عادةً ما تعد العقارات وسيلة جيدة للتحوط ضد التضخم، إذ يمكن لقدرة الملاك على زيادة الإيجارات أن تخفف من آثار ارتفاع التكاليف.
وإذا كان التضخم مدفوعاً بالنمو الاقتصادي القوي، فإن الإيجارات ترتفع، وتظل المباني ممتلئة، بالتالي يضمن أصحاب العقارات ارتفاع الدخل.
مع ذلك، فإن المخاوف بشأن الاقتصاد قلبت هذه الاستراتيجية رأساً على عقب، بالتالي يمكن أن تؤدي ميزانيات الأسر المجهدة والميزانيات العمومية الموسعة للشركات إلى الحد من قدرة المستأجرين على دفع المزيد من الإيجارات، الأمر الذي يعرض عائدات المستثمرين للخطر.
علاوة على ذلك، وفي ظل ارتفاع تكلفة الديون، فإن مالكي الأبراج المكتبية والفنادق ومراكز التسوق والأنواع الأخرى من العقارات يخاطرون بالتعثر مع عائدات أقل على الأصول التي قد تكون الآن باهظة الثمن، كما أن الكثيرين يخشون تصحيح الأسعار القادم.
يتناقض المزاج القاتم مع التفاؤل في عام 2021، عندما ارتفعت العائدات والإيجارات وعمليات جمع الأموال، التي يغذيها انخفاض أسعار الفائدة، إلى مستويات قياسية، بحسب مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
وحتى مع بقاء المكاتب فارغة بشكل مخيف، سارع مديرو الصناديق إلى وضع رؤوس أموالهم في كتل جديدة من الشقق والمختبرات والمستودعات، مما رفع القيمة العالمية للممتلكات المدارة باحتراف بنحو تريليون دولار.
لقد تلاشى هذا الأداء الممتاز منذ ذلك الحين، حيث تتراجع أسعار أسهم صناديق الاستثمار العقاري المدرجة في البورصة، وتتراجع التوقعات بشأن نمو الإيجارات والعوائد، كما ارتفعت معدلات التأخر في السداد في الولايات المتحدة في يونيو للمرة الأولى منذ أواخر عام 2021.
يأتي الضغط على رأس التحديات الأخرى، إذ يتوقع بنك “يو.بي.إس” أن يؤدي التحول إلى العمل عن بُعد إلى إضرار طلب التأجير لمساحة المكاتب بنسبة تصل إلى 20%.
كذلك، ستتطلب إزالة الكربون استثمارات ضخمة لإعادة المباني القديمة إلى نقطة الصفر، كما أن ارتفاع أسعار تذاكر الطيران يهدد انتعاش الطلب على الفنادق.
لا عجب أن المستثمرين يربطون أحزمتهم، فبعد بداية قياسية حتى عام 2022 ، بدأ نشاط الصفقات في الولايات المتحدة في التراجع، حسبما يقول كيفن فاجان، من شركة الأبحاث “موديز أناليتكس”.
كما أن المعاملات الجارية تستغرق بالفعل وقتاً أطول للتفاوض عليها، وقد تم تعليق البعض.
في الولايات المتحدة وبريطانيا، انخفض الاستثمار العقاري التجاري بين شهري أبريل ويونيو إلى أدنى مستوى له منذ بدء الوباء، إلى 86 مليار دولار و 10 مليارات جنيه استرليني “أي ما يعادل 12 مليار دولار” على التوالي، كما انخفض عقد الصفقات في ألمانيا.
لن تعاني كافة العقارات، حيث يتوقع أن تحقق المباني عالية الجودة والأكثر كفاءة في استخدام الطاقة مع وسائل الراحة الحديثة في مواقع رئيسية، والتي يمتلكها عادةً مستثمرون مؤسسيون كبار، أداءاً جيداً نسبياً.
وعلى النقيض من ذلك، خسرت الأصول منخفضة الجودة في جميع أنحاء أوروبا حوالي عُشر قيمتها في الربع الثاني من العام الجاري، مقارنة بالربع السابق، بحسب شركة الأبحاث “جرين ستريت”.
يأتي هذا الانخفاض في أعقاب ضعف عام 2021 للعديد من هذه المباني، إذ انخفضت إيجارات المكاتب منخفضة الجودة في لندن بنسبة 9% العام الماضي، مقارنة بعام 2020، حتى مع ارتفاع إيجارات المساحات المكتبية الرئيسية بنسبة 8%.
لا شك أن بعض المدن ستؤدي أداء بشكل أفضل من غيرها.
ففي الولايات المتحدة، من المتوقع أن تكون أسواق منطقة الحزام الشمسي للولايات المتحدة الأمريكية، مثل أتلانتا ودالاس وسان دييجو، من بين أفضل الأسواق أداءً خلال العام الجاري، حيث توفر عوائد أفضل من أماكن مثل نيويورك وسان فرانسيسكو، حيث كان العمال أبطأ في العودة إلى المكتب.
ومن المؤكد أن الملاك الذين يمكنهم ضمان نمو الإيجارات في المستقبل أو أولئك الموجودين في الأسواق ذات العرض المحدود هم أيضاً في وضع جيد نسبياً، وهذا يشمل مالكي المعامل والمستودعات والممتلكات اللوجستية الأخرى.
خلاصة القول إنه على الرغم من توقع انخفاض أسعار العقارات التجارية، لا يُتوقع أن يكون الانخفاض سريعاً.
كما يعتقد المحللون في شركة الاستشارات “كابيتال إيكونوميكس” أن قيم العقارات الأمريكية يمكن أن تواجه انخفاضاً من ذروتها إلى مستوى قياسي يتراوح بين 6% إلى 8%، وهذا يعد هذا انخفاضاً أكبر من الانخفاض الذي حدث في بداية الوباء، لكنه بعيد جداً عن الانخفاض بنسبة 34% تقريباً خلال الأزمة المالية العالمية.
تعد البنوك مواطن راحة أخرى، فهي أصبحت أقل عرضة للممتلكات التجارية.
ففي بريطانيا، على سبيل المثال، تشكل البنوك ما يقرب من 7% من دفاتر قروض المقرضين، مقارنة بـ 12% قبل الأزمة المالية، وقد لا توفر المكاتب ومراكز التسوق والمستودعات قدراً من الحماية من التضخم كما قد يرغب المستثمرون، لكنهم، على الأقل، أصبحوا أقل عرضة لتضخيم المشاكل المالية.