لا شك أن المشاكل الموثقة جيداً في بعض أكبر مطوري العقارات في الصين، مجرد أعراض للتحديات الهيكلية الأعمق التي تواجهها البلاد الآن، لكن هذا لا ينفي حقيقة أن الصين لديها حافز كبير لتشجيع الاستثمار الأجنبي لتأخير القرارات المحلية الصعبة.
مع ذلك، فإن تدفقات رأس المال الواردة هذه لن تكون كافية على الأرجح، وستترك الصين عرضة للسياسة النقدية الأجنبية.
ويبدو أن التوقف الكبير في نمو الاقتصاد الصيني بات أمراً محتملاً، لأنها ستعطي الأولوية على الأرجح إلى النظام المحلي والسيطرة على تعديل هيكلي قد يكون قصير الأجل .. لكنه مؤلم.
وتشير مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية إلى أنه من الصعب تحديد المدة التي سيستغرقها هذا “التوقف الكبير”.
ورغم المؤشرات الواضحة، ما زال المستثمرون يسعون بشكل كامل إلى تسعير تداعيات هذه الفجوة وما تعنيه للسلع الصناعية أو الطلب الإقليمي على السلع.
بالنظر إلى اعتماد العديد من الدول النامية بشكل كبير على الاقتصاد الصيني، قد تكون الأعوام القليلة المقبلة صعبة بشكل خاص وقد تصعب تعافيها من تداعيات “كوفيد” بشكل أكثر.
وتعد جذور هذه المشاكل عميقة، إذ اعتمد النموذج الاقتصادي الصيني تقليدياً على الاستخدام المكثف للائتمان من أجل تمويل النمو المثير للإعجاب في البلاد، وبالتالي كان معدل الزيادة في ديون الصين سريعاً وتجاوز نسبة نمو الاقتصاد نفسه، وهي ديناميكية غير مستدامة في نهاية المطاف.
رغم استخدام بعض هذا الائتمان لتمويل عمليات إنشاء القدرة الصناعية، فإن جزءا كبيرا من الائتمان استُخدم في تمويل التوسع السريع والهائل في المساكن.
بالتالي، أصبح قطاعا العقارات والبناء في الصين كبيرين للغاية مقارنة بالاقتصاد العام.
ويشير بحث حديث إلى أن هذه القطاعات كانت أكثر أهمية بالنسبة للاقتصاد الكلي مثلها مثل القطاعات المماثلة لها في اليابان خلال فقاعة العقارات في ذلك البلد، أو حتى في الولايات المتحدة في عام 2005-2006.
من المؤكد أيضاً أن الثروة العقارية لا تقل أهمية بالنسبة لثروة المدخرين في الصين عن الأصول المالية للمدخرين الأمريكيين في الوقت الحالي، وبالتالي فإن انخفاض ثروات سوق العقارات سيؤثر على النمو المحلي لفترة طويلة.
وواجه النمو المدفوع بالعقارات في الصين عدة قيود في الآونة الأخيرة، بما في ذلك القدرة على تحمل التكاليف وتشبع السوق وإمكانية الوصول إلى التمويل، كما أن نظامها المصرفي وصل أيضاً إلى حجم غير مسبوق، ليس فقط فيما يتعلق بحجم الاقتصاد الصيني بل أيضاً فيما يتعلق على نحو متزايد بالاقتصاد العالمي بأكمله.
أصبح الإقراض المرتبط بالعقارات والضمانات القائمة على الممتلكات يهيمنان على النظام.
هذا فضلاً عن أن البنوك الصينية نفسها معرضة بشدة لهذا القطاع، مع استبعاد القطاعات الأخرى، وستكافح للحفاظ على ميزانياتها العمومية إذا زادت المشاكل في هذا القطاع.
هذه المشاكل تنطوي على مجموعتين من النتائج، الأولى توضح أن الصين لن تكون قادرة على تحرير أسواق مدخراتها قريباً وهو ما أصاب العديد من المؤسسات المالية الغربية بخيبة أمل، والثانية تشير إلى احتمالية التحكم في نمو الائتمان في المستقبل بعناية أكبر.
في كل يوم، يصبح الائتمان الممنوح للقطاع الخاص في الصين أكثر تقييداً وهذا بالطبع يعني أنه يجب تقديم الإقراض وفقاً لنظام الحصص بين الاستخدامات المتنافسة.
ربما لا غرابة في إصدار السلطات في بكين مرسوماً يقضي بإقصاء قطاعي العقارات والبناء، بجانب عدد من القطاعات الأخرى التي اعتُبرت غير منتجة أو غير متوافقة مع رؤية الحكومة لـ “الرخاء المشترك” إلى حد كبير من أسواق الائتمان.
وهذه القطاعات الهامة تواجه الآن أعواماً من التقشف القسري.
بطبيعة الحال، لا تزال السلطات تتولى مهمة تدفق الائتمان إلى القطاعات المفضلة لديها لأنها تسعى إلى زيادة الإنتاجية ودعم الأنشطة التي تضيف قيمة أكبر للاقتصاد، كما أنهم سيحتاجون أيضاً للتأكد من أن قطاع التصدير يمكن أن يساهم على الأقل في بعض النمو في الاقتصاد.
وبينما نتطلع إلى عالم ما بعد الوباء بأولويات بيئية واضحة، يجب أن يُطرح سؤال بشأن ما إذا كان نمو التجارة العالمية سيكون قوياً بما يكفي لدعم حملة الصادرات الصينية، وما إذا كان الغرب سيرغب في الحصول على سلع ذات قيمة مضافة أعلى من الصين.
ربما لا تنعكس التوترات الجيوسياسية في الحصص التجارية فحسب، بل أيضاً في أنواع السلع التي ترغب الدول في استيرادها من منافسيها، وبالتالي سيكون هناك انعدام يقين حول ما إذا كانت حملة التصدير التي تدعمها بكين جيداً ستحقق نجاحاً.
لذلك يبدو واضحاً لنا أن معدل نمو الاقتصاد الصيني سيظل ضعيفاً لفترة طويلة، وربما يواجه مسار نمو البلاد توقف كبير لفترة طويلة خلال العقد الزمني الحالي.
من الصعب التنبؤ بما يعنيه هذا على الصعيد الدولي، لكن من المؤكد أن تكون الطريقة التي سيعاد بها الاقتصاد إلى التوازن ستكون بالغة الأهمية، خاصة أن بكين ستواجه خيارات صعبة بين الأولويات المتضاربة وخيارات سياسية أقل لاستخدامها.
وبالنسبة للمستثمرين والصناعات المعرضة للصين، يبدو أن المزيد من التقلبات أمر لا مفر منه .. لكن يبدو أن المخاطر تقع في الجانب السلبي.








