أحدثت الإغلاقات المتكررة في الصين بسبب جائحة “كوفيد-19″، تحولاً جذرياً في نظرة الناس إلى صحتهم.
ونتيجةً لذلك، بدأ كثيرون ممارسة رياضات الجري والمشي لمسافات طويلة ولعب التنس، ما أثر على نمط حياتهم وأسلوب ملابسهم.
تشهد البلاد طفرةً في مجال الصحة والعافية، ما يمثل بارقة أمل نادرة في قطاع التجزئة الذي يعاني صعوبات، ويقدم دروساً قيّمة لشركات المنتجات الفاخرة التي تسعى لإعادة التواصل مع سوقها الأهم.
يُعدّ ظهور أسلوب “غوربكور” مثالاً بارزاً على هذا التوجه.
وقد صاغ هذا المصطلح كاتب أمريكي عام 2017، وهو مستوحى من اسم مزيج مكسرات وزبيب تقليدي يحظى بشعبية واسعة بين هواة المشي في الطبيعة.
يرتدي عشاق الموضة الذين يتبنون هذا الأسلوب ملابس عملية مناسبة للأنشطة الخارجية كملابس يومية، ورغم أن الصين تأخرت في تبني هذه الظاهرة، إلا أنها تبنت المفهوم ودمجته بقوة في التيار السائد.
من أمثلة ذلك، “ميم” ساخر انتشر على نطاق واسع يُترجم إلى “عصفور واحد، شجرتان، و3 طرق”.
يصف هذا المقال شعارات ثلاث علامات تجارية فاخرة لملابس نشاطات الهواء الطلق هي ”أركتيريكس“ و“كولون“ و“ديسينتيه“ التي باتت تعتبر من أساسيات ملابس المهنيين في أماكن العمل.
جميع هذه العلامات التجارية الثلاث تابعة لشركة ”أنتا سبورتس برودكتس“، أكبر شركات إنتاج الملابس الرياضية في الصين، التي بدأت كبائع أحذية متواضع في إحدى المقاطعات.
وقد أسهمت شعبية هذا التوجه في الحفاظ على تفوق الشركة في الإيرادات على شركة ”نايكي“، اللاعب المهيمن في السوق لعقود.
تصل أسعار السترات المقاومة للماء من ”أركتيريكس“، التي سُميت تيمناً بالديناصور الطائر، إلى 8000 يوان (حوالي 1100 دولار).
وهذا أقل بنحو 2000 يوان فقط من متوسط الراتب الشهري في مدينة كبرى مثل شنجن، أما الملابس الخارجية من ”كولون“ و“ديسينتيه“ فتتراوح أسعارها بين 2000 و5000 يوان.
قد لا يتسلق معظم المشترين قمم الجبال الثلجية، لكن هذه العلامات التجارية أصبحت رمزاً للمكانة الاجتماعية وتعكس رغبةً في خوض تجارب جديدة.
ارتدى الرئيس شي جين بينج، سترة من ماركة ”أركتيريكس“ خلال جولته في مواقع دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين عام 2021، وكرر ذلك في حفل الافتتاح بعد عام.
نمو يفوق سوق الملابس العادية
تشير بيانات ”يورومونيتور“ إلى توقعات بأن ينمو سوق الملابس الرياضية في الصين بنسبة 6.1% هذا العام، متجاوزاً بذلك النمو المتوقع بنسبة 1.5% في سوق الملابس والأحذية العامة.
في عالم المبيعات الإلكترونية الذي تهيمن عليه وسائل التواصل الاجتماعي، يبرز اتجاه ملابس ”غروبكور“ بشكل أوضح.
فقد ارتفعت إيرادات السترات والسراويل الخارجية بنسبة 49% العام الماضي لتصل إلى 2.7 مليار دولار، وفقاً لشركة الاستشارات التجارية الإلكترونية “دبليو بي آي سي ماركيتيج + تيكنولوجيز”.
تجدر الإشارة إلى أن شركة ”أنتا“ تعود جذورها إلى ما كان يُعرف باسم “فوجيان تايجر“، وهي إحدى شركات صناعة الأحذية العديدة التي تجمعت في شرق الصين خلال ثمانينيات القرن الماضي، حيث كانت تُصنّع أحذية رياضية لشركات مثل ”نايكي“ و“أديداس“.
وقد مثّلت الوحدة التي تضم علاماتها التجارية فئة “غوربكور” 19% فقط من الإيرادات في النصف الأول من العام، إلا أنها تُعدّ الأسرع نمواً في الشركة.
لهذا السبب، تُراقَب تداعيات كارثة العلاقات العامة التي وقعت في سبتمبر التي طالت شركة ”أركتيريكس“ عن كثب.
فقد أثارت صورٌ انتشرت على نطاق واسع عبر الإنترنت لعرض ألعاب نارية فوق مناظر طبيعية خلابة في التبت انتقاداتٍ واسعة النطاق بشأن الأضرار البيئية المحتملة، ودفعت إلى دعواتٍ لمقاطعة العلامة التجارية، ومعها شركة ”أنتا“ ككل.
نقلت تقارير إخبارية أن أربعة مسؤولين صينيين أُقيلوا واستقال المدير العام لشركة ”أركتيريكس“ لعموم الصين.
أقرّ الرئيس التنفيذي للشركة، خلال مكالمة هاتفية لمناقشة الأرباح، بتباطؤ المبيعات بعد هذه الحادثة، لكنها تعافت لاحقاً بفضل فترة برودة.
هل هي موضة عابرة أم تغيير اجتماعي؟
تتغير الموضة باستمرار، ويصعب التكهن ما إذا كانت موضة “غوربكور” ستستمر، أم سيتلاشى تأثيرها كما حدث في أماكن أخرى، لكنه واضح أن التركيز على الصحة والعافية ليس مجرد موضة عابرة.
تهدف بكين إلى توسيع اقتصادها الرياضي ليصل إلى سبعة تريليونات يوان بحلول عام 2030، أي ما يقارب ضعف الرقم المتوقع في عام 2023.
لا يُرجح أن يتغلب هذا السوق المتخصص وحده على ركود قطاع المستهلكين، لكنه يُعد مثالاً على قطاعات التجزئة التي يمكن للعلامات التجارية الاعتماد عليها، في ظل التراجع الواسع النطاق في الاستهلاك الذي لا يبدو أنه سيخفّ.
أظهرت بيانات يوم الاثنين تباطؤاً قياسياً في مبيعات التجزئة، باستثناء فترة الجائحة، ويمثل التوجه نحو الأنشطة الخارجية بصيص أمل في سوق مليء بالتحديات، ويُتوقع أن يستمر هذا التوجه حتى العام الجديد.








