تكدست عشرات الرافعات العملاقة والآلات الثقيلة في موقع بناء ضخم بالجزء الشمالي من سنغافورة، قرب مضيق جوهور، حيث تشترك الدولة الجزيرة في حدودها مع ماليزيا.
هذا المشروع البالغ تكلفته 4 مليارات دولار بدأ قبل 6 أشهر في وودلاندز ويفر فاب بارك، أحد مجمعات تصنيع أشباه الموصلات في سنغافورة. فهو سيضم مصنعا جديدا لأشباه الموصلات تابع لشركة “جلوبال فاونديرز” الأمريكية لصناعة الرقائق، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج عام 2023.
قال الرئيس التنفيذي لشركة “جلوبال فاونديرز”، توم كولفيلد ، في حفل وضع حجر الأساس في سنغافورة: “استغرق الأمر 50 عاماً حتى تنمو الصناعة إلى نصف تريليون دولار، والآن من المتوقع أن تنمو الصناعة إلى تريليون دولار في غضون ثمانية أعوام تقريباً. فمن الصعب المبالغة في تقدير حجم الاستثمار والتركيز الذي سيتعين على الصناعة تقديمه لمواجهة هذا التحدي”.
كان كولفيلد، واحداً ضمن العديد من المديرين التنفيذيين للرقائق المتفائلين بشأن نمو الصناعة .. ليس فقط في سنغافورة، بل في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك تايوان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وأوروبا واليابان، وفقاً لمجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
ويعمل صناع الرقائق حول العالم- بما في ذلك العمالقة الثلاثة شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية وشركة سامسونج للإلكترونيات وإنتل- على زيادة قدراتهم التصنيعية العالمية سريعاً.
وقدرت منظمة الصناعة “سي إي إم دي”، في يونيو، أن بناء نحو 30 مصنعا جديدا سيبدأ بحلول نهاية عام 2022. كما توقعت في سبتمبر ارتفاع الاستثمار العالمي في معدات أشباه الموصلات إلى نحو 100 مليار دولار العام المقبل، بعد أن تجاوزت 90 مليار دولار في 2021.
وتعتقد المنظمة أن هذا الرقم سيمثل “ثلاث سنوات متتالية نادرة من النمو التي بدأت عام 2020، مخالفة للاتجاه الدوري التاريخي للتوسع لمدة عام أو عامين، يليه عام أو عامين من النمو أو الانخفاض الفاتر”.
كان النقص العالمي غير المسبوق في الرقائق سبباً في شعور المديرين التنفيذيين في صناعة أشباه الموصلات بالثقة لتوسيع القدرة الإنتاجية.
علاوة على ذلك، التزمت الحكومات في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وأماكن أخرى بإنفاق مليارات الدولارات لتوسيع إنتاج أشباه الموصلات داخل حدودها، وهي تدابير مصممة للحماية من اضطرابات سلسلة الإمداد مثل تلك التي يسببها الوباء وللحد من الاعتماد على الإنتاج في تايوان.
كذلك، تعمل الصين، أكبر مستهلك للرقائق حول العالم، على تكثيف استثماراتها لتحقيق هدف الاكتفاء الذاتي بنسبة 70% في أشباه الموصلات بحلول عام 2025.
وقال المحللون في وكالة التصنيف الائتماني “موديز”، في أغسطس الماضي، إن هذا سيدعم التقدم التكنولوجي في الصين، لكن ثمة احتمال لظهور قدرة مفرطة وعدم كفاءة الاستثمار، مما يضيف المزيد من عدم اليقين بشأن العرض والطلب على الرقائق العالمية.
وقال كبير مديري الاستشارات بشركة الأبحاث “أومديا” ومقرها المملكة المتحدة، أكيرا ميناميكاوا، والذي كان مراقباً وثيقاً للصناعة منذ الثمانينيات: “لم أشهد هذا المستوى من الأموال الحكومية التي يتم ضخها في قطاع أشباه الموصلات من قبل”.
في الماضي، استثمرت الحكومات اليابانية والكورية الجنوبية والتايوانية بشكل كبير في الصناعة، لكن هذا حدث بشكل مستمر على مدى فترة طويلة من الزمن، لكنه يحدث هذه المرة في آن واحد، على حد قول ميناميكا لـ “نيكاي آسيان ريفيو”.
ومما لا شك فيه أن بناء المرونة وتقليل الاعتماد على سلسلة إمداد الرقائق العالمية يعني أنه سيكون هناك فائض عن الحاجة، وفي مرحلة ما- كما يتوقع- “سيكون هناك عدم توازن بين العرض والطلب بالتأكيد”.
لم يكن ميناميكاوا الوحيد الذي يتوقع مثل هذا الأمر، فقد قالت مجموعة الأبحاث “أي دي سي” في سبتمبر إن سوق أشباه الموصلات في طريقه للنمو بنسبة 17.3% في عام 2021 مقارنة بـ 10.8% في عام 2020، حيث يعد هذا النمو مدفوعاً بالهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والخوادم والسيارات الأكثر تطوراً.
وقالت المجموعة أيضاً إن ثمة احتمال لزيادة الطاقة الإنتاجية في 2023 ،إذ سيبدأ توسع القدرة في الظهور على نطاق واسع نهاية العام المقبل.
تعليقاً على الأمر، قال نائب رئيس مجموعة “أي دي سي”، ماريو موراليس : “يمكننا القول إن الكثير من القدرات ستكون مطلوبة لأننا ما زلنا نشهد نمواً جيداً في سوق أشباه الموصلات، لكننا بدأنا نشهد تباطؤاً في ثقة المستهلك”.
وتتوقع “أي دي سي” أن يكون نمو سوق أجهزة الكمبيوتر الشخصية ثابتاً عام 2022، خصوصا بعد ارتفاع الطلب أثناء الوباء، إذ تحول المجتمع بسرعة إلى العمل عن بُعد والدراسة عبر الإنترنت.
ويعتقد موراليس، بالفعل، أن بعض خطط الاستثمار التي وضعتها شركات الرقائق ربما يتم تأجيلها أو حتى إلغاؤها في المستقبل.
ويخطط عمالقة صناعة الرقائق لاستثماراتهم الضخمة في وقت أصبحت فيه صورة العرض والطلب غامضة أكثر من أي وقت مضى.
ومنذ أن اشتد النقص في الرقائق منذ بداية العام، بدأت مجموعة واسعة من العملاء- بما في ذلك مصنعي الهواتف الذكية والإلكترونيات الاستهلاكية والسيارات- يطلبون أكثر مما يحتاجون لأنهم يخشون عدم الحصول على ما يريدون.
ويبدو من الواضح أنه لا أحد في الصناعة يدرك فعلياً ما هو الطلب الكافي بالنسبة له .. وهذا يشكل خطرا، حسبما قال ميناميكاوا.
وإذا تسببت هذه الأمور في حدوث تخمة في المعروض، فإن هذه التخمة لن تنطبق بالتأكيد بشكل متساوي عبر الأنواع المختلفة من الرقائق.
