يبدو أن الاتحاد الأوروبي على وشك قطع العلاقات بشكل فعال، مع أكبر مورد خارجي للديزل، عندما تبدأ العقوبات المفروضة على واردات الوقود المكرر القادم من روسيا في السريان ، أوائل الشهر المقبل.
هذه الخطوة، التي سيتم تنسيقها مع سقف الأسعار العالمي المدعوم من مجموعة السبع على مبيعات الوقود المكرر في روسيا اعتباراً من 5 فبراير، والتي تأتي على غرار الإجراءات المطبقة بالفعل على البترول الخام منذ ديسمبر، ربما تثير جولة جديدة من الاضطرابات في أسواق البترول العالمية.
أوضحت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن إمدادات الديزل شحيحة بالفعل، ما يسهم في ارتفاع أسعار البنزين داخل محطات الوقود في مناطق عدة.
تأتي الدول الأوروبية ضمن أكبر مستخدمي الديزل في العالم مقارنة بأنواع وقود السيارات الأخرى، علماً بأن روسيا كانت المصدر الرئيسي للواردات طوال عقود زمنية.
عن ذلك، قال المحلل في “أوراسيا جروب”، هينينج جلويستين : “أي نقص في صادرات المنتجات الروسية قد يتزامن مع ارتفاع الطلب في الصين، مما يزيد من تشديد الأسواق ويزيد احتمالية ارتفاع الأسعار الذي يجدد الضغط التضخمي”.
لكن صناعة البترول منقسمة بشدة حول ما إذا كانت الإجراءات ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار وربما حتى النقص؟ إذ يعتقد كثيرون أن القطاع الذي اعتاد على تقلب التدفقات التجارية، بسبب الأوبئة أو العقوبات أو الحرب، يمكن أن يتكيف سريعاً.
يمكن للارتفاع المتجدد في أسعار البترول، أن يعوض بعض الفوائد التي يجنيها الاقتصاد العالمي من انخفاض أسعار الغاز الطبيعي، ويمزق الآمال ببلوغ أسعار الوقود ذروتها مع اقتراب الغزو الروسي على أوكرانيا من ذكراه السنوية الأولى.
كان سوق البترول بالفعل غير مستقر في الأسابيع الأخيرة، حيث بدأت أسعار خام برنت العام بمستوى ضعيف بعد أن انخفضت من 85 دولارا للبرميل إلى ما يزيد قليلاً عن 77 دولارا في أول جلستي تداول خلال العام الجديد.
لكن منذ ذلك الحين، تحولت أسعار البترول واستعادت كل تلك الخسائر وأكثر ، ليتم تداولها فوق 87 دولارا للبرميل نهاية الأسبوع الماضي.
يعتقد خورخي ليون، من شركة الاستشارات “ريستاد إنرجي”، أن الأسواق محقة في أن تكون متوترة، لكنه واثق بشكل معقول من أن العقوبات ستنجح على النحو المنشود من خلال الإضرار بالاقتصاد الروسي، بدلاً من أن تأتي بنتائج عكسية على الاقتصادات الغربية.
وأوضح أن “الأسعار ستتأثر لكنها لن تغير قواعد اللعبة”، مشيراً إلى أن “المشترين الأوروبيين يخزنون الديزل بعدة طرق من بينها زيادة الواردات من روسيا في الأشهر القليلة الماضية .. لذلك نحن نبدأ هذه الصدمة المحتملة للنظام في وضع جيد بشكل معقول”.
زادت الصادرات الروسية من الديزل ووقود الطائرات إلى أوروبا بأكثر من 25% في الربع الرابع من العام الماضي مقارنة بالربع السابق، وفق بيانات تتبع السفن.
قال محللون في “ريدبرن” إن مخزونات الديزل في منطقة أنتويرب وروتردام وأمستردام الرئيسية عادت إلى أعلى مستوى لها منذ أكتوبر 2021.
لكن بنديكت جورج، المتخصص في تسعير المنتجات المكررة في “أرجوس”، قال إنه لا يزال يتوقع ارتفاع أسعار الديزل بمجرد تطبيق الحظر.
وأضاف جورج أن “الاستيراد من مصادر غير روسية يعني التنافس مع مشترين آخرين أقرب من الناحية المادية إلى المصدر، مثل أمريكا اللاتينية في حالة الديزل الأمريكي، أو سنغافورة في حالة الديزل الهندي”.
ستعتمد أوروبا بشكل كبير على مصافي التكرير الجديدة واسعة النطاق في الهند والشرق الأوسط، فضلاً عن زيادة الصادرات من الصين لتحل محل الإمدادات الروسية.
تمكنت شحنة صينية من إيجاد طريقها بالفعل إلى لاتفيا، ما يدل على استعداد حتى أقرب جيران روسيا جغرافياً لبدء تأمين بدائل من الشواطئ البعيدة.
مع ذلك، قال ليون إنه رغم المخاوف، فإن روسيا لديها الكثير لتخشاه أكثر من غيرها.
فقد سمحت الجولة السابقة من عقوبات الاتحاد الأوروبي وسقوف الأسعار التي استهدفت مبيعات الخام الروسي في ديسمبر للمشترين الآسيويين، بالمطالبة بخصومات كبيرة على بترولهم، وهذا نمط يُتوقع تكراره مع الوقود المكرر.
قال ليون: “أظن أن الصين والهند ستطلبان تخفيضات أكبر، ربما تصل إلى 60%”، مشيراً إلى أن نقل الديزل لمسافات طويلة يعتبر أكثر تعقيداً من نقل البترول الخام.
تميل ناقلات المنتجات المكررة إلى أن تكون أصغر حجماً ومصممة للطرق قصيرة المدى، في حين أن البراميل الروسية التي كانت متجهة إلى أسواق عالية المواصفات في أوروبا ستتنافس على الأرجح مع محركات الديزل عالية الكبريت الأرخص سعراً في أسواق مثل غرب أفريقيا وآسيا.
يمكن أن ترتفع صادرات البترول الخام من روسيا في الواقع خلال الأسابيع المقبلة، إذا كانت البلاد تكافح للعثور على مشترين جدد للديزل، مما يتركهم يرسلون الخام غير المكرر بدلاً من ذلك.
بالنسبة لبعض التجار ومصافي التكرير، هذا الأمر قد يمثل فرصة للمراهنة على ارتفاع هوامش الديزل إذا انخفضت أسعار المدخلات الخام تحت وطأة الإمدادات المتزايدة، في وقت يعتبر فيه الديزل مدعوم بخفض الإمدادات.
إذا انخفضت صادرات الديزل الروسية بحدة، فقد تقيد الصين صادراتها من الوقود لعزل اقتصادها عن التأثير، إذ ستعمل على سحب البراميل من السوق التي كان المشترون الأوروبيون يأملون أن تساعد في استبدال الإمدادات الروسية.
لا شك أن الصناعة حذرة من التقلبات المتجددة في سوق البترول رغم أن النتيجة لا تزال غير مؤكدة.