الهند تتمتع بأسرع نمو اقتصادى فى العالم.. لكنَّ كثيرين لا يرون المكافآت
بعد أن غرقت فى ركود مدمر؛ بسبب العامين الماضيين اللذين تفشت خلالهما جائحة كورونا، أصبحت الهند الآن أسرع اقتصاد كبير نمواً فى العالم.
ويتوقع صندوق النقد الدولى أن ينمو الاقتصاد الهندى بنسبة 9% خلال عام 2022، مع انتعاش النشاط الاقتصادى بعد مواجهة موجة خفيفة من متحور أوميكرون، إذ ارتفعت أرباح الشركات، وكذلك الإيرادات الضريبية.
وقبل تفشى الوباء، انخفض معدل النمو فى الهند إلى النصف من أكثر من 8% عام 2016 إلى 4% فى 2019، بينما أدى الإغلاق الصارم عام 2020 إلى إغراق الاقتصاد فى ركود تاريخي.
مع ذلك، فإن هذا المزاج المتفائل يخفى توعكاً أعمق فى الاقتصاد الهندي، حيث يمثل القطاع غير الرسمى الواسع للمزارع الصغيرة والشركات نحو نصف الناتج المحلى الإجمالى وما يصل إلى 80% من الوظائف، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
معدل البطالة إلى 8% من أدنى مستوياتها عند نحو 3% فى 2017، بحسب مركز مراقبة الاقتصاد الهندي، وتراجعت المشاركة فى القوى العاملة فى الهند مع نضوب فرص العمل، وغادر العمال المدن الهندية إلى القرى، وهى هجرة عكسية تتحدى النظرية الاقتصادية.
تقول فريدة كامباتا، وهى مؤسسة مشاركة لمجموعة «كارتيكا» الاستثمارية والمديرة التنفيذية السابقة بمؤسسة التمويل الدولية، إن ثمة «انقسام كبير يحدث، حيث يمكن للمؤشر الرسمى أن يعمل بشكل جيد للغاية، ويمكن أن يبدأ الاقتصاد الرسمى فى إظهار علامات على الحياة والنمو، وفى الوقت نفسه يعانى جانب آخر من الهند من ضرر».
وتباعدت الثروات فى اقتصاد الهند بحدة، فقد وجد استطلاع للأسر أجرته مؤسسة «بيبول ريسيرتش أون إندياز كونسيومر إيكونومي» الفكرية، العام الماضى أن دخل الخُمس الأكثر ثراء من الأسر ارتفع بنسبة 39% منذ 2016، بينما انهار دخل الخمس الأشد فقراً بنسبة 53%، وعانى الهنود من ذوى الدخل المنخفض والمتوسط انخفاضات غير مسبوقة فى الدخل.
يقول فيرال أشاريا، النائب السابق لمحافظ بنك الاحتياطى الهندى والاقتصادى بجامعة نيويورك، إن «الأثرياء كانوا مستفيدين من جميع الحوافز الضريبية والنقدية»، مضيفاً أن الانتعاش غير المتوازن «لن يكون كافياً لرفع الناتج المحلى الإجمالى إلى مستويات تتناسب مع اتجاهات ما قبل الوباء».
أصبح نقص الوظائف قضية ملحة فى الحملات الانتخابية التى تُجرى خلال العام الحالى فى العديد من الولايات الهندية الرئيسة، وستكون نتائج 10 مارس بمثابة استفتاء حول ما إذا كان الناخبون يثقون بحزب بهاراتيا جاناتا، الذى ينتمى إليه رئيس الوزراء ناريندرا مودى لدفع الاقتصاد فى الاتجاه الصحيح بعد نحو ثمانية أعوام فى السلطة.
جدير بالذكر أن حزب بهاراتيا جاناتا يضخ الأموال فى البنية التحتية على أمل أن يؤدى تحفيز قطاع الشركات إلى الاستثمار الخاص والتصنيع والوظائف.
مع ذلك، يشكك المحللون بشكل متزايد فى اعتقاد مودى، بأن المد المتصاعد سيرفع كل القوارب، إذ يقول الزميل الأسبق بمركز أبحاث السياسات، براتاب بهانو ميهتا، إن الدليل على أن قطاع الشركات القوى يفيد الاقتصاد الأوسع أصبح أقل وضوحاً.
ازدهار قطاع الشركات
فى حين أن الحكومة وسعت نطاق مؤن الإعاشة الغذائية وبرامج التوظيف الريفية للفئات الأشد فقراً، فقد وجهت أيضاً الحوافز نحو قطاع الشركات على أمل أن تستثمر الشركات الأقوى وتوفر فرص العمل وتعزز الاستهلاك.
هذا الأمر شمل تخفيضاً ضريبياً على الشركات فى عام 2019، وخفض أسعار الفائدة بنسبة قياسية ووقف مؤقت لسداد القروض للبنوك.
وفى الميزانية السنوية الصادرة الشهر الماضى، تم خفض الإنفاق الاجتماعى بشكل غير متوقع مع تحديد مبلغ قياسى قدره 7.5 تريليون روبية «99 مليار دولار» على شكل استثمار رأسمالى للبنية التحتية خلال العام المقبل.
جادلت نيرمالا سيترامان، وزيرة المالية الهندية، بأن كل روبية من الإنفاق الرأسمالى ستدر 2.45 روبية فى الإنفاق لاحقاً.
وتقول إيلا باتنايك، المستشارة الاقتصادية الرئيسة السابقة فى حكومة مودى، إن دفع البنية التحتية «له أثر مضاعف كبير»، موضحة أنه «لا يمكنك الاستمرار فى الإنفاق على برامج الرعاية الاجتماعية بينما لا تحاول الدفع بالنفقات الرأسمالية».
ازدهر قطاع الشركات فى الهند نتيجة نهج جانب العرض، الذى اتبعه حزب بهاراتيا جاناتا، إذ أبلغت الشركات المدرجة عن أرباح قياسية خلال الوباء، وتعززت القطاعات غير المنظمة مثل المنسوجات أو الضيافة بسرعة.
وحصلت أكبر أربع شركات على حصة سوقية فى جميع الصناعات الـ17 التى يتعقبها «أكسيس بنك»، باستثناء واحدة.
معاناة العمال فى القطاع غير الرسمى
وجه الوباء ضربة عميقة للقطاع غير الرسمى الهندي، حيث يعمل العمال أحيانا كثيرة بأجر يومى دون أى شبكة أمان اجتماعى تحميهم، وأدى إغلاق البلاد الذى فرضته حكومة مودى فى مارس 2020 إلى توقف الملايين عن العمل فعلياً بين عشية وضحاها، وهو ما أدى إلى نزوح العمال المهاجرين من مدن مثل دلهى ومومباى إلى مناطقهم الريفية.
يقول بروناب سين، كبير الإحصائيين السابق بالهند، إن الشركات غير الرسمية، التى غالباً ما تعتمد على النقد، قد تعرضت بالفعل لضربة شديدة للغاية بعد إلغاء التداول بالعملات.
تقول راديكا كابور، الزميلة بالمجلس الهندى لأبحاث العلاقات الاقتصادية الدولية، إن «نظرية التنمية توضح لنا أن الناس ينتقلون من القطاع الزراعى للقطاع الحديث.. لكننا لأول مرة، نشهد انعكاساً لتلك العملية».
كانت كابور تعتقد أن هذه حالة مؤقتة، لكن «نحتاج إلى بذل جهد كبير لضمان توسع الفرص».