عقوبات الغرب تضر بآفاق نمو البلاد على المدى الطويل
تشير البيانات إلى أن روسيا ستكون قادرة على ضمان إنفاقها العسكري
في هذه الأيام، ليس لدى مواطني روسيا الكثير ليفخروا به.. لذا فهم يأخذون ما يمكنهم الحصول عليه.
ينشر المتصيدون على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو موجهة للجماهير الأوروبية تظهر مواقد الغاز التي تركت وهي تعمل بكامل طاقتها، بالتالي فإن ما قد يكلف مئات اليورو في برلين ربما يصل إلى بضعة روبلات في موسكو.
هذا التهكم صبياني، لكنه يلمح إلى حقيقة أعمق، وهي أن الحرب الاقتصادية بين روسيا والغرب تمر بلحظة حساسة، وبينما تتأرجح أوروبا على شفا الركود، تخرج روسيا من حالة ركود.
لا شك أن العقوبات الغربية، التي فُرضت رداً على غزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا، أضرت بآفاق روسيا على المدى الطويل.
تشير التوقعات إلى أن منع تاسع أكبر اقتصاد في العالم من الوصول إلى التكنولوجيا والخبرة الأجنبية تسبب في خفض إمكانات نموه بما يصل إلى النصف، حسبما أوضحت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
كذلك، يعد إنتاج البترول والغاز، وهما شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد الروسي، أقل بنحو 3% مما كان عليه قبل الغزو وقد ينخفض أكثر بمجرد دخول الحظر الأوروبي حيز التنفيذ في مطلع العام الجديد.
في الأشهر الستة الأولى من الحرب، فر ما يتراوح بين 250 _ 500 ألف روسي من البلاد، وكان كثيراً منهم من فئة المتعلمين تعليماً عالياً ويحصلون على أجور جيدة، حسبما يعتقد ليام بيتش، من الشركة الاستشارية “كابيتال إيكونوميكس”.
في الوقت نفسه، وجه قرار بوتين الأخير بشن تعبئة جزئية ضربة اقتصادية أخرى، اذ أثار تدافعاً صغيراً بعيداً عن البنوك وسط شعور الناس بالقلق مرة أخرى بشأن مستقبل البلاد.
وتشير تقديرات “ذا إيكونوميست” إلى أن الروس سحبوا ما قيمته 14 مليار دولار من ودائع الروبل في شهر سبتمبر، أي ما يقرب من ثُلث الودائع في فبراير، وربما فر 300 ألف روسي آخر أو نحو ذلك.
يذكر أن مزيد من الانخفاض في القوة العاملة يؤدي إلى تفاقم النقص، وبالتالي تفاقم التضخم، علماً بأن معدل التضخم الرئيسي انخفض بشكل حاد عن ذروته، لكن ضغط الأسعار في قطاع الخدمات كثيفة العمالة يزداد سوءاً.
ورغم هذه المشاكل، ربما وصل الركود الآن إلى نهايته.
شكوك في الأداء الاقتصادي
تقول “ذا إيكونوميست” إن الكثيرين تنتابهم شكوك في بيانات الناتج المحلي الإجمالي الرسمية، لكن من الممكن الحصول على إحساس بالنشاط من مجموعة من المصادر.
ينتج بنك “جولدمان ساكس” “مؤشر النشاط الحالي”، والذي يتتبع أداء الاقتصادات شهراً بعد شهر.
كذلك، تشير البيانات إلى أن النشاط الروسي أكثر حيوية مما هو عليه في الدول الأوروبية الكبيرة الأخرى، كما اهتز مقياس الإنفاق التابع لـ “سبيربنك”، وهو بنك آخر، في أعقاب مرسوم التعبئة الجزئية الذي أعلنته البلاد لاستكمال تحقيق أهداف العملية العسكرية الخاصة، لكنه ارتفع منذ ذلك الحين.
وانتعش أيضاً الإنتاج في صناعة السيارات، الذي كان قد انخفض عملياً قبل بضعة أشهر إلى الصفر، الأمر الذي يشير إلى أن المنتجين حصلوا على إمدادات من خارج الغرب.
من حيث القيمة الدولارية، من شبه المؤكد أن الواردات الشهرية من السلع الروسية تتجاوز الآن متوسط العام الماضي.
في توقعاته الأخيرة، رفع صندوق النقد الدولي آفاق النمو الخاصة بالاقتصاد الروسي في عام 2022.
توقع صندوق النقد الدولي في أبريل أن الناتج المحلي الإجمالي الروسي سينخفض بنسبة 8.5%، لكنه توقع الآن انخفاضاً بنسبة 3.4%، وهذا ليس أمراً يدعو للشماتة، بل إنه يمكن التحكم فيه.
في الواقع، تشير البيانات إلى أن روسيا ستكون قادرة على الحفاظ على إنفاقها العسكري، كما أن الحكومة الروسية طرحت في سبتمبر مشروع ميزانية 2023-25.
تعليقاً على الأمر، قالت إيلينا ريباكوفا، من معهد التمويل الدولي، وهو مجموعة صناعية، إن هذا يعني ضمناً زيادات كبيرة في الإنفاق المرتبط بالحرب في الأعوام المقبلة، لا سيما على “الأمن” الداخلي.
بعد أن تجنب الانهيار الاقتصادي، يتوقع بوتين أن يتضاعف، سواء في الخارج أو في الداخل.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن فائض الحساب الجاري في روسيا نما بقدر أقل من التوقعات، في أحدث مؤشر على أن مصدراً مهماً للعملة الأجنبية للحكومة يتعرض لضغوط في ظل تصاعد حرب أوكرانيا، حيث بلغ فائض الحساب الجاري، وهو الفارق بين الصادرات والواردات، نحو 51.9 مليار دولار في الربع الثالث، انخفاضاً من مستوى قياسي بلغ 76.7 مليار دولار في الربع الثاني، بحسب أحدث بيانات البنك المركزي الروسي.