ثمة رأي قديم مفاده أن التنويع هو الغذاء المجاني الوحيد في مجال التمويل، لكن في عام 2022، كان العثور على وجبة غذاء مجانية أمراً صعباً على المستثمرين.
كانت الأسواق المالية متقلبة ومترابطة بشكل كبير، إذ أدى انعدام اليقين والخوف على مستوى الاقتصاد الكلي إلى عوائد مخيبة للآمال في السندات والأسهم والأسواق الناشئة العالمية.
كيف يمكن للمستثمرين تصميم استراتيجية استثمار مرنة عندما لا يوجد مكان للاختباء في سوق هابطة؟
عادةً يمكن ذلك من خلال الاعتماد على التنويع، فحتى عندما تنخفض أسواق الأسهم، يمكن لبعض فئات الأصول تخفيف الخسائر وتحقيق الاستقرار في أداء المحفظة.
خلال عام 2010، كان المستثمرون بحاجة إلى البحث عن سندات حكومية عالمية للتحوط المثالي. ففي كل مرة كانت توقعات النمو تتراجع وتتعرض الأسهم لاضطرابات، يستجيب محافظو البنوك المركزية الاستباقيون بسرعة بسلسلة من التخفيضات في أسعار الفائدة والتيسير الكمي والتوجيهات المستقبلية.
وتعادل مراحل العزوف عن المخاطرة في الأسهم ارتفاعات كبيرة في أسواق السندات العالمية الرئيسية، بما فيها سندات الخزانة الأمريكية والسندات البريطانية.
كان مزيجاً مُرضياً بالنسبة للمستثمرين في الصناديق المتوازنة مع مزيج محسن من المخاطر من الأسهم والسندات، حسبما ذكرت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
اليوم، نحن في نظام سوق جديد ،إذ يصعب الحصول على وجبة غذاء مجانية، فقد نضب تنويع المحافظ الاستثمارية في أماكن أخرى أيضاً، مع الوضع في الاعتبار أداء التحوط المخيب للآمال في تداولات الاقتصاد الكلي، بما في ذلك الين والذهب والعملات المشفرة.
ما زال البحث جاريا عن مصادر متنوعة جديدة، وكان النظر إلى الأسواق الخاصة واحداً من الخيارات الشائعة، خصوصا بالنسبة للمستثمرين المؤسسيين.
ويمكن أن تؤدي إضافة مزيج من الديون الخاصة أو حقوق الملكية في البنية التحتية أو رأس المال الطبيعي إلى المحفظة الاستثمارية، إلى ظهور محركات اقتصادية جديدة دون التخلي عن الكثير من العائدات المتوقعة.
ومع ذلك، قد تعني قيود السيولة والوصول إلى الأسواق أن هذه الاستراتيجية ليست للجميع.
تتمثل الفكرة الرئيسية في رؤية أن التغيير في بيئة المخاطر ليس عشوائياً، لكنه يعكس النظام الاقتصادي، فمن المنطقي أن تكون السندات وسيلة التحوط المثالية للمستثمرين في عالم يسوده الركود المزمن وأسعار فائدة “أقل لفترة أطول”.
لكن كل شيء يتغير في ظل الوصول إلى وضع اقتصادي أكثر صعوبة والمعاناة من مزيد من التضخم المستمر ورفع أسعار الفائدة. وهذا التغيير في حد ذاته مرتبط بالأهمية المتزايدة لقوى جانب العرض في كيفية تصرف الآلة الاقتصادية.
تمثل سياسة المناخ وأمن الطاقة وانحسار العولمة تحولاً سلبياً في منحنى عرض الاقتصاد، كما أنها تعيق النمو وتعزز التضخم.
هذا يعني أن السندات يمكن أن تعمل كمخفف للمخاطر مرة أخرى، إذا كان هناك أخبار أفضل عن التضخم وتخفيف في دورة رفع أسعار الفائدة.
جدير بالذكر أن أحدث تقرير لمؤشر أسعار المستهلك في الولايات المتحدة فكرة أننا تجاوزنا ذروة التضخم، ما يمهد الطريق للوصول إلى ذروة تشدد بنك الاحتياطي الفيدرالي أيضاً.
مع ذلك، ما يزال من السابق لأوانه إعلان النصر، إذ يبدو أن التضخم مهيأ للاستمرار حتى عام 2023، لكننا نعتقد أن المستثمرين العالميين سيفاجأون أولاً بمدى سرعة عودة التضخم إلى حوالي 5%، ثم المدة التي سيستغرقها للعودة إلى نطاق يتراوح بين 2% إلى 3%.
ثمة تحدي آخر وهو أنه نظراً لأن التضخم كان قصة عالمية شائعة، لم يكن هناك كثيراً من الأمور التي يمكن جنيها من تبني المنظور الدولي، فقد كان أداء المستثمرون ضعيفاً سواء في سندات الخزينة الأمريكية أو السندات البريطانية أو سندات الأسواق الناشئة.
ومع ذلك، تعد شمال آسيا هي المنطقة الوحيدة البارزة التي تبدو فيها الديناميكيات الاقتصادية وسلوك أسعار الأصول مختلفة.
يدور التضخم في نطاق متوسط قدره 2% في كل من الصين واليابان، وهو تناقض صارخ مع نسبة تقدر بنحو 10% في المملكة المتحدة، وحتى لو ارتفعت معدلات التضخم في شمال آسيا حتى نهاية العام كما نتوقع، يظل فارق التضخم ضخماً.
في الصين، ما زال الانتعاش في مراحله الأولى بعد عمليات الإغلاق الوبائية الأخيرة والتداعيات غير المباشرة لقطاع العقارات.
أما في اليابان، تشير المؤشرات الاقتصادية الرائدة إلى استقرار النمو في الوقت الراهن.
الفكرة تكمن في عدم تقديم تنبؤات جريئة بشأن آفاق شمال آسيا، بل الإشارة ببساطة إلى أن الدورة الاقتصادية في مرحلة مختلفة نوعاً ما عن بقية العالم.
علاوة على ذلك، بالمقارنة مع الغرب، فإن الاقتصاد السياسي المختلف والسياسات العامة والمعايير التنظيمية للصين تشير إلى أن اقتصادها قد يستمر في التحرك إلى إيقاع مختلف بمرور الوقت، مع الحفاظ على ترابط منخفض مع أسواق الأسهم الغربية.
وبالرغم من أن ارتباطات الأسهم تبدو طبيعية أكثر في اليابان، فإن الانخفاض الحاد في قيمة الين خلال العام الجاري قد تسهم في ظهور بعض السلوكيات الخاصة باليابان في أداء السوق المحلية خلال الأشهر الستة إلى الـ12 المقبلة.
لا شك أن البيئة الحالية تمثل تحدي جديد للمستثمرين، فقد تأرجحت العلاقة بين الأسهم والسندات من سلبية إلى إيجابية، مع بعض التداعيات العميقة.
وتطور استراتيجية الاستثمار المرنة طرقاً للتكيف مع هذا التغيير، وقد يكون إلقاء نظرة أخرى على أصول شمال آسيا جزءاً من تلك الاستجابة.