كان أداء مؤشرات الأسهم في شنجهاي وهانج سينج أقل من أداء “ستاندر آند بورز 500” العام الحالي بنحو 20 % و30% على التوالي، وشهد مستثمرو السندات انخفاضا حادا في أسعار
ما يجري جزء من إعادة تنظيم أكبر للنظامين الاقتصادي والمالي الصيني وتغذية الاعتبارات الداخلية والخارجية، وداخليا، يتعلق الأمر بإعادة تأكيد سلطة الدولة، وخارجيا، يتعلق الأمر ببيئة تشغيل جيوسياسية أقل استيعابا.
تصاعدت المشاكل التي يواجهها المستثمرون الأجانب في الصين، وهي ليست مجرد مسألة سوق أسهم ضعيف الأداء بشدة أو سندات الشركات الكثيرة المتداولة بأسعار متدهورة، وبسبب الإجراءات الحكومية خلال الأشهر القليلة الماضية، هناك أيضا قلق حقيقي بشأن قابلية الاستثمار في السوق.
والمسألة واسعة للغاية، فبالنسبة لمستثمري الأسواق الناشئة على وجه الخصوص، هل هذا يعادل “لحظة يوكوس” منذ ما يقرب من 20 عاما والتي شهدت السوق الروسية في حالة صدمة من استيلاء الحكومة على شركة النفط قبل انتعاشها؟ أم أنها بداية عملية إعادة تنظيم صينية مطولة ستشهد معاملة الغربيين مرارا وتكرارا على أنهم شريحة صغرى عالية المخاطر من الاستثمار المالي الذي هو أول من يستجيب لأي صدمة؟ تبدو الأرقام مذهلة.
وحتى الآن العام الحالي، كان أداء مؤشرات الأسهم في شنجهاي وهانج سينج أقل من أداء “ستاندر آند بورز” بنحو 20% و30% على التوالي، وشهد مستثمرو السندات انخفاضا حادا في أسعار سندات العديد من الشركات الصينية، وحدث كل هذا رغم أن الصين كانت من بين أوائل الاقتصادات التي تعافت بقوة من الضربة الاقتصادية المرتبطة بكوفيد 19 في عام 2020، وتباطأ هذا التعافي الآن وأدى تفشي سلالات كوفيد إلى تعطيل النشاط مرة أخرى.
ومع ذلك، كان الدافع الرئيسي لضعف أداء الأصول الصينية هو التدخل الحكومي لتغيير الظروف التشغيلية والمالية في العديد من القطاعات، وتتراوح الدوافع من الحاجة إلى وقف الديون المفرطة والرافعة المالية لجلب كبار رجال الأعمال الأثرياء إلى الأرض كجزء من تركيز الحكومة الجديد على “الرخاء المشترك”.
وعملية إعادة التسعير الناتجة للأصول المالية الصينية مرت بثلاث مراحل: انخفاض أولي حاد في تقييم القطاع المستهدف، ثم إعادة تسعير أكثر عمومية نتيجة المخاوف من انتشار التدخل الحكومي، ومؤخرا، ارتفاع متواضع لكنه ملحوظ ناتج عن الراحة مع توقف التدخلات فجأة، وقد حفز هذا الانتعاش أيضا تجنب حدوث كارثة مالية حتى الآن بسبب مشكلات شركة التطوير العقاري “إيفرجراند”.
بالنسبة لبعض المستثمرين، هذه فرصة ذهبية – نافذة تفتح أحيانا في الأسواق الناشئة وتوفر للمستثمرين عوائد وافرة لسنوات عديدة، وبالنسبة للآخرين، إنه الهدوء الذي يسبق عاصفة أخرى، ويتطلب الاختيار بين هاتين الفرضيتين المتنافستين تقييما سياسيا صعب، ويذكرنا الأمر بالوضع في روسيا الذي يتذكره المستثمرون في يوكوس بشكل مؤلم بشكل خاص.
في ذلك الوقت، كانت الخسائر المالية الأولية بعد ملاحقة الحكومة الروسية لشركة البترول كبيرة، ولكن التدخلات الحكومية التخريبية لموسكو تباطأت لاحقا بعد أن وصلت رسالة الرئيس فلاديمير بوتين للشركات بصوت عالٍ وواضح، وما تلا ذلك هو انتعاش بنسبة 25% في السندات القياسية الروسية في الفترة بين أدنى مستوى وصلت إليه أثناء واقعة يوكوس في 2004 وسبتمبر 2005 ، وتضاعف سوق الأسهم تقريبا.
وهذا هو ما يراهن عليه المشترون في الصين، إنهم يعتقدون أن بكين قد أوضحت وجهة نظرها وأن الوضع يتراجع، ربما ليس بقدر النموذج السابق الذي كان يُنظر فيه إلى الحكومة على أنها دعامة مالية موثوقة ولكن على الأقل دورها محايد، ولكن هناك تفسير آخر له تداعيات استثمارية متعارضة – أن التدخل الحكومي سوف يستأنف وينتقل إلى قطاعات أخرى.
وما يجري جزء من إعادة تنظيم أكبر للنظامين الاقتصادي والمالي الصيني تغذيه الاعتبارات الداخلية والخارجية، وداخليا، ويتعلق الأمر بإعادة تأكيد سلطة الدولة وتقييد سلطة فاحشي الثراء، كهدف مستقل وكجزء من حملة الرخاء المشترك، وخارجيا، يتعلق الأمر ببيئة تشغيل جيوسياسية أقل استيعابا بشكل عام لاسيما وأن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تُظهر القليل من الاهتمام بالانحراف عن الموقف الأكثر تشددا تجاه بكين، وهذه واحدة من القضايا القليلة التي تحظى بدعم الحزبين في الكونجرس الأمريكي.
في عالم كهذا، تشعر الصين أنها بحاجة إلى تقليل الاعتماد على روابطها الاقتصادية والمالية مع الغرب، ويصبح هذا الفصل الجزئي أولوية للرفاهية الاقتصادية على المدى الطويل، وأنا، على سبيل المثال، لا أستطيع أن أختار بثقة أحد هذين الرأيين المتنافسين على الرغم من أن التقييمات النسبية العالمية تفضل بوضوح الأصول الصينية.
هذا لا يعني التخلي تماما عن الاستثمارات الصينية، ولكن نظرا لأننا لا نعرف ما إذا كان سيتم استهداف شركة “يوكوي” الصينية القادمة، ومتى وكيف يمكن ذلك، فإن الأمر يدعو إلى اتخاذ تدابير حذرة للغاية واختيار دقيق للغاية للشركات وإعادة تقييم جيوسياسية مستمرة؟
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”