أسعار الفائدة مرجحة للارتفاع وسط زيادة معدلات التضخم
بعض المستثمرين يخشون ركودا طويل الأمد لاقتصاد البلاد
يعاني اقتصاد المملكة المتحدة من نوبة خطيرة من الركود التضخمي ويبدو أن الآفاق سيئة. هذا هو الاستنتاج الذي توصلت إليه أسواق المال مؤخرًا من مزيد من البيانات المخيبة للآمال، التي سلطت الضوء على ضعف اقتصاد ما بعد “كوفيد” واستمرار معدلات التضخم المرتفعة.
لا يشعر أحد تقريبًا بالرضا عن الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد، خصوصاً وسط غياب النمو في الناتج منذ يوليو الماضي وتكثيف الضغوط التضخمية مع زيادات نمو الأجور.
أطلق محافظ بنك إنجلترا، أندرو بايلى، مراجعة لأدائه بعد قبول فكرة أن التضخم “يستغرق وقتًا أطول بكثير من المتوقع” حتى يتراجع.
تجنب المتداولون في الأسواق المالية ديون الحكومة البريطانية، مما أدى إلى تجاوز تكاليف الاقتراض لأجل عامين للمستويات التي وصلت إليها في أسوأ لحظات فترة تولي ليز تراس منصب رئيسة الوزراء.
كما أن الأسر، التي تواجه متوسط أجر حقيقي ليس أعلى مما كان عليه في 2005 وتكاليف الرهن العقاري المرتفعة، لم تلقى إلا القليل من المواساة من الوزراء الذين أخبروهم بأن الاقتصاد قد تجنب الركود.
هذا كله يحدث قبل الانتخابات العامة المنتظرة العام المقبل، حسبما نقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
ويقول نيك ماكفيرسون، المسؤول الكبير السابق في وزارة الخزانة، إن “هذا يعني أن الحكومة ستواجه الناخبين في وقت ترتفع فيه أسعار الفائدة وتزداد فيه المعاناة الاقتصادية الضرورية للتخلص من التضخم”.
يذهب آدم بوسن، رئيس مؤسسة بيترسون البحثية في واشنطن، إلى أبعد من ذلك، قائلاً إنه “بالمقارنة مع الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، تعاني المملكة المتحدة مشكلات إضافية مترتبة على خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي وفقدان مصداقية الحوكمة الاقتصادية والعواقب الناتجة عن قلة الاستثمار في خدمات الصحة العامة والنقل”. أوضح بوسن أن “هذا ليس جيدًا”، مشيرًا إلى ما يقول إنه “علامات على أن التضخم سيظل مرتفعًا لفترة أطول في المملكة المتحدة مقارنة بمعظم الاقتصادات المتقدمة الأخرى على جانبي المحيط الأطلسي”.
وأضاف أن “اللغز بالنسبة لي لا يكمن في أن أداء الاقتصاد البريطاني أسوأ من منطقة اليورو أو الولايات المتحدة، لكن لماذا لا يكون أسوأ من ذلك، ولماذا يظل الجنيه الإسترليني قويًا كما هو”.
رفض وزير الخزانة البريطاني جيريمي هانت، هذا الكلام، ووصفه الأسبوع الماضي بأنه “متشائم”.
لكن في وقت لاحق من ذلك الأسبوع، أُجبر مرة أخرى على التطرق للضغوط التضخمية، قائلاً إن “الحكومة كانت على دراية بالألم الذي لحق بميزانيات الأسر، وإن أفضل ما يمكنه فعله هو دعم بنك إنجلترا للتغلب على التضخم”.
ربما يشعر المستشار أن لديه سببًا يجعله يشعر بالضيق من رد فعل السوق ووسائل الإعلام، حيث تظهر الصعوبات الاقتصادية التي واجهتها الولايات المتحدة ومنطقة اليورو مؤخرًا أن المملكة المتحدة ليست وحدها.
بعد تثبيت أسعار الفائدة بين 5% و5.25%، أعلن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جاي باول أن حكومته لم تستطع هزيمة التضخم الأمريكي، لأنه أشار إلى أن البنك المركزي سيحتاج إلى رفع أسعار الفائدة مرتين أخريين.
قال باول إن الاحتياطي الفيدرالي لا يزال بحاجة إلى رؤية “دليل موثوق على أن التضخم يبلغ أعلى مستوياته ثم يبدأ في الانخفاض”.
حذرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد من أن التضخم سيبقى “مرتفعًا للغاية لفترة طويلة جدًا” عبر منطقة اليورو التي رفعت أسعار الفائدة للمرة الثامنة على التوالي وقدمت توقعات جديدة تظهر تضخمًا أعلى ونموًا أبطأ مما كان متوقعًا في السابق.
وبالتالي ، فإن المشاكل الاقتصادية العامة مشتركة، لكن الأسواق المالية خصصت المملكة المتحدة لأن معظم الناس يعتقدون أن المشكلات أكثر صعوبة في المملكة المتحدة مقارنة بأي مكان آخر.
أظهرت بيانات الشهر الماضي ارتفاع التضخم الأساسي من 6.2% في مارس إلى 6.8% في أبريل، عكس أسعار الفائدة الأكثر استقرارًا في منطقة اليورو والولايات المتحدة.
كما أظهرت أرقام الأجور التي نُشرت مؤخرًا أن متوسط الدخل نما بوتيرة شبه قياسية بلغت 7.2% على أساس سنوي بين شهري فبراير وأبريل، وهذه الأرقام أقنعت المتداولين بأن بنك إنجلترا سيحتاج إلى تشديد الخناق أكثر لأن ارتفاع الأجور السريع لم يكن متوافقًا مع معدل التضخم المستهدف البالغ 2%.
تختلف وجهات النظر بشأن ما يجعل وضع المملكة المتحدة أسوأ، كما أن ردود فعل سوق المال أكبر من معظم الاقتصادات الأخرى عندا تتواجد الكثير من المشكلات المشتركة.
تقول إحدى النظريات “إنها عانت الأسوأ من بين الدول على جانبي الأطلسي”، فقد كان لدى البلاد نوع الطلب القوي الذي شوهد في الولايات المتحدة والذي أدى إلى نقص في اليد العاملة وسط تضررها أيضًا من ارتفاع أسعار الطاقة الذي واجهته بقية أوروبا جراء شن الحرب في أوكرانيا.
تعتقد أسواق المال والعديد من خبراء الاقتصاد أن الأمر سيستغرق أكثر من هذا لتفسير استمرار النمو السريع للأجور والتوقعات المتشائمة حتى مع بدء صدمة أسعار الطاقة في التبدد.
يقول الاقتصاديون، إن “رد فعل السوق الضخم على بيانات الأسبوع الماضي يرجع جزئيًا إلى الشكوك المتزايدة بشأن عملية تحديد الأجور وتعامل بنك إنجلترا مع التضخم والافتقار إلى استراتيجية حكومية مقنعة لتعزيز النمو والإنتاجية على المدى الطويل”.
اضطر بايلي للاعتراف، في شهادته الأخيرة أمام أعضاء البرلمان، بأن نماذج التنبؤ الخاصة ببنك إنجلترا كانت غير موفقة مؤخرًا، الأمر الذي أجبر أعضاء لجنة السياسة النقدية على “ارتكاب أخطاء” في تحديد أسعار الفائدة. تحت ضغوط لتفسير هذه الأخطاء، سارع بنك إنجلترا الأسبوع الماضي إلى الإعلان عن شروعه في مراجعة واسعة النطاق لعمليات التنبؤ التي يجريها، معترفًا بمخاوفه الكبيرة إزاء طريقة توصله إلى قرارات السياسة.
يقول سايمون فرينش، كبير الاقتصاديين لدى بنك الاستثمار “بانمور جوردون”: “نجح بنك إنجلترا في تلطيخ سمعته التي يستحقها عن جدارة لكفاءته في هذا المجال خلال الأرباع السنوية الأخيرة”.
يذكر أن إحدى المشكلات نشأت من بروتوكول بنك إنجلترا بشأن وضع التنبؤات على أساس سياسة الحكومة المعلنة، حسب قوله، في الأوقات التي كان من المقبول خلالها على نطاق واسع أن يفتقر موقف السياسة إلى المصداقية، وكان من المرجح أن تنفق الحكومة فيها بشكل أكثر أو أقل على الضرائب.
هناك مشكلتان أعمق، الأولى تتعلق بأن النمو السريع للأجور يشير إلى أن المواطنين يعتقدون أن التضخم سيبقى مرتفعًا لفترة أطول ويسعون للدفاع عن مصالحهم.
أما المشكلة الثانية، فرغم أن حكومة ريشي سوناك تمكنت من إعادة بناء مصداقيتها مع الأسواق بعد اضطرابات الخريف، إلا أنها لم تقنع المستثمرين بإمكانية إنقاذ الاقتصاد من حالة الركود طويلة الأمد.
أظهرت البيانات الحديثة أنه رغم تجنب المملكة المتحدة للركود حتى الآن، فإن الناتج ليس أعلى حاليًا مما كان عليه في أكتوبر 2019، فيما ظلت دخول الأسر ثابتة منذ عام 2005.
وفي ظل وجود عدد أكبر من الأشخاص على رأس العمل، قال جيمس سميث، مدير الأبحاث في مؤسسة “ريزوليوشن فاونديشين” البحثية، إن “هذا جعل معظم الاقتصاد ثابتًا وخفض الإنتاجية”.
لقد أكد هانت على التزام الحكومة بتعزيز الإنتاجية في كل من القطاعين العام والخاص لتجنب “فخ النمو المنخفض”.
لكن تقريرًا نشرته “ريزوليوشن فاونديشين” مؤخرًا عن التجارة أكد خطورة التحديات التي تواجهها المملكة المتحدة، مجادلاً بأن الأجزاء الأكثر إنتاجية في قطاع التصنيع في لسيكون مصيرها التدهور ما لم يتقبل الوزراء الحاجة لإعادة نظر جذرية في الترتيبات التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
قال خبراء اقتصاد لدى بنك “بي.إن.بي باريبا”، إن “واضعي أسعار الفائدة ربما كانوا قلقين سابقًا بشأن رفع أسعار الفائدة فوق 5% بسبب التأثير الضخم على مالكي المنازل، لكننا نرى الآن أن لجنة السياسة النقدية ستكون أكثر استعدادًا لاتخاذ قرار لا رجعة فيه”.
هناك اقتصاديون يرفضون الحجة القائلة إن المملكة المتحدة بطبيعتها أكثر تضخمية، ويعتقدون أن تراجع التضخم فيها مجرد حالة تأخير.