رفع الفائدة والمخاطر الجيوسياسية وتباطؤ النمو يدفع المستثمرين للملاذات الآمنة
تواجه سندات الأسواق الناشئة أسوأ خسائرها منذ نحو ثلاثة عقود زمنية، متأثرة بارتفاع أسعار الفائدة العالمية وتباطؤ النمو الاقتصادي والحرب في أوكرانيا.
حقق مؤشر السندات السيادية المقومة بالدولار الصادرة عن الاقتصادات الناشئة “جي.بي مورجان إي.إم.بي.أي جلوبال دايفرسفايد” عوائد إجمالية بنحو سالب 15% حتى الآن في عام 2022، وهي أسوأ بداية للعام الجاري منذ عام 1994، وقد خُفف هذا الانخفاض بشكل طفيف فقط عبر انتعاش واسع بالأسواق العالمية في الأيام الأخيرة، مما أنهى سلسلة خسائر واجهتها أسهم وول ستريت لسبعة أسابيع.
وسجلت صناديق السندات المتبادلة وصناديق السندات المتداولة في الأسواق الناشئة تدفقات خارجة تقدر بنحو 36 مليار دولار منذ بداية العام الحالي، كما تراجعت التدفقات في سوق الأسهم منذ بداية شهر مايو، بحسب البيانات الصادرة عن مؤسسة “إيمرجينج بورتفوليو فاند ريسيرش”.
قال بريت ديمنت، رئيس ديون الأسواق الناشئة العالمية في “أبردن”: “إنها بالتأكيد أسوأ بداية يمكنني تذكرها في فئات الأصول، مع العلم أنني أعمل في الأسواق الناشئة منذ أكثر من 25 عاماً”.
تضررت الاقتصادات النامية بشدة من تفشي جائحة فيروس كورونا المميت، مما أدى إلى إجهاد ماليتها العامة، بحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
أدى ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو العالمي والاضطراب الجيوسياسي والمالي الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا إلى زيادة الضغوط الاقتصادية التي يواجهونها، كما أن تدفقات الاستثمار الخارجة تهدد بتفاقم مشاكلها من خلال تشديد السيولة.
يتوقع ديفيد هونر، رئيس استراتيجية واقتصادات الأسواق الناشئة في “بنك أوف أمريكا جلوبال ريسيرش”، ازدياد الوضع سوءاً.
وقال هانر إن “القصة الكبيرة هي أن لدينا تضخماً كبيراً للغاية في العالم، وما يزال صُناع السياسة النقدية مندهشين بمدى ارتفاعه.. وهذا يعني المزيد من التشديد النقدي وستستمر البنوك المركزية حتى ينكسر شيء ما سواء الاقتصاد أو السوق”.
قال ييرلان سيزديكوف، الرئيس العالمي للأسواق الناشئة في شركة “أموندي”، إن العوائد المرتفعة في الأسواق المتقدمة مثل الولايات المتحدة- المدفوعة برفع أسعار الفائدة في البنوك المركزية- تجعل سندات الأسواق الناشئة أقل جاذبية.. في أحسن الأحوال لن يصل الوضع إلة الصفر، وفي أسوأ الأحوال ستخسر المال خلال العام الجاري”.
وأوضح هانر إن ارتفاع أسعار الفائدة في اقتصادات السوق المتقدمة الرئيسية لم يكن بالضرورة سيئاً بالنسبة لأصول الأسواق الناشئة إذا صاحبها نمو اقتصادي.
وأضاف هانر: “لكن هذا ليس الحال الآن، فنحن لدينا مشكلة كبيرة مكونة من تضخم مصحوب بركود، بجانب رفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة لكبح التضخم المتفشي في بعض الأماكن، مثل الولايات المتحدة… وهذه الخلفية غير صحية للغاية بالنسبة للأسواق الناشئة”.
واجهت الصين، وهي أكبر الأسواق الناشئة في العالم، بعض أشد عمليات البيع.
قال جوناثان فورتون، الاقتصادي في معهد التمويل الدولي، إن المخاوف بشأن المخاطر الجيوسياسية، بما فيها احتمالية غزو الصين لتايوان في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، قد تفاقمت بسبب التباطؤ الاقتصادي حيث فرضت الحكومة عمليات إغلاق قاسية في سعيها لتطبيق سياسة “صفر كوفيد”.
وأشار إلى أن الأصول الصينية تلقت ما يسمى بالتدفقات الوافدة السلبية الكبيرة على مدى العامين الماضيين، بعد إدراج البلاد في المؤشرات العالمية مما يعني أن مديري الصناديق الذين يحاولون عكس المعايير القياسية اشتروا تلقائياً الأسهم والسندات الصينية.
تشير بيانات معهد التمويل الدولي إلى أن هذه التدفقات تراجعت خلال العام الجاري، مع خروج أكثر من 13 مليار دولار من السندات الصينية في شهري مارس وأبريل، ومغادرة أكثر من 5 مليارات دولار من الأسهم الصينية.
في الوقت نفسه، أدت الصدمة التي أصابت أسعار السلع الأساسية بسبب حرب أوكرانيا إلى زيادة الضغط على العديد من الدول النامية التي تعتمد على الواردات لتلبية احتياجاتها من الغذاء والطاقة، لكنها أظهرت أيضاً بعض الفائزين بين مصدري السلع الأساسية.
أشار ديمنت، من شركة “أبردن”، إلى وجود تباين كبير بين الدول رغم أن السندات المقومة بالعملة المحلية في مؤشر “جي بي مورجان جي بي أي-إي إم” قد حققت عوائد إجمالية من حيث القيمة الدولارية تقل عن 10% حتى الآن خلال العام الجاري.
وأوضح أن تقييمات ديون الأسواق الناشئة “تبدو جذابة للغاية الآن بشكل مثير للجدل”، وأن “أبردن” سجلت تدفقات صافية في صناديق ديون الأسواق الناشئة حتى الآن خلال العام الجاري.
مع ذلك، جادل هانر، من بنك أوف أمريكا، بأنه لن يتم الوصول إلى القاع إلا حينما تحول البنوك المركزية اهتمامها من مكافحة التضخم إلى تعزيز النمو، موضحاً أن “هذا قد يحدث في وقت ما خلال الخريف لكن يبدو أننا لم نصل إليه بعد”.
قال سيزديكوف إن الأمر يعتمد على ما إذا كان الارتفاع في التضخم ينحسر ويعيد الاقتصاد العالمي لتحقيق توازن بين التضخم المنخفض وأسعار الفائدة المنخفضة، محذراً من الأمر البديل هو دخول الولايات المتحدة في ركود العام المقبل، مما يزيد من أعباء النمو العالمي ويدفع عائدات الأسواق الناشئة للارتفاع.