عندما يتعلق الأمر بخفض انبعاثات الكربون، فإنَّ قطاع الشحن العالمى يفرض مشاكل خاصة، فهو مصدر كبير للانبعاثات، وهو أيضاً صناعة مجزأة عابرة للحدود تقضى سفنها الكثير من الوقت فى المياه الدولية، ما يجعل من الصعب تنظيمها على أساس وطنى أو إقليمى.
وتتمتع السفن بعمر تجارى يتراوح من 20 إلى 30 عاماً، لذا فإنَّ السفن المطلوبة اليوم قد تظل موجودة فى عام 2050، وهو الوقت الذى تعهدت فيه العديد من الدول بخفض الانبعاثات إلى الصفر، لكن بدائل وقود السفن عالى الكربون باهظة التكلفة أو لم يتم تطويرها بالكامل، لذا فإنَّ طلب «ميرسك» لثمانى سفن يمكن أن تعمل أيضاً على الميثانول «الأخضر» يستحق الثناء، ويلقى الضوء على مقدار ما لا يزال يتعين على الصناعة القيام به.
وينتج النقل البحرى حوالى 2.4% من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون العالمية السنوية، ووفقاً للاتجاهات الحالية من المتوقع أن يسهم بنسبة أكبر بحلول عام 2050؛ حيث تقوم القطاعات الأخرى بخفض انبعاثات الكربون بسرعة أكبر، وقد يكون «الهيدروجين الأخضر»، المصنوع من الطاقة النظيفة، من أفضل الخيارات الخالية من الكربون لاستبدال وقود السفن، ولكن يجب تخزين ذلك كسائل عند -253 درجة مئوية، ويشغل التبريد الضخم مساحة شحن مهمة.
ويمكن دمج الهيدروجين مع النيتروجين لإنتاج الأمونيا، وهى طاقة أكثر كثافة، ولكن إنتاجها أكثر تكلفة، واقترح معهد المهندسين الميكانيكيين البريطانى أن تركيب أشرعة عملاقة لتعزيز قوة السفن الحالية قد يكون خياراً أفضل فى الوقت الحالى.
ويمكن أن يكون الحل المؤقت الآخر هو الغاز الطبيعى المسال، لكن رغم قدرته على تقليل الانبعاثات بنحو 25%، فإنه لا يزال وقوداً أحفورياً، والذى تخشى الصناعة أنه قد يخضع قريباً لقوانين صارمة، وبدلاً من ذلك، تختار شركة «ميرسك» السفن التى يمكن أن تعمل بوقود السفن والميثانول، وهى شركة الشحن الأولى التى تطلب سفناً كبيرة خالية من الكربون قادرة على الإبحار من الصين إلى أوروبا.
ويضاعف الميثانول تكلفة وقود السفن، لكن شركة الشحن الدنماركية تقول إنها تأمل أن يدفع عملاء مثل «أمازون» و«إتش آند إم» تكاليف الشحن الأكثر مراعاة للبيئة؛ نظراً إلى أن تكاليف الشحن غالباً ما تمثل نسبة صغيرة فقط من أسعار التجزئة للسلع، ويأمل البعض فى الصناعة أن يتم نقل تكاليف الوقود المرتفعة فى النهاية إلى المستهلكين المهتمين بالمناخ.
ولكن استعداد تجار التجزئة وشركات السلع الاستهلاكية لتحمل ما سيكون بالنسبة لهم زيادات كبيرة فى التكاليف مقدماً لم يتم اختباره إلى حد كبير، لذا ستحتاج صناعة الشحن إلى لعب دور أكبر فى إحداث تحول – ربما عن طريق تبنى رسوم الكربون.
واقترحت شركة «ميرسك» فرض رسوم قدرها 50 دولاراً على طن ثانى أكسيد الكربون بدءاً من عام 2027، والتى سترتفع إلى أكثر من 150 دولاراً، وحددت المنظمة البحرية الدولية، وهى وكالة تابعة للأمم المتحدة تنظم الشحن، هدفاً يتمثل فى خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى إلى النصف بحلول عام 2050 عن مستويات عام 2008، ولكن، بعد أن أعاقتها الانقسامات عبر دولها البالغ عددها 174 دولة، وافقت فى اجتماع يونيو فقط على تدابير للحد من «كثافة انبعاث الكربون» للأسطول الحالى، وهى تدابير وصفتها الجماعات البيئية بأنها ضعيفة.
وتخشى شركات الشحن مواجهة مخططات كربون إقليمية متخبطة، وفى ظل عدم وجود تحركات صناعية منسقة، كان الاتحاد الأوروبى محقاً، الشهر الماضى، فى اقتراح توسيع نظام تداول الانبعاثات ليشمل صناعة الشحن.
وسيتم تطبيق المخطط، الذى يتعين بموجبه على الشركات التى تنبعث منها انبعاثات كربونية تتجاوز الحصص المخصصة لها، شراء المزيد من ائتمانات الكربون فى السوق، وهو أمر سينطبق على جميع رحلات الشحن داخل الاتحاد الأوروبى، و50% من جميع الرحلات إلى أو من دول خارج الاتحاد الأوروبى.
وكان استهداف الرحلات خارج الحدود الإقليمية جريئاً لكن قصْر النطاق على نصف الانبعاثات ربما أدى إلى تجنب مخاطر الإجراءات التجارية الانتقامية من الصين أو الولايات المتحدة، ولقد ألقى الاتحاد الأوروبى أيضاً الكرة فى ملعب البلدان الأخرى لتبنى خطط مماثلة، وأيضاً فى ملعب شركات الشحن الأخرى لاستثمار، مثل «ميرسك»، أرباحها الوفيرة الحالية فى تكنولوجيا الغد.
بقلم: افتتاحية صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية