التدفقات المباشرة في واشنطن تخلفت عن بكين قبل عامين.. لكنها لن تسمح بتكرار ذلك
خلال معظم سنوات القرن الـ21، كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي البطل بلا منازع لجذب الاستثمار الأجنبي.
فرغم الركود الكبير وموجة الخلل السياسي، استمرت الشركات متعددة الجنسيات حول العالم في ضخ الأموال في أكبر اقتصاد بالعالم، وهو التدفق الذي تضخم إلى مستوى قياسي بلغ 468 مليار دولار عام 2015.
لكن في عام 2020 الذي شهد تفشي وباء كوفيد، فقدت الولايات المتحدة هذا التاج تقريباً، وفقًا لبيانات جمعتها الأمم المتحدة.
الصين التي كانت تتقدم ببطء على منافسيها الأمريكيين، كانت على بعد 2 مليار دولار من احتلالها المرتبة الأولى، ما أثار قلقاً في الولايات المتحدة حول ما إذا كانت القوة الآسيوية سريعة النمو والصاعدة ستحل محل منافستها الجيوسياسية بشكل دائم، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
يقول الرئيس التنفيذي لشركة استشارات الأعمال الدولية “بي.إس.دي جلوبال”، باتريك داين : “لقد تسبب ذلك حقاً في مشكلات تنافسية ضخمة للولايات المتحدة”، مضيفاً أن صعود الصين أثار “ضغوطاً سياسية” لعكس هذا الاتجاه.
العام الماضي، وسط معاناة الصين من أجل الحفاظ على استراتيجيتها “صفر كوفيد”، عادت الولايات المتحدة بسهولة للاستحواذ على القمة، إذ قفزت التدفقات الأجنبية الوافدة إلى 367 مليار دولار، وهو أكثر من ضعف الـ181 مليار دولار التي استقبلها الاقتصاد الصيني.
ويأتي عام 2022 ليكون عاما آخر بارزا، مع ما لا يقل عن 12 “مشروع عملاق”، باستثمارات لا تقل قيمتها عن 1 مليار دولار، أعلن عنها مستثمرون أجانب في الولايات المتحدة، بإجمالي 34.9 مليار دولار من النفقات الرأسمالية، بحسب بيانات مزود المعلومات “إف.دي.أي ماركتس” المملوك من قبل “فاينانشيال تايمز” والذي يتتبع الاستثمار الأجنبي المباشر التأسيسي، أو الاستثمارات عبر الحدود التي تخلق وظائف ومرافق جديدة.
تقول رئيسة تحالف الأعمال العالمي،نانسي ماكليرنون، وهو اتحاد تجاري يمثل أكبر الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات بالولايات المتحدة: “هناك بالتأكيد كثير من عدم اليقين حالياً في الولايات المتحدة، لكن عندما أتحدث إلى المديرين التنفيذيين في الشركات الأعضاء لدي، فإنهم يشعرون بالتفاؤل”.
ومع ذلك، أدت صدمة عام 2020 إلى مضاعفة العديد من المدن والولايات الأمريكية جهودها لجذب رأس المال الأجنبي، ولم تعد راضية بأن الحجم الهائل والديناميكية لاقتصاد البلاد كافيين لإقناع المديرين التنفيذيين في الخارج باختيار الولايات المتحدة لاستثمارهم القادم من الدولار.
وجه هذا التدافع التنافسي المتزايد على رأس المال الأجنبي كل من “فاينانشيال تايمز” و “نيكي”، وهما اثنان من المؤرخين الرائدين في العالم في مجال الاستثمار عبر الحدود، إلى تجميع التصنيف الافتتاحي للاستثمار في الولايات المتحدة، وهو حصيلة قائمة على البيانات لأفضل المدن في الولايات المتحدة للشركات الأجنبية للقيام بأعمال تجارية.
يذكر أن العديد من المقاييس التي استخدمتها “فاينانشيال تايمز” و “نيكي” لقياس المدن هي نفسها التي تنظر فيها شركة محلية لتحديد مكان الاستثمار، فعلى سبيل المثال، ظهرت قوة عاملة ماهرة في نحو ثلث إعلانات المشاريع الأمريكية من مستثمرين أجانب العام الماضي، وفقاً لـ “إف.دي.أي ماركتس”.
يقول تيم إنجل، المدير المالي لشركة “تويوتا نورث أمريكا”: “كل موقع ندفع مقابله، نريد أن نتأكد من نجاحه، والنجاح يبدأ بالقوة العاملة”.
وكانت شركة “تويوتا نورث أمريكا” نقلت مقرها الرئيسي في الولايات المتحدة إلى منطقة دالاس عام 2017، ووضعت في عام 2022 حجر الأساس لمصنع بطاريات بقيمة 1.3 مليار دولار بالقرب من جرينسبورو بولاية نورث كارولينا – وهو استثمار تم استكماله بمبلغ 2.5 مليار دولار إضافي أعلن في أغسطس.
ودرست “فاينانشيال تايمز” و “نيكي” أيضاً سمات من شأنها جذب المستثمرين الأجانب على وجه التحديد، مثل عدد الرحلات الدولية التي تغادر من المطارات القريبة وإلى أي مدى تساعد سلطات التنمية الاقتصادية المحلية الشركات في الحصول على متطلبات مثل التأشيرات بمجرد إنشاء متجر؟ وكم عدد المواطنين المولودين في الخارج الذين يعيشون في المنطقة؟
وحصلت أفضل 20 مدينة في تصنيف “فاينانشيال تايمز” و “نيكي” على نحو ثلث جميع مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة التي أعلن عنها في الولايات المتحدة العام الماضي.
تشير البيانات إلى أن ميامي، وهي المدينة الفائزة، كانت بوابة لأمريكا اللاتينية لمدة نصف قرن وحصلت على أكثر من 70 مشروع جديد من المنطقة في العقد الماضي.
حصلت مدن أخرى على مرتبة جيدة بشكل مدهش رغم عدم فوزها بمشاريع بارزة، مثل جاكسونفيل وبيتسبرغ وكانساس سيتي، لأنها أوجدت بيئة أعمال يمكن للشركات الأجنبية أن تزدهر فيها.
كذلك، أصبحت المدن الأمريكية الأصغر الأخرى أهدافا للمستثمرين الأجانب بسبب انخفاض تكلفة المعيشة، بما في ذلك انخفاض الضرائب والإيجارات الرخيصة.