه!» نحن الآن فى مكان مشابه فى الاقتصاد الرقمى فى القرن الحادى والعشرين، وتلعب الديمقراطيات الليبرالية فى كل مكان لعبة الضرب التنظيمى فى ظل الممارسات الاحتكارية من قبل المنصات فى محاولة منهم لفرض قواعد جديدة للخصوصية والضرائب ومكافحة الاحتكار.
وطوال الوقت، تتوسع قيمة الأصول غير الملموسة مثل التكنولوجيا والبرمجيات وبراءات الاختراع مع تقلص قوة العمالة، ولم يؤد «كوفيد – 19» إلا إلى تسريع هذا الاتجاه، ومن المفترض أن تثرى الأسواق المجتمع، لكن فى عصر رأسمالية المراقبة، فإنها تضعفه من خلال تركيز جميع المكاسب فى أيدى قلة قليلة من الأشخاص الذين يمكنهم السيطرة على معظم البيانات والملكية الفكرية.
وبالتأكيد، يتعين على دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية المضى قدماً فى أشياء مثل الحد الأدنى من ضريبة الشركات العالمية، وتدابير مكافحة الاحتكار، وإطار تنظيم التجارة الرقمية، لكن فى الوقت نفسه، نحتاج إلى إعادة التوازن إلى نظام السوق نفسه بحيث يتمتع اللاعبون على كلا جانبى أى معاملة معينة بإمكانية وصول متساوية إلى المعلومات، وفهم مشترك لما يتم شراؤه وبيعه وبالخضوع لنفس مجموعة القواعد، وهذا ينبغى أن ينطبق على المشترين والبائعين على “أمازون”، والسائقين والركاب على “أوبر”، والمعلنين والمواقع التى يرغبون فى الوصول إليها عبر “جوجل”.
وحالياً، ليس لدينا أى من ذلك، يمكن لـ”أوبر”، على سبيل المثال، أن تفرض عليك وعلىَّ أنا أسعاراً مختلفة للتوصيل، حتى إنَّ السائقين أنفسهم غير قادرين على الاستفادة من بياناتهم بطرق قد تكون مفيدة لهم، وهذا هو الأمر المشين للغاية بشأن صعود الاقتصاد غير الملموس القائم على الشبكات، فهو يؤدى إلى عدم تناسق فى القوة يلغى الفوائد المعتادة للرأسمالية.
وهذا ليس بأمر جديد، ففى كل مرة كانت هناك تكنولوجيا تحويلية جديدة بدءاً من السكك الحديدية إلى الاتصالات الهاتفية شهدنا زيادة فى تركيز القوة الاقتصادية.
ولهذا السبب، بدأت فى التفكير بأن الإجراء الأسرع والأكثر تأثيراً هو أن يفعل السياسيون ما فعلوه فى فترات الاضطراب السابقة، وبدلاً من التعامل مع الشركات الفردية واحدة تلو الأخرى، يجب عليهم ببساطة وضع قواعد أساسية جديدة لكيفية عمل الأسواق.
ويخضع المستهلكون إلى حدٍ كبير للتسعير الفردى، والعاملون ليس لديهم القدرة على رفع قيمتهم الخاصة من خلال عرض عملهم فى الوقت الفعلى لأصحاب عمل مختلفين عبر نفس المجال.
لكن تخيلوا إذا وضعت الحكومة ببساطة قواعد خاصة بالـ”امتيازات” فى مجالات مثل مشاركة الركوب أو استئجار الدراجات أو مشاركة المنزل أو أى نوع من العمل المؤقت، ثم تركت القطاع الخاص يتنافس فى ساحة لعب متساوية.
وقد يكون لديك العديد من شركات القطاع الخاص العاملة على المستوى الوطنى التى يمكن تتنافس “سيسكو” أو “مايكروسوفت” أو “جوجل” أو “أمازون” لتشغيل العمود الفقرى التكنولوجى لمثل هذا النظام، أما تجار التجزئة أو حكومات المدن أو حتى رواد الأعمال المحليين فيمكن أن يكونوا المزودين الموجودين فى المحلات، وسيصبح بإمكان الجميع الوصول إلى نفس البيانات والخوارزميات، وسيتم التخلص من عدم تناسق المعلومات الذى يتعارض مع الأسواق الفعالة والعادلة حقاً.
وعرض العديد من التكنولوجيين وواضعى السياسات جوانب من هذه الفكرة من قبل، لكن أفضل طريقة عبرت عنها مؤخراً كانت من قبل رجل الأعمال البريطانى فى مجال السياسة، وينجهام روان، رئيس منظمة “مودرن ماركتس فور أول” غير الربحية، والذى يريد تحويل أعمال الوظائف المؤقتة إلى منفعة عامة، وهدفه هو أنه بدلاً من جعل الشركات الفردية تزيد من أرباحها فى صوامع مغلقة، يمكن للقطاع العام ببساطة أن يضع أرضية للعمل الحر – كيف يجب أن يعمل، وكم يجب أن تدفع الشركات – ثم يترك القطاع الخاص يقوم بعمله.
وحصلت أفكار “مودرن ماركتس فور أول”، التى فازت بجائزة مؤتمر رؤساء البلديات فى الولايات المتحدة كأفضل مبادرة تنمية اقتصادية فى عام 2018، على اختبار مهم أثناء الوباء عندما استخدمتها مدينة لونج بيتش فى كاليفورنيا للتعامل مع عدم تطابق العمالة، إذ فجأة أصبح هناك عدد كبير جداً من العاملين فى مجال الرعاية الصحية المنزلية ولا يوجد عدد كافٍ من حاضنات الأطفال.
وتمكنت المدينة من جلب 10 شركات مختلفة إلى منصة عمل افتراضية للمساعدة فى سد الفجوة، مع زيادة الأجور فى هذه العملية، وكان الحد الأدنى للأجور لرعاية الأطفال، على سبيل المثال، حوالى 22 دولاراً فى الساعة خلال الأزمة، مقارنة بالمعدل الوطنى البالغ 12.24 دولار.
تم تتبع ساعات العمل للتأكد من أن أصحاب العمل يدفعون للناس الذين يعملون بدوام كامل كموظفين، وكانت البيانات الموجودة على المنصة متاحة للجميع، ما يعنى أنه يمكن للعمال مشاركتها مع أى صاحب عمل يحلو لهم.
ويأمل مسئولو المدينة فى توسيع الجهود الوليدة والانتقال، أيضاً، إلى مجالات أخرى مثل البناء والضيافة، ما يؤدى إلى قلب فكرة العمل الجماعى باعتباره سباقاً نحو القاع، ونحن بحاجة إلى المزيد من هذه الأسواق حيثما يوجد عدم تناسق فى القوة فى العالم الرقمى، وهذه ساحة كبيرة جداً.
بقلم: رنا فوروهار، كاتبة مقالات رأى تغطى الشركات العالمية لدى صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”








