“لقد بدأ عصر تركيا، وفتحت أبواب النمو لبلادنا”، هذا ما قاله الرئيس رجب طيب أردوغان، في حفل تنصيبه بعد فوزه في الانتخابات، الشهر الماضى.
ولعل تعديل حكومته في عطلة نهاية الأسبوع لجلب مزيد من المسئولين التكنوقراط قد يطلق العنان لإمكانات تركيا الاقتصادية على المدى الطويل، فسنوات من السياسات غير التقليدية للرجل القوى أضرت بالليرة التركية وقادت التضخم إلى أعلى مستوياته في 24 عامًا عند 85.5% العام الماضي.
والأمل هو أن يكون اتجاه أردوغان نحو تعديل نهجه، لكن القلق أن يكون التغيير هامشياً فقط.
وفى خطوة مفاجئة، عين أردوغان، محمد شيمشيك الذى يحظى باحترام واسع، وزيرًا للمالية والخزانة، وكان شيمشيك، وزيرًا سابقاً للمالية تحت حكم أردوغان، وقبل ذلك كان كبير استراتيجى السندات، فى بنك “ميريل لينش”، وتعهد بالعودة للسياسات الاقتصادية الرشيدة.
وعُين جودت يلماز، وزير التخطيط السابق المرموق، نائباً للرئيس، ولكن مدى تأثيرهما فى السياسات الاقتصادية ما زال تحت الاختبار، لكن أردوغان لديه سوابق فى التراجع عن قراراته بعد تقديم مبادرات ترضى السوق.
فتركيا بحاجة ماسة إلى الابتعاد عن أجندة أردوغان التى تغيب عنها المعرفة الاقتصادية، والتي يطلق عليها اسم “أردوغانوميكس”، إذ أقال الرئيس ثلاثة محافظين للبنك المركزى، في أقل من أربعة أعوام، بدافع من اعتقاده بأن أسعار الفائدة المنخفضة ستقلل من التضخم المرتفع في البلاد.
ومحصلة لذلك انخفضت المعدلات من 19% إلى 8.5% فى غضون عامين، وفاقمت المنح الكبيرة التي تم تقديمها قبل الانتخابات، المشكلة.
لذا انخفضت الليرة 67% مقابل الدولار في الأعوام الثلاثة الماضية، واستُنزفت احتياطيات العملات الأجنبية لحمايتها، وفُرضت قيود على استخدام العملات الأجنبية، بالتوازى مع وضع خطة تحمي ودائع الليرة من تخفيض قيمة العملة لوقف الدولرة.
ورغم ذلك ظل الاقتصاد واقفاً على قدميه بأعجوبة، ففى العام الماضى، نما الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى 5.6%، فى ظل الدعم المالى السخى، بما في ذلك توزيع الغاز الطبيعي بالمجان، الشهر الماضى، والذى أخفى بعض الألم.
لكن الفائدة المنخفضة لها عواقب غير مخطط لها، فقد تؤدي توقعات التضخم المرتفعة إلى زيادة العوائد التي يطالب بها بعض المقرضين على القروض، كما أن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر، إذ إن الاحتياطيات الأجنبية تنضب بسرعة، وتكلفة المعيشة باتت لا تطاق بالنسبة للفقراء، والضغوط المالية ستزيد.
ويحتاج أردوغان إلى تخفيف قبضته على السياسة الاقتصادية، وأن يترك البنك المركزي يعمل بشكل مستقل، وأن يترك له حرية رفع أسعار الفائدة لكبح التضخم بشكل مستدام، ولعل استبدال محافظ البنك المركزى المطيع الحالى بخبير اقتصادى محترم، أول خطوة ضرورية.
وسيساعد رفع قيود استخدام النقد الأجنبى، ونظام تعويض الودائع المقومة بالليرة، على بناء مصداقية اقتصادية أيضًا.
وأيضًا، يحتاج شيمشك إلى التحرك بحرية فى تنفيذ الإصلاحات، بما في ذلك خفض العجز الضخم في الحساب الجارى لتركيا، وجذب الاستثمار الأجنبى، وبالتالى بناء الاحتياطيات الأجنبية.
ويجب مراعاة أنه مع التضخم المرتفع للغاية، فإن الإدارة المالية الحكيمة أمر جوهرى.
لن يكون عكس المسار خاليًا من الألم، فيجب رفع الفائدة بشكل حاد، وهو ما يضر المقترضين، والنمو.
وقد يؤدي تخفيف التدخل فى سعر الصرف الأجنبى، والسماح في نهاية المطاف بتعويم الليرة بحرية أكبر إلى مزيد من الانخفاض على المدى القصير.
في الواقع ، يعتقد بعض المحللين أن خطايا أردوغان تعني أن الليرة لا تزال مبالغاً فى قيمتها، ومع مرور الوقت، سيساعد خفضها على استعادة قدرتها التنافسية التصديرية، ويجب الأخذ فى الحسبان أن الإصلاحات الأوسع نطاقاً سوف تستغرق سنوات حتى تجنى ثمارها.
يضع أردوغان نصب عينيه الانتخابات البلدية في العام المقبل، ويأمل أن يستعيد حزبه رئاسة بلدية إسطنبول المؤثرة.
ربما جعل شيمشك عودته مشروطة بتحول الرئيس نحو سياسة اقتصادية أكثر تقليدية، لكن غرائز أردوغان الشعبوية والسلطوية قد تكون ازدادت قوة بانتخابه الأخير.
ولعل تحرير اقتصاد تركيا البالغ حجمه 900 مليار دولار، سيتطلب صبر الرئيس واستعداده لتقليل قبضته على السياسة، ودون ذلك من حقه أن يدع أن أبواب النمو قد فُتحت في تركيا، لكنه ما زال قابضاً يديه على المفتاح.
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»








