كانت كوريا الجنوبية دولة فقيرة متخلفة تتعافى من حرب مدمرة في الستينيات، وهي الآن تحتل المركز الـ12 من حيث أكبر اقتصاد في العالم، إذ يجني سكانها البالغ عددهم 52 مليون شخص ما معدله 35 ألف دولار سنويًا، وهذا يعادل تقريبًا دخل الإيطاليين وأكثر بكثير من الإيبيريين.
يحتل سوق الأسهم فيها المرتبة الـ16 على مستوى العالم برأسمال قدره 1.8 تريليون دولار، والسابع الأكثر ازدحامًا من حيث أحجام التداول اليومية.
صندوق النقد الدولي اعتبر كوريا الجنوبية اقتصادًا متقدمًا منذ عام 1997، ومن ثم فإن أي شخص ما يزال يصفها بأنها سوق ناشئة قد يبدو خاملاً خلال النصف قرن الماضي.
ومع ذلك، هذا ما كانت تقوم به “إم.إس.سي.أي”، وهي شركة تضع معايير السوق، منذ ثلاثة عقود، فكوريا الجنوبية كانت الدولة الـ13 التي تنضم إلى مؤشر الأسواق الناشئة، والذي يضم الآن 24 عضوًا.
ومنذ ذلك الحين هبط البعض، مثل كرواتيا والمغرب، إلى سلة “حدودية”، والبعض تحول إلى أسواق “قائمة بذاتها” مثل الأرجنتين، أو حتى تراجعت تمامًا مثل فنزويلا، فيما ارتقت الاقتصادات الأقل جاذبية من كوريا الجنوبية، مثل اليونان والبرتغال، إلى مؤشر “إم.إس.سي.أي” للسوق المتقدمة منذ أعوام، ما جعل كوريا الجنوبية تعتقد أنها تأخرت في الترقية.
أشارت الشركة الخاصة بالمؤشر منذ فترة طويلة إلى أن الاستثمار في الأصول الكورية الجنوبية غالبًا ما يكون تجربة مثيرة للقلق، فحقوق المساهمين هناك ضعيفة، كما أن هياكل الملكية معقدة، والفضائح المتكررة تكشف ثغرات الحكم، فيما تؤدي تدخلات الدولة إلى تشوه الأسواق.
وللتصدي لمثل هذه الهواجس، أعلنت الحكومة في يناير مجموعة من الإصلاحات الطموحة، فمن المقرر أن تصبح قواعد توزيع الأرباح قريبة من المعايير الغربية، وستُعدل إجراءات عمليات الاستحواذ والتوزيع لتوفير حماية أفضل لمساهمي الأقلية.
كما ستُلغى عملية التسجيل الشاقة للمستثمرين الأجانب بحلول نهاية العام مع مطالبة الشركات الكورية الجنوبية الكبيرة بإصدار الإيداعات باللغة الإنجليزية من ذلك الحين فصاعدًا، علماً بأنه من المقرر أن تتبعها الشركات الأصغر في 2026.
الأمر الأهم بالنسبة لـ”إم.إس.سي.أي” يتمثل في تعهد كوريا الجنوبية بفتح سوق الصرف الأجنبي لديها وتمديد ساعات عملها، الأمر الذي سيساعد في جعل عملة الوون أكثر قابلية للتداول دوليًا.
تهدف مثل هذه الإصلاحات إلى جعل الأسواق المالية في كوريا الجنوبية أكثر ديناميكية، وهو هدف يستحق في حد ذاته، لكن الحكومة تعتقد أن تضمين البلاد ضمن معيار النخبة الخاص بـ”إم.إس.سي.أي” يستحق أيضًا السعي لتحقيقه لأنه سيصاحبه تدفق هائل للأموال من المستثمرين الأجانب.
تنتمي حوالي 3.5 تريليون دولار من الأصول الخاضعة للإدارة المنتشرة حول العالم حاليًا إلى مؤشر “إم.إس.سي.أي” للسوق المتقدمة، وهو ما يقرب من ضعف الأموال التي تنتمي للمؤشر الخاص بالأسواق الناشئة، حسب بنك “جولدمان ساكس”.
يقدر المحللون أن الترويج قد يجذب رأس مال جديد يتراوح بين 46 مليار دولار إلى 56 مليار دولار تقريبًا إلى الأصول الكورية الجنوبية.
يمكن أن يساعد المضي قدمًا أيضًا في وضع حد تقييم الشركات الكورية الجنوبية المنخفض باستمرار مقارنة بالشركات الأجنبية ذات الأرباح والأصول المماثلة.
كان على المستثمرين التعامل مع سوء الإدارة وحقوق المساهمين، بجانب الخطر المزعج للصراع مع كوريا الشمالية، فقد تلقوا في كثير من الأحيان أرباحًا ضئيلة مقابل مشاكلهم، لكن يمكن أن تتبدد شكوك المستثمرين من خلال الإشارة إلى أن النظام أصبح أكثر ودية ومن خلال ترقية الدولة إلى مؤشر “إم.إس.سي.أي”.
المشكلة هي أن كوريا الجنوبية بلغت هذه المرحلة من قبل، فقد وصلت إلى قائمة المراقبة للأسواق الناشئة والمتقدمة التابعة لمؤشر “إم.إس.سي.أي” في عام 2009 ثم شُطبت في 2014 بعد أن ادعى مزود المؤشر أنه لم يرفع مستواها بشكل كافٍ.
ومنذ ذلك الحين، سعت العديد من الإدارات إلى الترقية لكنها فشلت في تنفيذ الإصلاحات المناسبة.
بعض النقاد يصفون المجموعة الأخيرة من التدابير بالفتور، فقد استبعدت البلاد بعض التغييرات المرغوبة من جانب مؤشر “إم.إس.سي.أي” مثل إزالة القيود المفروضة على الملكية الأجنبية في الصناعات الرئيسية وتخفيف القيود على البيع على المكشوف، بجانب استمرار النزوات السياسية في إثارة قلق المستثمرين.
لقد شهدت أسواق السندات العام الماضي أيامًا قليلة من الجمود بعد أن رفض حاكم إقليمي الوفاء بديون المنطقة.
وفي فبراير، أمر رئيس البلاد يون سوك يول هيئة مراقبة الأسواق بالاحتفاظ بغطاء على أرباح البنوك، لأنها “جزء من النظام العام”، لكن المستثمرون لم يشعروا بالرضا.
أشارت “إم.إس.سي.أي” بالفعل إلى أن هذا قد لا يكون عام كوريا الجنوبية، ففي 8 يونيو ألمحت الشركة إلى أنها ستنتظر حتى تنفيذ إصلاحات سوق رأس المال بالكامل وترى كيف يتفاعل المستثمرون معها قبل التفكير في إدراج البلاد ضمن مؤشرها المتميز.