للمرة الأولى منذ أكثر من عامين، رفعت تركيا أسعار الفائدة لمكافحة التضخم العنيد، الذي يعد مصدرا رئيسيا لأزمة غلاء المعيشة في البلاد، لكن الخبراء يقولون إن استعادة السياسات الاقتصادية التقليدية تتطلب وقتا وجهدا حتى يتسنى رؤية تأثير حقيقي.
ففي 22 يونيو، بعد شهر تقريبا من فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بإعادة انتخابه لفترة ولاية ثالثة، قرر فريقه الاقتصادي الجديد الصديق للمستثمرين، الذي يترأسه وزير المالية والخزانة محمد شيمشك ومحافظة البنك المركزي حفيظة غاية أركان، رفع سعر الفائدة الرئيسي من 8.5% إلى 15%، وهو ما عكس اتجاه سياسة الرئيس غير التقليدية المتمثلة في خفض أسعار الفائدة لمكافحة التضخم.
ولكن يبدو أن السوق التي كانت تتوقع تشديدا أكبر بكثير لم تشهد نتيجة مع رفع سعر الفائدة بمقدار 650 نقطة أساس، وهو رفع أدى إلى هبوط حاد في قيمة الليرة التركية دفع بدوره إلى سلسلة من تراجعها القياسي مقابل الدولار الأمريكي. ومن المتوقع على نطاق واسع أن تحدث زيادة أخرى في أسعار الفائدة خلال اجتماع جديد للبنك المركزي من المقرر عقده في العشرين من يوليو.
ومن جانبه قال باكي ديميريل، أستاذ الاقتصاد في جامعة يالوفا، لوكالة أنباء “شينخوا”، إنه “لا يوجد حل سريع لمشكلات تركيا الاقتصادية. فنحن نواجه هذه المشكلات منذ ثلاث أو أربع سنوات ولم يحدث أي تحسن”.
ويرى ديميريل من وجهة نظره أن إجراءات التشديد النقدي المتطرفة، مثل رفع أسعار الفائدة إلى ما يتراوح بين 30 و40%، قد تزيد من تعطيل الاقتصاد، وتتسبب في إفلاس شركات صغيرة ومتوسطة الحجم وحدوث بطالة هائلة.
وفي معرض تعليقه على التأثير السلبي لانخفاض قيمة الليرة على القوة الشرائية للأتراك، اقترح أن تقوم الحكومة بتنظيم الأسواق لمنع الارتفاعات المفرطة في الأسعار، لافتا إلى أن أكثر ما تحتاج إليه تركيا هو توزيع أكثر عدلا للثروة.
تجدر الإشارة إلى أن سعر صرف الليرة التركية انخفض من 7.5 للدولار في عام 2020 إلى أكثر من 26 في الوقت الحاضر.
ووفقا لبيانات رسمية نُشرت يوم الأربعاء، انخفض معدل التضخم السنوي في تركيا إلى 38.2% في يونيو، لينخفض عن أعلى مستوى بلغه خلال 24 عاما وقدره 85.5% في أكتوبر من العام الماضي، لكن أسعار المساكن والسلع الأساسية والمواد الغذائية ما زالت تواصل ارتفاعها.
من جانبه، ذكر أنور إركان كبير الاقتصاديين فى شركة ديناميك لتداول الأوراق المالية الاستثمارية بإسطنبول أن “انخفاض التضخم سوف يستغرق وقتا”، مشيرا إلى ضرورة أن تعمل تركيا على زيادة الصادرات وجذب الاستثمارات الاجنبية المباشرة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
ومن أجل تخفيف العبء عن كاهل الأسر، أعلنت الحكومة التركية في أواخر يونيو عن زيادة نسبتها 34% في الحد الأدنى للأجور الشهرية بالبلاد لتصل إلى 11402 ليرة (438 دولار).
ومن ناحية أخرى، تعتزم الحكومة زيادة الضرائب المفروضة على البنوك والشركات وإصدار ضريبة إضافية لمرة واحدة على السيارات في مواجهة العبء المالي الضخم الناجم عن الزلازل المدمرة التي وقعت في فبراير.
أما غوفين ساك، المدير التنفيذي المؤسس للمؤسسة التركية لبحوث السياسات الاقتصادية ومقرها أنقرة، فقد سلط الضوء على الحاجة إلى إجراء إصلاحات وشد الأحزمة على البطون لاستعادة الثقة في الاقتصاد التركي.
وقال ساك في مقال نشرته الصحيفة الإلكترونية التركية “إيكونوميم”، إن “تركيا فعلت أشياء غير عقلانية في الاقتصاد لفترة من الوقت، ثم قررت العودة إلى مسار العقل. بمجرد أن تترك مسار عقلك، فإن القرارات التي اتخذتها حينها لن يكون من السهل التخلص منها في الحال دفعة واحدة”.