تلعب مراكز الابتكار الرقمية في عالم ما بعد الجائحة دوراً محورياً في تمكين المرونة داخل المؤسسات.
ووفقاً لتقرير نبض الصناعة الصادر مؤخراً من شركة إرنست ويونغ العالمية، تأتي مراكز الابتكار الرقمية على رأس القيادة التكنولوجية والكفاءة التشغيلية للشركات الأم.
ومنذ أن دخل العالم إلى قضية المناخ ودعوات حماية كوكب الأرض، والتي تم تعزيزها خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ “COP27” الذى استضافته مصر هذا العام، ما جعل من مفهوم “الاستدامة” محركًا تجاريًا رئيسيًا لكبري الشركات العالمية والتي تشهد دفعة قوية من قبل مختلف المستهلكين يحثون فيها الشركات العالمية على الإبلاغ عن مساعى وبرامج الاستدامة الخاصة بها.
وتتطلع الشركات العالمية حالياً إلى تسريع وتيرة تبنى التكنولوجيا من خلال مراكز الابتكار العالمية، وهو ما يساعد تلك الشركات في عملية دفع أجندات الاستدامة الخاصة بها، في ظل التوجه الرقمي الالزامي والمتمحور حول قضية الاستدامة ودعوات حماية كوكب الأرض. وتحقيقاً لهذه الغاية، طورت المؤسسات العالمية من مراكز الابتكار وجعلتها عنصراً أساسياً لدفع عجلة التغير والتأثير.
وتتطور أهمية تلك المراكز لتوفر فرص ومنافع تتجاوز التكلفة الباهظة حيث إنها تلعب الآن دورًا حيوياً في قيادة أهداف الاستدامة للشركات الأم.
وتعمل تلك المراكز مدعومة بالبنية التحتية التقنية اللازمة والكفاءة الوظيفية من ذوي الخبرة في تعزيز تكنولوجيا المعلومات، فهي تركز على تحسين سير العمليات اليومية والأعمال بصورة مميكنة لضمان حصول العملاء على أفضل تجربة ممكنة.
ويرجع نجاح مراكز الابتكار على تكامل عنصرين رئيسيين وهما: الموهبة والتكنولوجيا من جانب، وسلاسة عمليات التشغيل من جانب آخر. وتركز الشركات العالمية الآن جهودها على إيجاد الكوادر البشرية المتميزة والموظفين الأكفاء، بهدف خلق وتطوير قوة عاملة ماهرة قادرة على تقديم أنشطة ذات قيمة عالية تعزز من المرونة وتعكس النظرة المستقبلية لتطور الأعمال ومعيار جديد للوضع الحالى.
مصر تستعد للنمو فى الفترات المقبلة
في اعتقادي أن مصر سوقًا مثاليًا لمراكز الابتكار التكنولوجي ومثلها دولة الهند إلى حد كبير وذلك لأنها تقع في مفترق طرق بين إفريقيا وآسيا وأوروبا مما يجعلها حلقة اتصال مركزية مثالية للأنشطة التجارية. ووفقًا لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات في مصر (إيتيدا)، تعد مصر موطنًا لأكبر تجمع للمواهب الشابة متعددة اللغات في الشرق الأوسط وثاني أكبر مجموعة في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا. وفي كل عام، ينضم أكثر من 600 ألف خريج إلى القوى العاملة – يتحدث 80 % من السكان العاملين اللغة الإنجليزية واللغات الأوروبية الأخرى مقارنة بنسبة 20-65 % في البلدان الخارجية الرائدة الأخرى.
وتشهد مصر حالياً زيادة في جاذبيتها للمستثمرين منذ أن أطلقت الحكومة خطة حوافز جديدة للاستثمارات الأجنبية مع الأخذ في الاعتبار استراتيجية مصر الرقمية للصناعة الخارجية 2022-2026. وتقوم هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات بتدريب نحو 162 ألف متدرب من خلال مبادراتها لتعزيز قدرات السوق المصري في جذب المزيد من مراكز الخدمات المشتركة والخارجية.
بالإضافة الى ذلك، تعد مصر موطنًا للشركات الرائدة في العالم التي تقدم خدمات ITO وBPO على مستوى العالم بحيث أصبحت واحدة من أهم الوجهات العالمية لخدمات تكنولوجيا المعلومات والخدمات المصاحبة لها. ويعمل المشهد الجيو-سياسي الحالي لصالح الدولة مٌوجهاً المستثمرين ومقدمى الخدمات حول العالم بسلاسة نحو مصر وبذلك تبرز الدولة كوجهة مثالية للخارج ومركزًا عالميًا لتقديم الخدمات الرقمية لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا.
ونظراً لأن الهدف الأساسي من مراكز الابتكار هو تقديم منظور جديد وحلول فريدة للأعمال التجارية، فإن استقدام قوة عاملة متنوعة يلعب دورًا حاسمًا في إنجاح التشغيل الوظيفي. وإدراكًا منا للإمكانات المتميزة التي تتمتع بها مصر، بدأت الشركات العالمية تدريجياً في الاستفادة من مجموعة المواهب المتنوعة في مصر والاستفادة أيضاً من نماذج وخطط العمل المقدمة والتي سرعان ما جعلت من مصر قاعدة مركزية لتلك المراكز.
وتماشياً مع الاتجاه الحالي لمراكز الابتكار، تسعى مصر إلى تعزيز نظام بيئي يشجع ريادة الأعمال ويحفز الإبداع في إطار رؤيتها الرقمية. وتعمل جميع الإدارات العامة بصورة منفتحة للشراكة مع القطاع الخاص لدعم وتشجيع عمليات البحث والتطوير والابتكار وريادة الأعمال في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لدفع نمو القطاع ودعم التنمية الوطنية المستدامة ووضع الدولة كمركز إقليمي للابتكار.
وإذا تم اعتماد التحول الرقمي بشكل مناسب وصحيح، يمكنه أن يحدث توازنا استراتيجيا يؤدي ليس فقط إلى الوصول الرقمي ولكن إلى العدالة الرقمية “وهي الأهم”. وعلى الرغم من إحراز مصر تقدما واضحا في هذا النهج، لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به حتى يستفيد جموع المجتمع فى مصر من وجهة النظر الرقمية والتكنولوجية، والتي يمكن أن تساعد في تغيير حياة وسبل عيش العديد من المصريين.
بقلم: أحمد الشريف – رئيس شبكة المشرق العالمية بمصر ونائب رئيس بنك المشرق