الشركات الحكومية تملأ فراغ تراجع أكبر 6 شركات بترول خاصة عالمية
عندما قررت شركة «إكسون موبيل» مغادرة حقل بترول كبير فى العراق، تولت الحكومة دور البائع بشكل غير معتاد. إذ روج المسئولون العراقيون إلى حقل «غرب القرنة» لجذب المشترين المحتملين من أقران «إكسون» الرائدين، مثل منافسها اللدود «شيفرون»؛ لكن لم يكن هناك أى مشترين، ليجد العراق نفسه أمام خيارات محدودة.
وكانت هذه الخيارات تنطوى على البيع لأحد شركات البترول الصينية الكبرى المدعومة من الدولة، أو إعادة شراء حصة «إكسون» نفسها.
لم يُحسم الأمر بعد، لكن التوصل إلى أى من النتيجتين سيشكل مؤشراً قوياً لسوق البترول العالمى، حسبما ذكرت وكالة أنباء «بلومبرج».
ومع تراجع «الست الكبار» حول العالم بداية من الولايات المتحدة وأوروبا، يستعد أبطال البترول الوطنيون لتعبئة الفراغات.
وحتى مع استمرار الطلب على الوقود الأحفورى، تتقلص مجموعة «الست الكبار»، التى تضم «إكسون موبيل» و«شيفرون» و«بريتش بتروليوم» و«رويال داتش شل» و«توتال» و«إينى».
وتتعرض هذه الشركات لضغوط متزايدة لسداد الديون وسط خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، فضلا عن ضغوط الانتقال إلى الطاقة المتجددة بالنسبة للبعض.
وشهدت الأسابيع الأخيرة توبيخ شركتى «إكسون» و«شيفرون» من قبل مساهميهما بسبب مخاوف المناخ، فى حين خسرت «شل» دعوى قضائية فى لاهاى بشأن وتيرة تحولها بعيداً عن البترول والغاز.
وتعتبر شركات البترول الوطنية محمية بشكل كبير من تلك الضغوط، فعندما يكون المُلاك حكومات وليس مساهمين، فلن يكون هناك أعضاء معارضون فى مجالس إدارات الشركات، كأولئك الذين يجلسون الآن داخل «إكسون».
وهذا يعنى أن منتجى البترول الحكوميين، مثل أولئك المتواجدين فى منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها «أوبك بلس»، يمكن أن يكونوا المشترين لمشاريع الوقود الأحفورى التى يحاول «الست الكبار» التخلص منها.
كما يمكن للشركات الحكومية أيضاً أن تستحوذ على حصة سوقية من خلال إنتاج البترول بشكل لن يقدم منافسوها فى القطاع الخاص على فعله.
وتنفق أرامكو السعودية وشركة بترول أبوظبى الوطنية، مليارات الدولارات لتعزيز طاقاتهما الإنتاجية بمليون برميل يومياً لكل منهما، فى حين تنفق شركة قطر للبترول أكثر من 30 مليار دولار لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعى المسال بأكثر من %50.
ويمكن أن تشكل شركات البترول الوطنية مجتمعة ما يزيد قليلاً عن نصف إمدادات البترول العالمية اليوم، فى حين تعتقد شركة «ريستارد إنرجى» أن هذه الحصة قد تنمو إلى %65 بحلول عام 2050.
وذكرت «بلومبرج»، أن هذا الاتجاه واضح ويجذب الانتباه المتزايد لبعض أكبر الكيانات وأكثرها سرية فى العالم.
يسعى العديد من قادة الحكومات إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث يراهن 9 من أكبر 10 اقتصادات على أهداف صفرية صافية.
فى الوقت نفسه، فإن منتجى البترول الغامضين الذين ترعاهم الحكومة يتولون مهمة ملء ملايين البراميل المستهلكة بشكل يومى، كما يشعر بعض المراقبين بالقلق من أن حملات النشطاء لسحب استثمارات شركات البترول الكبرى من الوقود الأحفورى قد تؤدى فى النهاية إلى تسريع التحول نحو أصحاب الشركات الحكومية الذين يعملون بشفافية أقل، وأحياناً بسجلات بيئية أسوأ.
وفى مقال حديث، جادل مدير مركز سياسة الطاقة العالمية فى كلية الشئون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، جيسون بوردوف، بأن مثل هذه الجهود قد تؤدى إلى «عواقب غير مقصودة» دون الانخفاض الضرورى فى الطلب.
ورغم التركيز الكامل على شركات مثل «إكسون» و«شل»، فقد استحوذت الشركات الكبرى مؤخراً على %15 فقط من إمدادات البترول العالمية، بحسب وكالة الطاقة الدولية.
ومن المتوقع أن تشهد بعض تلك الشركات انخفاضاً فى الإنتاجية أيضاً، ويرجع ذلك جزئياً إلى بيع أجزاء من أعمالهم الحالية.
وأمضت شركة «بريتش بتروليوم» العامين الماضيين فى متابعة صفقات سحب الاستثمارات، ويرجع ذلك جزئياً للمساعدة فى تحقيق هدفها للقضاء تماماً على الانبعاثات الكربونية، وبعد ذلك تخطط لبيع حصة فى كتلة غاز عمانى لشركة الطاقة الوطنية فى تايلاند مقابل 2.6 مليار دولار.
وفى الآونة الأخيرة، قالت شركة «شل»، إنها ستعيد عقود الإيجار إلى الحكومة التونسية بدلاً من إنتاج المزيد من البترول، وذلك وسط تعهدها بالتخلص تماماً من الانبعاثات.
تتجاوز مثل هذه الصفقات استخراج البترول والغاز، فهناك شركة «بيميكس» المكسيكية التى يتوقع شرائها لمصفاة فى تكساس من «شل».
وأوضحت «بلومبرج»، أن «الست الكبار» تتعرض لضغوط من قبل نشطاء المناخ ما قد يدفعها إلى الانكماش.
فقد استقطبت وكالة الطاقة الدولية انتباها كبيراً، خلال شهر مايو، عندما أصدرت تقريرها الأول الذى يضع خارطة طريق لاقتصاد عالمى خالى من الانبعاثات بحلول عام 2050.
وفقاً لهذا السيناريو، ينخفض الطلب على الوقود الأحفورى ويتطلب الأمر التوقف عن الاستثمار فى حقول البترول والغاز الجديدة.
وفى الوقت نفسه، ستنخفض انبعاثات الميثان الصادرة عن الوقود الأحفورى بنسبة %75 بحلول عام 2030.
وأوضحت شركة «ريستاد»، فى تقريرها الحديث، أن عمليات سحب الاستثمارات وخفض الإنفاق على الاستكشاف تعنى ببساطة نفاد الاحتياطيات المؤكدة لشركات البترول الكبرى- أى كمية الهيدروكربونات التى يمكنها إنتاجها- فى غضون 15 عاماً، إذا ما لم تجرى المجموعة مزيداً من الاكتشافات التجارية بشكل سريع.
حتى «إكسون»، التى لم تحدد هدفاً صفرياً صافياً، خفضت بشدة خطط نموها الطموحة لتوفير المال وخفض الديون.
وتحافظ الشركة على الإنتاج عند أدنى مستوى له منذ عقدين حتى عام 2025، بانخفاض قدره %25، مقارنة بتقديرات ما قبل الجائحة.
كما أوضحت «إكسون»، فى بيان، أن مبيعات أصولها هى مجرد «معاملات مالية وليست محاولة لخفض الانبعاثات من محفظتها».
وأضاف: «خطط أعمالنا تدعو لخفض كثافة الانبعاثات، ما يؤكد على تحسين الكفاءات التشغيلية وأداء الانبعاثات، بدلاً من تصفية الاستثمارات الخاصة بالأصول الفردية».
فى الوقت نفسه، تراجعت شركة «شيفرون» عن المشروعات العملاقة الجديدة لصالح البترول الصخرى الأمريكى الأكثر مرونة.
وكانت شركتا «إكسون» و«شيفرون» توقعتا استقرار الناتج هذا العام مقارنة بالعام الماضى.
كما تعتزم «بريتش بتروليوم» خفض إنتاجها من البترول والغاز بنسبة %40 بحلول نهاية العقد الحالى، بينما ترى «شل» انخفاضاً تدريجياً فى إنتاج البترول بنسبة تتراوح بين %1 و%22 تقريباً كل عام.
برغم ارتفاع النفقات الرأسمالية الإجمالية على الاستكشاف والإنتاج بنسبة %8 هذا العام، إلا أن الشركات الكبرى مجتمعة تحتفظ بالإنفاق عند مستوى أقل بـ %2 من العام الماضى، حسبما أفادت وكالة الطاقة الدولية مؤخراً.
من الناحية التقليدية، كان الإنفاق على حقول البترول والغاز الجديدة «أعلى بكثير من نظرائهم فى الشرق الأوسط وروسيا والصين، لكن لم هذا هو الحال الآن، وفقاً لوكالة الطاقة.
ومع ذلك، لا ينخفض الطلب العالمى بالسرعة نفسها، على الأقل وفقاً للتوقعات الحالية.
وفى الواقع، يتوقع ارتفاع الطلب العالمى على البترول خلال الـ 15 عاماً القادمة بناء على التقديرات الأخيرة الصادرة عن باحثى الطاقة النظيفة فى «بلومبرج إن.إى.إف».
وتقول «بلومبرج»، إن هذا يعزز الحاجة إلى إمدادت جديدة تقدر بنحو 55 مليون برميل من البترول يومياً بحلول عام 2050، وهو ما يعادل الطلب العالمى فى منتصف الثمانينيات.
ترى شركات البترول المملوكة للدولة فى ذلك الأمر فرصة.
وقال بن كاهيل، الزميل البارز فى برنامج أمن الطاقة وتغير المناخ لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «الكثير من الحكومات العاملة فى مجال البترول والغاز والشركات الوطنية للبترول تعتقد أن الصناعة لا تستثمر بشكل كافٍ فى التنقيب والإنتاج، والبعض يعتقد أن بإمكانهم سد هذه الفجوة».
ومع ذلك، لن يتمكن الجميع من القيام بذلك، حيث أوضح كاهيل إن شركات مثل «بيميكس» وشركة البترول الوطنية الفنزويلية و«سوناطراك» الجزائرية ستكافح فقط للحفاظ على إنتاجها.
لكن هذا يترك الشركات العملاقة، مثل «أرامكو» و«روسنفت» الروسية وقطر للبترول، فى وضع يمكنها من مضاعفة أعمالها الأساسية.
وأعربت وزارة البترول العراقية، فى بيان، عن التزامها بجذب استثمارات جديدة مع شركات البترول العالمية.
ويناقش العراق هذا العام صفقة طاقة بقيمة 7 مليارات دولار مع شركة «توتال»، على سبيل المثال، حتى فى الوقت الذى سعت فيه «إكسون» للتخلى عن حصتها فى حقل البترول العراقى.
ومع ذلك، يصعب استخلاص صورة كاملة لما يعنيه هذا الأمر بالنسبة للانبعاثات الكربونية، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى عدم كشف العديد من الشركات المملوكة للدولة عن بيانات الغازات الدفيئة.
وبشكل عام، فإن الإفصاح الخاص بشركات البترول المملوكة للدولة متغير بدرجة كبيرة ويفتقر إلى الشفافية التى تتمتع بها الشركات الكبرى.
قالت مديرة استراتيجية الطاقة فى صندوق الدفاع البيئى، راتنيكا براساد: «شركات البترول الوطنية تعتبر نوعاً من أكبر المفاتيح التى يمكن استخدامها عندما يتعلق الأمر بالنظر فى الانبعاثات على مستوى الدولة».
وأوضحت براساد: «من السهل أن نرى كيف أن اتخاذ إجراءات بشأن انبعاثات شركات البترول الوطنية، خاصة ابنعاثات غاز الميثان، يمكن أن يؤدى إلى نتائج مناخية سريعة جداً وأكثر فاعلية».
وجاءت المحاور الاستراتيجية التى اتخذتها «شل» و«بريتش بتروليوم» تجاه الوقود منخفض الكربون بعد أعوام من الضغط المكثف من قبل المساهمين، ويبدو أن الأمر ذاته يحدث داخل «أكسون» حالياً.
لكن الكيانات المملوكة للدولة تفتقر إلى وجود آلية معادلة، ما لم يتم إدراج جزء كبير من أسهمها فى البورصة، فأى دافع لخفض الانبعاثات الكربونية عادة ما يكون مرتبط بطموحات الدول التى تمتلكها.
ومع ذلك، لايزال هناك سبب ما يدعو للتفاؤل، فقد وقعت الدول التى لديها أكبر شركات بترول مدعومة من الدولة، على اتفاقية باريس للمناخ، حيث اتخذ البعض خطوة للأمام فيما يتعلق بالتزامهم وشاركوا فى تحالفات طوعية تستهدف خفض الانبعاثات.
وهناك أيضاً مبادرة مناخ البترول والغاز التى تضم خمس شركات بترول وطنية، مثل أرامكو وشركة البترول الوطنية الصينية، ضمن أعضائها.
وتضع هذه المنظمة هدفاً لخفض متوسط انبعاثات الميثان لكل برميل من البترول المنتج بحلول عام 2025، رغم أن هذا لا يضمن انخفاض الانبعاثات.