تثير الحرب الروسية المستمرة فى أوكرانيا وضعا “شديد الصعوبة للغاية” فى أوروبا، الذى يختبر تضامن دولها ليس فقط فى كيفية رد فعلهم على عدوان فلاديمير بوتين، بل أيضاً فى كيفية تعاملهم مع تداعيات هذا العدوان.
وانتشرت آثار الصراع على الطاقة فى جميع أنحاء أوروبا، حيث سعت ألمانيا لتعزيز مخزونها من الغاز الطبيعى، وشجع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الناس على خفض استخدامهم للغاز بنسبة 10% قبل فصل الشتاء، وتتطلع إيطاليا لتقليص استهلاك الغاز بنسبة 7%.
وقال باولو جنتيلونى، مفوض الاقتصاد فى الاتحاد الأوروبى، فى حوار مع شبكة “سى إن بى سى” الإخبارية الأمريكية فى 12 أكتوبر: “لم نختبر مثل هذه التجربة الصعبة من قبل”.
وأضاف جنتيلونى: “أنا أدعو إلى تحرك أوروبى وتضامن أوروبى، لأن التجربة التى مررنا بها فى الأزمة السابقة كانت تتعلق بالعمل معاً، والاستجابة معاً، ولا يمكنك فقط تجنب الانقسامات بين الدول الأوروبية بل لديك قوة رد فعل”، فى إشارة منه إلى رد الفعل المتخذ تجاه اللقاحات المضادة لوباء كورونا فى عام 2021.
وأشار جنتيلونى أيضاً إلى “أداة مشتركة” يمكن استخدامها عبر الاتحاد الأوروبى لمساعدة الدول الأعضاء على مواجهة أزمة الطاقة، قائلاً “أنا لا أطالب بمزيد من الديون المشتركة، لأن لدينا ديون مشتركة كبيرة لما نسميه الجيل القادم من الاتحاد الأوروبى، بل إننى أدعو إلى أداة مشتركة قائمة على القروض لمواجهة حالة الطوارئ التى لدينا”.
ومع ذلك، بدأت الانقسامات تظهر فى كيفية تعامل الدول مع أزمة الطاقة، فعلى سبيل المثال، تأتى بولندا وبلجيكا وإيطاليا واليونان ضمن الدول التى تقترح “ممر أسعار” للغاز عبر أوروبا فى محاولة لمعالجة الأسعار المرتفعة.
ويجب أن يكون ممر أسعار الغاز “بمثابة قاطع للتدفقات ومثبط للمضاربة”، ولا يقصد بذلك قمع الأسعار عند مستوى منخفض بشكل مصطنع، وفقاً لمسودة اقتراح، لكن يُعتقد أن دولاً أخرى، مثل ألمانيا، تعارض الخطة بسبب مخاوف من أن تحديد الأسعار قد يكون له آثار سلبية على أمن الطاقة.
وفى غضون ذلك، وضعت ألمانيا بالفعل أحكاماً مع اقتراب فصل الشتاء، حيث أعلن المستشار أولاف شولز عن حزمة بقيمة 200 مليار يورو “أى ما يعادل 193 مليار دولار” لدعم الاستهلاك الأساسى للأسر والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم فى 30 سبتمبر.
لكن عمل ألمانيا بشكل مستقل عن المجتمع الأوروبى الأوسع أثار تساؤلات حول التزام البلاد باستجابة موحدة لأزمة الطاقة، مع إثارة مخاوف بشأن أن الحزمة قد يكون لها تأثير سلبى على جيران البلاد.
وعندما سُئل عما إذا كان يتعين على ألمانيا الالتزام بعدم شراء الطاقة قبل الدول الأوروبية الأخرى، قال جنتيلونى إن ذلك سيكون “خطوة جيدة للغاية”.
وأضاف: “أود أن أقول ليس فقط لألمانيا، بل أيضاً لإيطاليا، وللدول الأخرى التى يمكن فهمها بمفردها فى البحث عن مصادر للطاقة، وبدائل للوقود الأحفورى الروسى”، مؤكداً “أنا لا أنتقد ألمانيا، لكننى أطلب شيئاً أكثر من الاتحاد الأوروبى”.
وكان الآخرون أكثر صراحة فى رفضهم لدور ألمانيا فى أزمة الطاقة فى أوروبا، بما فى ذلك رئيس الوزراء البولندى ماتيوز مورافيكى، الذى قال “هذه هى مشكلتنا الجماعية، ولا يمكن أن يكون الأمر كذلك، أى لا يمكن أن يسهم بلداً واحداً، وهو الأغنى والأكثر تطوراً فى أوروبا مثل ألمانيا، فى منع كل ما يحدث الآن”.
وأفاد مورافيكى فى مقابلة مع شبكة “سى إن بى سى” فى 6 أكتوبر: “لا نريد أن نتلقى رعايتنا من قبل بعض الدول التى تتصرف بعد ذلك بطريقة مختلفة تماماً عما كان متوقعاً لها من قبل”.
واتبعت ماجدالينا رزيكوفسكا، وزيرة المالية البولندية، نهجاً أكثر توازناً، قائلة إنه بينما يتعين على أوروبا أن تحاول “إيجاد حلول مشتركة للجميع” والتى لن “تزعج ساحة اللعب المتكافئة فى أوروبا”، يمكنها أن تفهم لماذا قد تطرح الدول المقترحات الخاصة.
وأوضحت رزيكوفسكا لمراسل “سى إن بى سى”، جيف كاتمور، فى الاجتماعات السنوية لعام 2022 لصندوق النقد الدولى ومجموعة البنك الدولى فى واشنطن العاصمة: “مناقشات الطاقة تستغرق وقتاً طويلاً”.
وأضافت: “تنفذ بولندا أيضاً برامجنا الخاصة، وحلولنا الخاصة، لأننا لا نستطيع الانتظار، لكن ما زال يتعين علينا أن نكون أقوياء، وأن يكون لدينا نهج منسق”.
وقال رئيس مجموعة اليورو، باسكال دونوهو، إنه يمكنه أيضاً فهم سبب قيام الدول بتقديم سياساتها الخاصة بدلاً من انتظار نهج يحظى بموافقة على مستوى الاتحاد الأوروبى، حيث “تبحث كل حكومة فى الإجراءات الصحيحة لحكوماتها”.
وقال بيير أوليفييه جورينشاس، كبير الاقتصاديين فى صندوق النقد الدولى، إنه غير قادر على التعليق على ما إذا كانت خطة ألمانيا ستنجح أم لا، “ليس لدينا تفاصيل حتى الآن”.
