تواجه أوروبا صدمة هائلة فيما يتعلق بأسعار الطاقة، لكن ليس كل الأوروبيين مهيئين لرؤية نفس مستوى الضرر على مستويات معيشتهم.
تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن العبء الذي تتحمله الأسرة المتوسطة في فنلندا يعادل 4% إضافية من إنفاق الأسرة، ثم تصبح الصورة أكثر كآبة إلى حد كبير عند ركوب العبارة لمدة ساعتين عبر بحر البلطيق، حيث تواجه الأسر في إستونيا ضربة تصل إلى ما يقرب من 20%.
تقع معظم اقتصادات القارة بين هذين البلدين، حيث ينفق الأوروبيون في المتوسط عُشر دخولهم على الطاقة، وتميل الأسر الأكثر ثراءً إلى امتلاك منازل وسيارات أكبر، لكن الزيادة في تكاليف الطاقة الناتجة عن ذلك ليست كبيرة بشكل عام مثل التباين في الدخل.
ولا شك أن هذا الأمر يترك الأسر الفقيرة تنفق المزيد من ميزانياتها على الطاقة، والنمط ذاته ينطبق بين الدول كما داخلها، حسبما ذكرت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
وأوضحت المجلة أن شرق أوروبا الشيوعي السابق الأكثر فقراً يعتبر أكثر عرضة لارتفاع أسعار الطاقة من شماله الاسكندنافي الغني.
جدير بالذكر أيضاً أن الاعتماد على الغاز الطبيعي هو عامل مهم آخر في تقييم الضعف، حيث تضاعفت أسعار الجملة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا،
كما ارتفعت أسعار الفحم، لكن بنسبة 60% يمكن التحكم فيها إلى حد ما.
وفي الوقت نفسه، لم يتغير سعر مصادر الطاقة المتجددة، حيث تواجه الدول الأوروبية أسعار جملة مماثلة بفضل سوق موحد في الغالب للغاز الطبيعي، فمولدات الطاقة التي تستخدم الغاز في بلغاريا، على الجانب الشرقي للقارة، تدفع تقريباً نفس تلك الموجودة في أيرلندا، والتي تقع في غربها.
ومع ذلك، تختلف الدول في اعتمادها على الأشياء، حيث يأتي أقل من 3% من الطاقة التي تتمتع بها السويد من الغاز الطبيعي، في حين أن الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح والطاقة النووية توفر الجزء الأكبر منها.
وعادةً ما يتم تدفئة المنازل في السويد باستخدام أنظمة مشتركة، والتي تتغذى في الغالب عبر رقائق الخشب أو من خلال مضخات حرارية متصلة بشبكة الكهرباء، وهذا يضع متوسط الزيادة في إنفاق الأسر عند ما يقرب من 5% من الميزانيات، مقارنة بـ 10% في بريطانيا التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي.
بالإضافة إلى ذلك، يختلف المرور من أسعار الجملة إلى أسعار التجزئة.
ففي العديد من الدول، تشتري المرافق الغاز بعقود طويلة الأجل وتتحوط من تعرضها لارتفاع أسعار الجملة، ومن ثم فإن هياكل السوق المختلفة تعني أن الأسعار تنتقل إلى المستهلكين بترددات مختلفة.
في إسبانيا، على سبيل المثال، يتم تحديث تعريفات المستهلك في العادة بشكل شهري، وذلك على الرغم من أنها وضعت حد أقصى لتكاليف الغاز لمولدات الطاقة.
أما في بولندا، عادةً ما تُعدل تعريفات المستهلك مرتين فقط في السنة.
أشارت “ذا إيكونوميست” إلى أن الحكومات في أماكن أخرى في العالم جمدت التكاليف.
فعلى سبيل المثال، فرنسا، حيث تهيمن شركة الكهرباء الفرنسية المملوكة للدولة “إليكتريسيتي دو فرانس” على السوق، حددت الحكومة ارتفاع الأسعار بنسبة 4%.
وعادةً ما تأتي معظم الكهرباء في البلاد من الطاقة النووية، لكن الصيانة التي طال تأخرها تعني أنه يتم استيرادها الآن من الدول المجاورة، حيث يتم توليدها في الغالب عن طريق حرق الغاز، كما تستوعب الحكومة هذه التكاليف من خلال ملكيتها لشركة “إليكتريسيتي دو فرانس”.
ولا شك أن الحد من ارتفاع أسعار الطاقة يقلل من الحافز المقدم للأسر من أجل خفض استخدام الطاقة، كما أنه يساعد الأثرياء على نحو غير متناسب، من ثم فإن الخيار الأفضل بكثير هو توجيه الدعم لمن هم في أمس الحاجة إليه.
ومع ذلك، تم استهداف 12% فقط من إنفاق دول الاتحاد الأوروبي على تدابير الحد من تأثير ارتفاع أسعار الطاقة بهذه الطريقة، وفقاً لحسابات البنك المركزي الأوروبي.
كذلك، تتطلب صدمة الطاقة الموزعة بشكل غير متساو المزيد من إعادة التوزيع استجابةً لذلك.