“تطبيع السياسة النقدية” عبارة رائعة مطمئنة، ويبدو أنه يشير إلى أن سوء تسعير المخاطر الذي ميز الأسواق منذ الأزمة المالية قد يصبح قريبًا شيئًا من الماضي.
وربما يشير أيضاً إلى أن الستار سينزل على سوء تخصيص رأس المال الذي نتج عن معدلات الفائدة المنخفضة للغاية للبنوك المركزية، وهو عامل مساهم مهم في سجل الإنتاجية السيئ للعالم المتقدم منذ عام 2008، لكن فكر مرة أخرى. ثمة أسباب جيدة للاعتقاد بأن سوء تسعير الأصول لا يرجع فقط إلى السياسة النقدية الغريبة.
كبداية، لم تكن نسبة رأس مال المستثمرين غير الحساسة للسعر أعلى مما هي عليه الآن في أي وقت مضى، وسوق السندات البريطانية المرتبط بمؤشر التضخم يدعم ذلك.
أعلنت الحكومة أنه في عام 2030 سيتم التخلي عن مؤشر أسعار التجزئة لصالح ارتباط بمؤشر أسعار المستهلك بما في ذلك تكاليف الإسكان، نظرًا لأن الأول يعطي معدلًا أقل من الثاني، وبالتالي سيقلل ذلك بشكل ملائم من تكاليف الاقتراض الحكومي، ويقدر المستشاران كون كيتينغ وجون سبين أنه على مدى الأجل المتبقي للمخزون الحالي من السندات الذهبية المرتبطة بالمؤشر، يمكن أن يكون المدخر ما بين 90 مليار جنيه إسترليني و120 مليار جنيه إسترليني بأسعار السوق الحالية، وسيأتي هذا على حساب أنظمة المعاشات التقاعدية ذات المزايا المحددة.
ومن الغريب أنه لم يكن ثمة انخفاض ملحوظ في الأسعار بعد إعلان الحكومة، وهو ما يعود إلى اتباع صناديق التقاعد لاستراتيجيات استثمار آلية، تهدف إلى مطابقة الالتزامات مع التحوط من أسعار الفائدة ومخاطر التضخم.
ثم هناك بالطبع ظاهرة الاستثمار الخامل، ووفقا لشركة “انفستمنت كومباني انستيتيوت”، فإن صناديق المؤشرات المدارة بشكل خامل قد تجاوزت للتو ملكية الصناديق المدارة بنشاط في أسواق الأسهم الأمريكية.
تعني الحساسية السعرية هنا أن تدفقات رأس المال إلى الصناديق الخاملة تكافئ الأصول الفائزة بالأمس وخصوصاً مكونات المؤشرات الكبيرة، والأمر، في الواقع، عبارة عن زخم أو استراتيجية تتبع اتجاها يساعد على ضمان أن تكون الأسعار انعكاساً سيئًا للقيمة الأساسية مع تعزيز أي ميل إلى فقاعات السوق مع تدفق الأموال الجديدة.
وبنفس القدر من الأهمية، من حيث تشويه الأسواق، هناك الحساسية المفرطة للسعر، وهي طريقة أخرى لوصف زخم الاستثمار، ولم يكن من المفترض أن يوجد هذا في الأسواق الفعالة ، إذ تعكس الأسعار الأسس الاقتصادية، فقد وجد الأكاديميون في مركز “بول وولي” لدراسة اختلال وظائف سوق رأس المال في كلية لندن للاقتصاد دليلاً على وجود أخطاء منهجية في التسعير ناشئة عن هذا النهج.
يشير معهد بول وولي الذي يحمل اسم مؤسسه إلى أن سوء التسعير يتفاقم حيث يتم قياس أداء مديري الأصول وفقًا لمؤشر. إذا كان أداءهم أقل من المؤشر، فهم ملزمون بشراء الأصول التي ترتفع بقوة ولكن تمثيلها ناقص في محفظتهم أثناء بيع الأصول الأخرى، ويؤدي هذا إلى تضخيم صدمات الأسعار في كلا الاتجاهين، كما هو الحال مع تداول الزخم التقليدي، ولكن بشكل رئيسي إلى الأعلى بسبب عدم تناسق السوق الطبيعي: أسعار الأسهم لها أرضية محدودة ولكن ليس لها سقف.
كما أنه يساهم في تشجيع التدفقات إلى سوق رأس المال قصير الأجل مع إرسال إشارات أسعار سيئة إلى مديري الشركات المدرجة عندما تكون هناك حاجة لعكس نقص الاستثمار المشهود في قطاعات الاقتصاد القديم حيث أدت الندرة إلى عودة التضخم.
كما أن هذه ليست خلفية صحية لتشجيع الإصلاح الضخم لمخزون رأس المال العالمي الضروري لضمان الانتقال إلى الكربون المنخفض بحلول عام 2050، ومخططات الحوافز طويلة الأجل المتعلقة بأداء سعر السهم حيث يتم تعريف المدى الطويل عادةً على أنه مجرد ثلاثة سنوات وأسعار الأسهم متقلبة توفر الدافع الخاطئ، وينشأ تشويه آخر للسوق مما يسميه الأكاديميون فلوريان بيرج وجوليان كولبل وروبرتو ريغوبون “الارتباك الكلي” بشأن التقارير البيئية والاجتماعية والإدارية.
في دراسة حديثة وجدوا تباينًا كبيرًا في درجات المعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات من ست وكالات تسجيل بارزة، وتشمل العواقب تشوه أسعار الأوراق المالية وفشل الشركات في تحسين أداءها في هذا المجال لأن مديريها مرتبكون.
يعمل واضعو المعايير الدولية الآن على الاستدامة، لكن العمل سيستغرق وقتًا. لذا فإن نشاط الغسل الأخضر من قبل مديري الأصول الذين يسعون للاستفادة من ما يسميه الاقتصادي بن مينج، من “فرانكلين تمبلتون”، “نوبة البحث عن الذهب” في مجال المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة لا يزال قائما، وهناك تساؤلات حول كفاءة المراجعين هنا. تعد المراجعات التي تم إجراؤها على حياة الأصول كثيفة الكربون في كشوف الشركة قليلة ومتباعدة، ويتسائل المرء كم عدد المدققين الذين يمكنهم التمييز بين الأصل العالق والميت؟
تتمثل إحدى الصعوبات الأساسية في أن المحاسبة تركز أقل وأقل مما يهم في الاقتصاد الحديث مثل رأس المال البشري وقيمة البيانات. ونحن بعيدون جدًا عن عالم تعكس فيه أسعار الأسهم الأسس، حيث يستثمر الناس لتوليد دخل مباشر لدفع معاش تقاعدي أو حيث يحاول المستثمرون بشكل روتيني الشراء بسعر منخفض والبيع بسعر مرتفع، في غضون ذلك، يبدو هدف كفاءة السوق بعيد المنال بشكل مؤلم.
بقلم: جون بلندر، كاتب مقالات رأي في صحيفة “فاينانشال تايمز” منذ عام 1981، والمحرر المالي السابق لمجلة “ذي إيكونوميست”.
المصدر: صحيفة “فاينانشال تايمز”.