الدول الصناعية المتقدمة تحتاج تدابير لتحفيز الاستثمار والنمو فى جميع أنحاء العالم
استطاعت الدول الصناعية، استخدام قدراتها المالية والنقدية الهائلة لحماية سكانها من تداعيات الوباء، فقد استيقظت أيضاً على حتمية سياسية لرفع مستوى المناطق والمجتمعات المتضررة.
وفى ظل كل مبادرات الإنفاق والضرائب المقترحة، ربما ينخفض مستوى التفاوت داخل البلدان الصناعية بشكل واقعى رغم انتشار السلالات الوبائية المتحولة الجديدة.
وتعتبر الآفاق أكثر قتامة بالنسبة للعديد من الأسواق الناشئة والدول النامية، المتضررة حالياً بشدة من ظهور السلالات الوبائية المتحولة، فهذه الدول لديها مساحة أقل لفرض عمليات إغلاق؛ نظراً إلى تطلب الكثير من الأعمال فى هذه الدول قرباً مادياً.
كما أن حكوماتها لديها موارد مالية محدودة للغاية لدعم الأسر العاطلة عن العمل والشركات المغلقة، ولن تستطيع تطعيم جزء كبير من سكانها حتى أواخر عام 2022.
وتشير صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية إلى حالات التفاوت بين الدول سوف تزداد بالتأكيد خلال الفترات المقبلة.
على المدى القصير، هذا الأمر يعنى تعافياً عالمياً ذا وتيرتين؛ لأنه من المتوقع أن تعمل البنوك المركزية فى العالم الصناعى على تطبيع السياسة النقدية عاجلاً وليس آجلاً، فقد بدأت نظيراتها فى الدول النامية فى رفع أسعار الفائدة، حتى عندما تكافح اقتصاداتها الوباء.
جدير بالذكر أن حالة عدم المساواة آخذة فى الازدياد فى العديد من هذه الدول، حيث يعمل ميسورو الحال، الذين يعملون لدى الشركات الكبيرة، من المنزل، فى حين أن أعداداً متزايدة من الطبقة المتوسطة الدنيا عاطلة عن العمل وتراجع وضعها إلى ما دون خط الفقر.
وعندما ينحسر الوباء، يمكن للمرء أن يتوقع احتجاجات فى الشوارع وتطرفاً سياسياً.
لن تكون معدلات إطلاق اللقاح الأسرع، وحتى التوسع الجدير بالثناء من جانب صندوق النقد الدولى لحقوق السحب الخاصة، كافيين لمساعدة هذه الدول، التى تعانى إمكانات نموها بالفعل. فقد تخلف الأطفال الفقراء، الذين يعانون من التعليم بشكل غير مبال فى أفضل الأوقات، عن الركب بسبب افتقارهم إلى الوصول الرقمى. حتى أولئك الذين يعودون إلى المدرسة يمكن أن يضلوا الطريق إذا لم تُبذل جهود لمساعدتهم على اللحاق بالركب، وقلة من المدارس ستفعل ذلك بشكل فعال لذا ستزيد معدلات التسرب من التعلم.
أصبحت الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم الناجية فى الدول النامية مثقلة بالديون بعد عمليات الإغلاق المتكررة، لكن أعباء الديون هذه ستُخفض إمكانية وصول هذه الشركات إلى ائتمان جديد، ما يعيق النمو وخلق فرص العمل.
أحد الجوانب المشرقة المحتملة هو الطلب الهائل المدفوع بالتحفيز الذى سجلته الدول الصناعية، لكن نسبة كبيرة من أى زيادة فى الصادرات ستذهب إلى الدول والشركات الأقل تضرراً من الوباء.
كما ستتم إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية لاستبعاد الشركات الضعيفة، ما يلحق المزيد من الضرر بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة فى الدول الأكثر تضرراً.
يمكن للعالم الصناعى أن يساعد من خلال مقاومة جميع أشكال الحمائية، بما فى ذلك غير المقصودة، كما يتعين عليهم فحص متطلباتهم التنظيمية على الواردات، والتى يصعب على صغار المنتجين الوفاء بها فى أماكن أخرى. فعلى سبيل المثال، لا أحد يريد أن يعمل العمال فى ظل ظروف غير آمنة، لكن الضغط على معايير عمل أقوى لمنتجى الملابس فى بنغلاديش اليوم، دون مساعدة متناسبة، قد يتسبب فى إغلاق الشركات الأصغر حجماً.
وبالمثل، فإن خطط الاتحاد الأوروبى لفرض ضريبة حدودية على الكربون على الواردات ستلحق الضرر بأصغر المصدرين فى أفقر الدول، والذين غالباً ما يستخدمون مصادر الطاقة الأكثر كثافة فى استخدام الكربون.
تتمثل إحدى الطرق العلاجية فى تقديم أرصدة كربونية معززة لصغار المنتجين لتقليل الانبعاثات الكربونية، والتى يمكنهم بيعها فى أسواق الدول الصناعية.
وثمة طريقة علاجية أخرى تتمثل فى المساهمة فعلياً بمبلغ 100 مليار دولار سنوياً الذى وعدت الدول الغنية بتقديمه للدول الفقيرة فى عام 2009 من أجل التكيف مع المناخ، وتحويل الصندوق نحو الاستثمار الأخضر من قبل الشركات الصغيرة والمتوسطة.
يعد الاستثمار فى البنية التحتية، بما فى ذلك التوصيل الرقمي، مفيداً بشكل خاص بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة فى الدول النامية، كما المؤسسات متعددة الأطراف تم حثها على الخروج من منطقة الراحة التى تقدم فيها قروضاً كبيرة آمنة لمشاريع البنية التحتية فى الاقتصادات الناشئة.
وبدلاً من ذلك، يجب عليهم توفير رأسمال المخاطرة الذى يمكن أن يجتذب الاستثمار الخاص.
وليس ثمة وقت أفضل من الآن لتقديم مثل هذا التغيير.
يوفر الاتصال الرقمى وظهور الخدمات عن بُعد أثناء الوباء فرصة أخرى لنشر الدخل، فيمكنك التفكير فى التقنيات التى تسمح الآن للطبيب يعيش فى الفلبين بتشخيص مريض فى كندا.
ومع ذلك، سيتعين معالجة بعض العوائق القائمة أمام المعاملات العابرة الحدود فى مجال الخدمات. فعلى سبيل المثال، هل يمكن للدول الصناعية أن تسهل على الأطباء الذين يعيشون فى الاقتصادات الناشئة إجراء اختبارات الترخيص؟
لن تنتهى الصدمات المعاكسة بتفشى الوباء، بل ستتعرض الاقتصادات الناشئة بشكل خاص لتأثير تغير المناخ والتوترات الجيوسياسية المتزايدة.
ختاماً.. نحن بحاجة إلى إعادة البناء بشكل أفضل، ليس فقط داخل الدول الصناعية، لكن فى كل مكان.








