الجدل حول مطار عنتيبي يعكس اقتناعاً غربياً متزايداً بأن الصين تمارس “النهب”
كان 28 أكتوبر يوماً سيئاً بالنسبة لوزير المالية الأوغندي ماتيا كاسايجا، إذ استجوب أمام البرلمان بشأن شروط قرض صيني بقيمة 200 مليون دولار أخذه لتوسيع مطار عنتيبي، الذي يخدم العاصمة كامبالا، وبالتالي اعتذر للمشرعين.
وقال كاسايجا: “ما كان يجب أن نقبل بعض البنود، لكنهم قالوا إما أن تأخذ القرض أو تتركه”.
كان موضوع الخلاف، عقداً وقع قبل ذلك بـ 6 أعوام مع بنك الصين للاستيراد والتصدير، وهو عقد يقول بعض المشرعين والمسؤولين والمحامين الأوغنديين إنه يقوض السيادة الوطنية، بل إن تقرير صحيفة “ديلي مونيتور” الأوغندية يقول إن بكين قد تستولي بموجبه على مطار عنتيبي، وهو البوابة الدولية الرئيسية للبلاد.
يسلط الجدل، الضوء على التحديات التي تواجهها الحكومات الأفريقية والبنوك الصينية عقب موجة الإقراض التي استمرت 20 عاماً والتي جعلت من بكين أكبر مصدر لتمويل التنمية في القارة السمراء.
وبعد أن كانت لا تساوي شيء تقريباً، تشكل البنوك الصينية الآن حوالي خمس إجمالي الإقراض لأفريقيا، ويتركز الإقراض في عدد قليل من الدول الاستراتيجية أو الغنية بالموارد، مثل أنجولا وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وزامبيا، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وبلغ الإقراض السنوي ذروته عند 29.5 مليار دولار عام 2016، رغم تراجعها في عام 2019 إلى قيمة أكثر تواضعاً تبلغ 7.6 مليار دولار، وإن كان لا يزال كبيراً، وفقًا لأرقام مبادرة البحوث الصينية الأفريقية بجامعة جونز هوبكنز.
وبعد التوسع في أفقر قارات العالم، أصبح المقرضون الصينيون أكثر حذراً، ووصلت بعض الدول إلى الحد الأقصى لقدرتها على الاقتراض واحتمال التخلف عن السداد بات يلوح في الأفق.
ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن أكثر من 20 دولة أفريقية تواجه ضائقة ديون أو معرضة لخطر كبير.
رداً على ذلك، تبنى المقرضون، بما في ذلك بنك الصين للاستيراد والتصدير وبنك التنمية الصيني، وهما بنكان سياسيان رئيسيان بالبلاد، شروط إقراض متشددة على نحو متزايد، خصوصا أن المصاعب الاقتصادية المرتبطة بالوباء تفرض عبئاً على الدول الأفريقية المثقلة بالديون.
وأكد الرئيس الصيني شي جين بينج، هذا الحذر في خطاب بالفيديو ألقاه أمام منتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي يعقد كل ثلاث سنوات في السنغال نوفمبر 2021.
وأوضح الرئيس الصيني، أن بلاده ستخفض قيمة الأموال التي تقدمها لأفريقيا بمقدار الثلث خلال الأعوام الثلاثة المقبلة لتصل إلى 40 مليار دولار، مشيراً أيضاً إلى إعادة توجيه الإقراض بعيداً عن البنية التحتية الكبيرة والتركيز على الشركات الصغيرة والمتوسطة والمشاريع الخضراء وتدفقات الاستثمار الخاص.
ورغم علامات التحذير هذه من بكين، يعكس الجدل حول قرض مطار عنتيبي اقتناعاً متزايداً في معظم الغرب وبين بعض الأكاديميين والناشطين في أفريقيا بأن الإقراض الصيني مجرد عملية نهب، مشيرين إلى سيطرة الصين على ميناء هامبانتوتا بسريلانكا من خلال عقد إيجار لمدة 99 عاماً كدليل على تصاميم بكين المفترضة للأصول الاستراتيجية في أفريقيا.
كما أنهم يقترحون أن الإقراض الصيني، بما في ذلك المشاريع المرموقة مثل خط السكة الحديد البالغ تكلفته 4 مليارات دولار والذي يربط ميناء مومباسا الكيني بنيروبي، يفيد النخب الفاسدة أكثر من المواطنين.
يقول تشيدي أودينكالو، من كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس، إن “حجم الائتمان الذي تنغمس فيه بعض الحكومات الأفريقية يجعلهم يعتمدون على ما يتجاوز أي فكرة معقولة عن السيادة”، معرباً عن مخاوف مشتركة بشأن الحجم الهائل للإقراض الصيني والمقايضة الضمنية.
ويضيف: “لا يمكنك إلقاء اللوم على الصين في سعيها لتأمين السداد من الأنظمة التي تعتقد أن المال يمكن أن يكون مجانياً، فالأفارقة عادةً ما يهربون من شروط الغرب، لكنهم محاصرون الآن بجدار التمويل الصيني”.
تعكس مثل هذه التعليقات الشعور السائد في معظم أنحاء القارة بأن الصين ستفرض في النهاية ثمناً لما كان يُنظر إليه، حتى الآن على الأقل، على أنه إقراض سهل. فعلى سبيل المثال قرض مطار عنتيبي البالغ قيمته 200 مليون دولار، والمقدم بفائدة تبلغ 2% فقط يُسدد على مدار 27 عاماً، يعد رخيصا وفقاً لمعظم المعايير.
يتشابه البعض مع المؤسسات المالية الغربية، بما فيها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي أقرضت الحكومات الأفريقية بسخاء في فترة ما بعد الاستقلال فقط لفرض برامج تعديل هيكلي صارمة منذ الثمانينيات بعد أن كافحت الحكومات لسدادها.
يقول دانيال كاليناكي، رئيس التحرير الأوغندي في مجموعة “نيشن ميديا جروب”، إن “الصينين سيوزعون القروض بسرعة إلى حد ما ولن يطرحوا أسئلة مزعجة إذا تمكنت من التصدي للمتظاهرين في الشارع، لكنهم بحاجة إلى التأكد من سداد أموالهم”.
ويوضح كاليناكي أن البنود الإشكالية في عقد عنتيبي تسمح لبنك الصين للاستيراد والتصدير في الواقع بوضع المطار تحت الإدارة، رغم أنه ينتقد أيضاً المقرضين الغربيين لما يعتقد أنه ممارسات مشكوك فيها بنفس القدر لفكرة تحويل القروض إلى شركاتهم والاستشارات”.
وأشار إلى أن “أفريقيا عالقة في المنتصف، وعليها أن تقرر ما هو أقل الطرق التي يمكن اتباعها”.
بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يدرج المقرضون الصينيون بنودا تستبعد تضمين الدين المستحق لهم في ترتيبات إعادة الهيكلة التي يجريها المسؤولين في نادي باريس للدائنين الثنائيين.
يذكر أن البنوك الصينية كانت تتعرض لانتقادات بسبب سهولة إقراضها للحكومات، وهو ما يسمح لها بتحويل جزء من القروض إلى خزائن الحملات الانتخابية أو إلى الحسابات الشخصية، وبالتالي فإن تدقيق الإدارة واستخدام حسابات الضمان، مثلما حدث في عقد مطار عنتيبي، يعد أمراً إيجابياً.
عن ذلك، تقول الرئيس التنفيذي لشركة “ديفلوبمنت ريايماجند” الاستشارية التي تركز على أفريقيا ومقرها في الصين، هانا رايدر، إن “بعض الحكومات الأفريقية تشعر أن مثل هذه الخطوات مفيدة للغاية، فهي تخلق بعض المساءلة”.







