الاقتصادات الناشئة نحو 40% من إجمالى الناتج المحلى على مستوى العالم
البنك الدولى: فيروس كورونا يرفع إجمالى الديون لأعلى مستوى له منذ 50 عاما
حذر البنك الدولى من الارتفاع الكبير فى الديون العالمية وقال إن الاقتصادات الناشئة والنامية تواجه أوقاتًا صعبة بسبب تلك المديونية.
وقال البنك الدولى فى تقرير له عن موجة الديون المقبلة، إنه فى ظل القضايا الاقتصادية المسيطرة على الساحة العالمية كارتفاع معدلات التضخم، وتباطؤ النمو الاقتصادي، والضغوط المالية المشددة، أدى الغزو الروسى لأوكرانيا إلى تفاقم المخاطر الاقتصادية العالمية خلال الفترة الأخيرة. ولكن يظل هناك عنصر رابع يمكن أن يجعل هذا المزيج قابلاً للاشتعال، ويتمثل فى الديون المرتفعة للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.
وذكر البنك أن هذه الاقتصادات تمثل نحو 40% من إجمالى الناتج المحلى العالمي. وبعد الحرب الروسية الأوكرانية ، كان العديد من الاقتصادات النامية بالفعل على أرض مهزوزة. وبعد عقد من ارتفاع الديون، أدت أزمة فيروس كورونا المستجد إلى ارتفاع إجمالى الديون إلى أعلى مستوى لها منذ 50 عامًا، أى ما يتجاوز 250% من الإيرادات الحكومية، كما أن نحو 60% من أفقر البلدان كانت بالفعل تعانى من ضائقة ديون أو معرضة بشدة لخطرها. وبلغت أعباء خدمة الدين فى البلدان متوسطة الدخل أعلى مستوى لها فى 30 عاما. كما ارتفعت أسعار النفط مع ارتفاع أسعار الفائدة فى جميع أنحاء العالم.
وأدت الحرب الأوكرانية على الفور إلى حالة من الضبابية بشأن التوقعات بالنسبة للعديد من البلدان النامية التى تعتبر مستوردا رئيسيا للسلع الأساسية، أو تعتمد بشكل كبير على السياحة أو التحويلات المالية. فعلى سبيل المثال، فى جميع أنحاء إفريقيا، ترتفع تكاليف الاقتراض الخارجى، حيث ارتفعت هوامش السندات بمتوسط 20 نقطة أساس.
وتاتى حسابات البلدان للديون المرتفعة، والاحتياطيات المحدودة، والمدفوعات قريبًا مختلفة تمامًا، فعلى سبيل المثال، اختارت سريلانكا، مؤخرًا النظر فى برنامج يدعمه صندوق النقد الدولى فى مواجهة عبء خدمة الديون الثقيلة.
وأوضح التقرير أن ما يصل إلى اثنى عشر من الاقتصادات النامية، خلال الاثنى عشر شهرًا المقبلة، قد تثبت عدم قدرتها على خدمة ديونها. ويشكل ذلك رقم كبير، لكنه لن يشكل أزمة ديون عالمية نظامية، حيث لن تكون مثل أزمة ديون أمريكا اللاتينية فى الثمانينيات. ولن تكون مثل ما يتجاوز 30 حالة من الديون غير المستدامة التى دفعت إلى إنشاء مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون فى منتصف التسعينيات. ورغم ذلك، ستظل تشكل أزمة شائكة، حيث تعتبر أكبر موجة من أزمات الديون فى الاقتصادات النامية خلال جيل واحد.
وكانت الاقتصادات النامية قبل ثلاثين عامًا، مدينة بمعظم ديونها الخارجية للحكومات، أى الدائنين الثنائيين الرسميين، وجميعهم أعضاء فى نادى باريس. لكن الأمر لم يعد كذلك، فبنهاية عام 2020، كانت الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل، مدينة بخمسة أضعاف ما كانت تدين به للدائنين الثنائيين. ومن بين 53 مليار دولار تقريبًا ستحتاجها البلدان منخفضة الدخل لتسديد مدفوعات خدمة الديون على ديونها العامة والمضمونة من الحكومة، سيذهب نحو 5 مليارات دولار فقط إلى دائنى نادى باريس خلال عام 2020.
والجدير بالذكر أن الكثير من ديون الاقتصادات النامية يرجع إلى أسعار فائدة متغيرة، مما يعنى أنها يمكن أن ترتفع بشكل مفاجئ كما هو الحال بالنسبة لأسعار ديون بطاقات الائتمان.
مجموعة العشرين ومبادرة تعليق خدمة الديون
وأقر البنك الدولى فى تقرير له أن الآليات العالمية الرئيسية المتاحة اليوم لمعالجة أزمات الديون لم تكن مصممة لهذه الظروف.
وأوضح أن مجموعة العشرين لعبت دورًا حاسمًا فى هذه العملية على مدار العامين الماضيين. ومع انتشار فيروس كورونا، بناءً على دعوة من البنك الدولى وصندوق النقد الدولي، تحركت مجموعة العشرين بوتيرة سريعة لإنشاء مبادرة تعليق خدمة الديون. وضمت المبادرة أعضاء نادى باريس وكذلك غير الأعضاء لتقديم نحو 13 مليار دولار لتعليق مدفوعات الديون لنحو 50 دولة. لكن ظلت هذه الخطوة شبكة أمان مؤقتة انتهت صلاحيتها فى نهاية عام 2021، كما بدأ الانتعاش الاقتصادى لـفيروس كورونا يتلاشى.
وبعد مبادرة تعليق خدمة الديون، أنشأت مجموعة العشرين الإطار المشترك لمعالجات الديون خارج إطار المبادرة. كما تقدمت ثلاث دول فقط بطلبات، كما جاء التقدم فى إعادة هيكلة ديونها بوتيرة بطيئة. وهذا يرسل مؤشرات خاطئة إلى البلدان الأخرى التى لديها ديون غير مستدامة، والتى امتنع العديد منها عن السعى للحصول على إعفاء بسبب بطء التقدم على وجه التحديد، حيث تخشى بعض الدول أن يؤدى تطبيق الإطار المشترك إلى قطع وصولهم إلى رأس المال الخاص دون استعادة تدفق الائتمان الثنائي.
ومن الناحية العملية ، فإن الإطار المشترك هو الحل الوحيد المتاح حالياً، ويمكن بل ويجب تحسينه فى الوقت المناسب لتقديم إغاثة ذات مغزى للبلدان التى تحتاج إليه.
وقدم البنك الدولى وصندوق النقد الدولى خارطة طريق للتعامل مع مشكلة الديون التى يعيشها العالم حاليا وتتضمن:
أولاً: وضع جدولًا زمنيًا واضحًا لما يجب أن يحدث أثناء العملية، حيث يجب تشكيل لجنة الدائنين، على سبيل المثال، خلال ستة أسابيع.
ثانيًا: تعليق مدفوعات خدمة الديون للدائنين الرسميين لجميع المتقدمين بطلبات للإطار المشترك، طوال مدة المفاوضات.
ثالثًا: القيام بتقييم معايير وعمليات قابلية العلاج للمقارنة وتوضيح القواعد الخاصة بتنفيذه.
رابعًا: توسيع متطلبات الأهلية للإطار المشترك، والتى تقتصر حاليًا على 73 دولة من أفقر البلدان. كما ينبغى توسيعها لتشمل البلدان الأخرى ذات الدخل المتوسط المنخفض والمثقلة بالديون.
وقال البنك الدولى إن العالم العالم نهجا قوياً بشكل مأساوى لحل أزمات الديون فى الاقتصادات النامية، لفترة طويلة جدا، وتقديم الإغاثة التى إما أن تكون قليلة جدًا أو متأخرة جدًا .
وأشار إلى أنه حان الوقت لاتباع أساليب القرن الحادى والعشرين، وهى أساليب تنطوى على التدابير الوقائية بدلاً من الاستجابة البعدية، وهو نهج يمنع اندلاع الأزمة فى المقام الأول.