الإصلاحات أساسية لتعزيز التوقعات وسط ظهور مجالات نمو جديدة
كان الانتعاش الاقتصادي الضعيف للصين في الأشهر الأخيرة، المسجل في أعقاب انتعاش أولي قوي بعد انتهاء الإغلاق الوبائي للبلاد، متماشياً إلى حد كبير مع توقعاتي بداية العام الحالي ، ويتوافق أيضًا مع هدف النمو السنوي المتواضع لبكين البالغ 5%.
كان التعزيز الفوري للنمو الاقتصادي للبلاد محدودًا وسط انخراطها في تحفيز الطلب الخفيف بشكل أكثر من الدول الغربية خلال الوباء، وتقديمها دعمًا سياسيًا في شكل إغاثة مستهدفة.
كما تؤثر العوامل الاقتصادية العضوية، والتي تُظهر حالياً اتجاهات متباينة، الآن على وتيرة النمو.
يعتبر تباطؤ قطاع العقارات واحدًا من الاتجاهات الرئيسة للعوامل الاقتصادية، إذ تقلصت مبيعات العقارات الصينية وتقلص الاستثمار خلال الأعوام القليلة الماضية بعد أكثر من عقد من التوسع السريع.
وهذا أدى بدوره إلى تراجع الطلب على المنتجات التي تتراوح بين مواد البناء إلى المفروشات المنزلية، علمًا بأن القطاع يمر الآن بفترة من التوحيد، حسبما نقلت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
وأعربت لي كوي، رئيسة أبحاث الماكرو في بنك التعمير الصيني الدولي في هونج كونج، عن عدم اتفاقها مع وجهة النظر المتشائمة القائلة بأن هذا التراجع في العقارات سيؤثر على الاقتصاد الصيني لأعوام مقبلة.
فهذا الانكماش حدث في مرحلة تنموية مبكرة مقارنة بتباطؤ سوق العقارات المماثلة في دول منها اليابان والولايات المتحدة، بالتالي فإن تأثيره كان أكثر قابلية للفهم، إذ لا تزال لدى الصين محركات اقتصادية أخرى ناشئة.
في الواقع، رغم تباطؤ قطاع العقارات، إلا أن الإنتاج الصناعي الإجمالي عاد بالفعل فوق مستويات الاتجاه السابق للوباء.
بمساعدة الدمج المحقق قبل تفشي كوفيد والذي خفض الطاقة الفائضة وسرع خفض الميزانيات العمومية، نما الاستثمار في الأصول الثابتة التصنيعية بنحو 10% سنويًا منذ الوباء.
تعد الرقمنة وتطويرات سلسلة التوريد وانتقال الطاقة النظيفة، من العوامل البارزة وراء التوسع الصناعي في الصين.
فعلى سبيل المثال، نما الاستثمار في الأصول الثابتة بقطاعي الطاقة والسيارات بمعدل سنوي مزدوج الرقم في الأعوام الأخيرة مدفوعًا بأهداف إزالة الكربون في البلاد، في ظل آثار غير مباشرة على موردي قطع غيار السيارات ومنتجي المعادن وصناع المعدات الرأسمالية.
بينما تباطأ الطلب العالمي على التصنيع منذ الوباء، واصلت الصين توسيع شبكاتها التجارية وتحديث مزيج منتجاتها لتعويض تأثير التباطؤ.
أما قطاع التصنيع فهو يتسم بالمرونة، لكن قطاع الخدمات كان أكثر تباطؤًا، ما يشير إلى أن فوائد أحدث الاتجاهات الكبرى لم تنتقل بعد على نطاق أوسع، وبالتالي، كان نمو الوظائف ضعيفًا، ما أثر على دخل المستهلك والإنفاق.
في الوقت نفسه، تعافت خدمات الأعمال التجارية ببطء وظلت دون مستويات الاتجاه السابق للوباء، وهو ما قد يعكس جزئيًا التغييرات التنظيمية الأخيرة.
بالنظر إلى الانتعاش الضعيف، اقترح عدد من المراقبين ضرورة تقديم الحكومة لحافز كبير بدافع القلق بشأن مخاطر ركود “الميزانية العمومية”، إذ قد يؤدي خفض المديونية في القطاع الخاص إلى دورة ذاتية التعزيز من ضعف الطلب.
لكن من المحتمل أن يكون التركيز على الحوافز الرئيسة في غير محله، فلا يبدو أن ركود الميزانية العمومية محتمل للغاية.
كان مطورو العقارات يخفضون المديونية، فيما واصلت الموارد المالية شق طريقها نحو المجالات الإنتاجية في قطاع الشركات، وتوسع الاستثمار التجاري الإجمالي.
كما أن مزيدا من الديون لن تساعد في دعم نمو الجودة أو الارتقاء الاقتصادي.
وعلى عكس الكثافة الائتمانية العالية للممتلكات والبنية التحتية، فإن الاقتصاد الجديد وصناعات الخدمات بشكل عام في وضع نقدي صاف وتعتمد على حقوق الملكية أكثر من تمويل الديون.
وبالنسبة لهذه القطاعات، من المرجح أن تكون توقعات النمو والبيئة التنظيمية والوصول إلى الأدوات المالية التي تكافئ الابتكار أكثر أهمية.
يقف الاقتصاد الصيني عند تقاطع دورة صناعية صاعدة مع ظهور محركات جديدة لكن لها تأثير غير متساوٍ، بينما في نفس الوقت تهدأ الطفرة العقارية التي تغذيها الديون، والتي ستدعم النمو المستدام في الأعوام المقبلة.
حتى دون تحفيز كبير للطلب، من المتوقع أن يستمر التعافي التدريجي للاقتصاد، كما أن التوسع في التصنيع سيظل ركيزة أساسية للنمو، والتطبيع الإضافي لأنشطة مثل السياحة والنقل والحد من تراجع التصنيع العالمي سيساعد أيضًا في تحسين الصورة الدورية.
من المرجح أن تركز السياسة قصيرة الأجل على دعم الاستهلاك وإدارة مخاطر الديون.
ارتفع الدين المرتبط بالحكومة، بما فيها أدوات التمويل الحكومية المحلية، خلال الوباء، فيما وجهت الحكومة اهتمامها خلال العام الحالي نحو الادخار المالي واستقرار الديون.
يجب أن تظل السياسة المالية داعمة لفترة أطول لتخفيف الانكماش، فهذا سيساعد أيضًا في استقرار الديون.
وبمرور الوقت، ستكون الإصلاحات المالية والمالية ضرورية للحد من مخاطر الديون المحلية.
والأهم من ذلك، أن الإصلاحات المستمرة التي تتجاوز الطلب وإدارة الديون ستكون حيوية لاستدامة التحول الاقتصادي ووضع الانتعاش التدريجي على مسار قوي متوسط الأجل، كما جددت الحكومة التزامها بتحسين بيئة الأعمال ودعم الشركات الخاصة.
ولا شك أن سياسات تعزيز نمو قطاع الخدمات ستكون ذات أهمية خاصة، وستساعد في دعم الوظائف والدخل، وتعزيز المكاسب الناتجة عن الدورة الصناعية الناشئة.








