خلال أسوأ فترات تفشى وباء “كورونا” فى الهند خلال الأسابيع الأخيرة، لم يكن الكثير من إمدادات الأكسجين المتوفرة للمرضى المصابين بالفيروس تأتى ضمن الإجراءات الحكومية، كما كان متوقعاً، لكنها جاءت بجهود الشركات الخاصة والمنظمات غير الربحية.
ولقد خذلت العديد من الحكومات مواطنيها خلال الأزمة، لكن فى الهند، جنباً إلى جنب بعض دول أمريكا اللاتينية، كان الفشل ذريعاً بشكل خاص، حيث تضافرت البنية التحتية للرعاية الصحية المهملة منذ فترة طويلة مع أكثر أشكال الفيروس فتكاً.
وبحسب الإحصاءات الرسمية فى الهند، تعرض أكثر من 30 مليون مواطن للإصابة بهذا الفيروس المميت.
وفى العديد من الدول، كان هناك أسطورة تقول إن جميع السكان كانوا عرضة للخطر على قدم المساواة، وإن المعاناة كانت مشتركة بين الأوفر حظاً والأقل حظاً من الناحية الاقتصادية.
لكن فى الهند الوضع كان مختلفاً، فقد كان حجم الكارثة كبيراً لدرجة أن الأغنياء فقط هم من تمكنوا من استئجار الطائرات والهروب، حسبما ذكرت مجلة “نيكاى آسيان ريفيو” اليابانية.
والآن، مع انحسار الموجة الوبائية الثانية لحسن الحظ، بدأ الهنود يسألون عما سيحدث بعد ذلك، فمن غير المعقول ألا تتغير الهند، لكن هل ستتغير للأفضل أم للأسوأ؟ ينطبق السؤال على كل من المجتمع الذى يزداد استقطاباً وعلى اقتصاد يعانى من ندوب عميقة.
ويعتقد المستثمرون المتفائلون أنهم يعرفون الإجابة بينما يتطلعون إلى ما بعد الوباء إلى التعافى الحتمى، وجدير بالذكر أن السندات والأسهم والروبية كلها قوية وكانت من بين الأفضل أداء فى فئتها الخاصة عند مقارنتها ببقية القارة فى الأشهر الأخيرة، كما أن سلسلة العروض العامة الأولية التى تعتزم الشركات اتباعها ستجذب المزيد من التدفقات النقدية.
ولسوء الحظ، فإنه ليس بهذه البساطة، فقد قال 77% من العاملين، ممن شملهم استطلاع أجراه بنك أوف أمريكا، إنهم تعرضوا لخفض فى الوظائف أو الدخل، وخفضت رواتبهم بنسبة 57% وتم تسريح 20% منهم.
ويعتقد العديد من الاقتصاديين أن النمو سيكون أقل بنسبة 8% بحلول نهاية هذا العام مقارنة بمستويات ما قبل الوباء، وحتى قبل أن ينتشر الفيروس، كان النمو يتباطأ بشكل كبير.
وجدير بالذكر أن الدولة التى تحتاج إلى توفير ما يقرب من مليون وظيفة شهرياً لشبابها، لكنها استطاعت خلق أقل من مليون وظيفة قبل عام من تفشى الفيروس، لا يمكنها تحمل مثل هذه النكسات.
وأشار فريق الاقتصاديين الهنود فى “جى بى مورجان” فى مومباى إلى أن “الأسر لا تقترض، والبنوك لا تقرض والشركات لا تستثمر”، مضيفاً أن نمو الائتمان يتباطأ طوال العام.
كما أشارت “نيكاى آسيان ريفيو” إلى أنه ليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن هذه الظروف ستتغير فى أى وقت قريب.
ويقول نيراج سيث، رئيس الدخل الثابت فى شركة “بلاك روك” فى آسيا، إن العمالة منخفضة التكلفة والبنية التحتية القوية ليست شروطاً كافية لجذب الاستثمار الأجنبى المباشر الصناعى والاستيلاء على حصة سلاسل التوريد العالمية، بل إن الهند بحاجة للتركيز على البنية التحتية اللينة، على سبيل المثال، جمع المواهب العميقة وحماية الملكية الفكرية، لاقتناص حصة من الاستثمار الأجنبى.
ولم تتغير الهند على الرغم من الإنترنت المخصص للمستهلكين، الذى فعل الكثير لتوفير الوظائف ورفع الدخل والقدرة على تحمل التكاليف ورفع مستوى المعيشة لمئات الملايين فى هذه العملية وخلق المليارديرات فى الصين.
وبرغم أن عدد سكان الهند يعادل تقريباً عدد سكان العملاق الآسيوى الآخر، الصين، فإن التجارة الإلكترونية بين الشركات والمستهلكين فى العام الماضى بلغت 38 مليار دولار فقط، ما يعكس انخفاض الدخل ونقص الوظائف الجيدة، وفى المقابل بلغ هذا الرقم فى الصين 11.8 تريليون يوان “أى 1.8 تريليون دولار”.
ومن المؤكد أن هناك بعض النقاط المضيئة وسط الكآبة المنتشرة، فعلى سبيل المثال تقدم الحكومة أخيراً حوافز مثيرة للاهتمام مرتبطة بالإنتاج لمحاولة إقناع الشركات المحلية والشركات الأجنبية متعددة الجنسيات بصنع وتجميع سلع إلكترونية مثل الهواتف المحمولة فى الهند، وفى الوقت الراهن، يمثل التصنيع 17% فقط من الناتج المحلى الإجمالى للبلاد.
ومع ذلك، لا يزال هناك سبب للأمل، فتحسينات النقل البرى وروابط السكك الحديدية ستجعل البنية التحتية أقل اختناقاً مما كانت عليه فى الماضى.