مع عودة معدلات التضخم المرتفعة، بدأ الحديث حول التكلفة التى سيتكبدها الإنتاج لخفض التضخم، واستحضار ما كان واقعًا فى أوائل الثمانينيات. وتركز الجدال حول النسبة الواجب التضحية بها من الناتج القومى، مقارنة بما يجب أن يكون عليه للوصول للمستويات المستهدفة من التضخم، وحول ما إذا كان هبوط الاقتصاد سيكون ناعم أم صادم.
ومؤخرًا، تطورت تلك النظرية، وبدأ المعلقون الآن الحديث حول إمكانية خفض التضخم بدون خسائر تذكر، عبر سياسة نقدية تقييدية من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالى، ولكن بتكلفة صغيرة جدًا من حيث التأثير على معدلات البطالة.
ولكي يحدث هذا، يجب أن تخف التوترات العمالية بما يؤدى إلى انخفاض نمو الأجور.
وسيستغرق هذا بعض الوقت. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يقوم الاقتصاد الأمريكي بعمل أفضل في ملء الوظائف الشاغرة.
وبالعودة لأوائل الثمانينات، حينما حاولت البنوك المركزية إحكام قبضتها على التضخم المرتفعة، أمضى الأكاديميون الكثير من الوقت لمناقشة، تكلفة خفض التضخم على الإنتاج، التفكير كان منصب على أن التشديد النقدى سيؤدى لخفض النشاط الاقتصادى، ورفع البطالة بما يؤدى لخفض نمو الأجور والتضخم.
في عام 1994، قال لورانس بول، أستاذ الاقتصاد في جامعة جونز هوبكنز، إن “محاولات خفض التضخم” هي سبب رئيسي للركود الاقتصادي في الاقتصادات الحديثة – وربما السبب الأساسى.” ويفسر ذلك لماذا دورة رفع الفائدة، تزكى نقاشات الهبوط الناعم والصادم فى الاقتصاد.
وتاريخيًا، شهدت دورات التضييق زيادة ملحوظة في معدل البطالة، مع الاستثناء الرئيسي لدورة 1994 التي استمر فيها معدل البطالة في الانخفاض، ويظهر أحدث ملخص للتوقعات الاقتصادية أن أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة يتوقعون نمو الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى دون مستوياته السابقة، خلال العام الحالى والمقبل، ولكن هذا يجب أن يتسبب فقط في زيادة محدودة في معدل البطالة ، إلى 4.5% (من 3.7% في مايو)، وهو أعلى بقليل من المستوى المتوقع على المدى الطويل عند 4%.
أثار هذا تعليقًا من أحد الصحفيين خلال المؤتمر الصحفي لجيروم باول مفاده أنه “يبدو أن عملية التخلص من التضخم أصبحت نظيفة وأقل فوضوية بعض الشىء”، وأعاد ذلك للأذهان الخلاف العام الماضى حول ما إذا كان الهبوط الناعم خيار واقعى أصلًا.
ويرى جيروم باول أنه كى نرى انخفاض فى التضخم نحتاج لتحسن، أوضاع المعروض من السلع، وهو أمر بدأ وسيستمر.
ولعل أحد مسببات التضخم الكبيرة أيضًا هى، خدمات الإسكان، لكن الأمر الجيد هو أن الإيجارات الجديد جاءت فى مستويات منخفضة بما يساهم فى خفض التضخم مستقبلًا.
لكن الأهم من ذلك، هناك تضخم قطاع الخدمات الذى “لا نرى فيه سوى أولى علامات تباطؤ التضخم”، فنظرًا لكثافة العمالة فيه، تلعب تكاليف الأجور دورًا رئيسيًا.
وبحسب محافظ الفيدرالى الأمريكى يجب خفض النمو الاقتصادى لأقل من مستوياته المعهودة بشكل ملموس، وكذلك تخفيف الطلب على العمالة فى سوق العمل، ورغم انخفاض نمو الأجور بوتيرة تدريجية للغاية، لكن باول استشهد بورقة بحثية لبرنانكي وبلانشارد – “والتي تتفق تمامًا مع ما أعتقده” – والتي استنتج فيها المؤلفون أنه “على الرغم من أن أسواق العمل المشددة لم تكن حتى الآن المحرك الأساسي للتضخم، لكن تأثيرات أسواق العمل الضيقة على نمو الأجور الاسمى والتضخم لها أثر دائم.
تتطلب السيطرة على التضخم توازنًا أفضل بين العرض والطلب على العمالة، وهذا هو سبب قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة على نحو سريع وملحوظ، بما يجعل تكلفة تمويل التوظيف أعلى وبالتالى الطلب أقل.
ويمكن أن تخف توترات سوق العمل بسبب انخفاض التوظيف، أو زيادة تسريح العمال. ومع ذلك، فإن التأثير على التوظيف يعتمد أيضًا على مدى سهولة ملء الوظائف الشاغرة.
بقلم: وليام دي فيلدر، كبير الاقتصاديين في بنك”بي ان بي باريبا”
المصدر: بنك”بي ان بي باريبا”