أحدث البيانات تشير إلى مرونة الاقتصاد بشكل أقوى من المتوقع والتخفيف من حدة التضخم
يشير تدفق البيانات الرئيسية، خلال العشرة أيام الماضية، إلى أن اقتصاد المملكة المتحدة أقل اختلافاً بين الدول المماثلة مما كان يُعتقد سابقاً؛ حيث أظهرت الأرقام مرونة اقتصادية غير متوقعة وتراجعاً حاداً فى معدلات التضخم.
وقبل أسابيع قليلة، كانت بريطانيا الاقتصاد المتقدم الكبير الوحيد الذى لم يظهر اتجاهاً هبوطياً ثابتاً فى نمو الأسعار، بالرغم من معاناتها من ارتفاع معدلات التضخم لتصبح الأعلى وسط مجموعة السبع.
وتوقع العديد من المحللين أن يتقلص الناتج الاقتصادى للمملكة المتحدة فى الربع الثانى رغم عدم استعادة مستوياته الفصلية قبل تفشى وباء كورونا.
وفى غضون ذلك، سعرت الأسواق عملية رفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة من نسبتها الحالية البالغة 5% إلى 6.5% بحلول نهاية العام الجارى، الأمر الذى أدى بدوره إلى ارتفاع معدلات الرهن العقارى، ودفع سوق العقارات نحو حالة من الاضطراب.
ومع ذلك، انخفض التضخم فى المملكة المتحدة بشكل غير متوقع فى يونيو إلى 7.9%، وهو أدنى معدل منذ مارس 2022، وانخفض من 8.7% فى الشهر السابق.
والمثير للدهشة، أنَّ مبيعات التجزئة القوية فى يونيو والأداء الاقتصادى الأفضل من المتوقع فى الأشهر الثلاثة حتى مايو قادا العديد من المحللين إلى توقع توسع هامشى فى الناتج الاقتصادى فى الربع الثانى، حسبما نقلت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
وقال بول ديلز، الخبير الاقتصادى لدى «كابيتال إيكونوميكس»، إنَّ «المملكة المتحدة لا تزال تبدو وكأنها دولة مختلفة على الصعيد الدولى عندما يتعلق الأمر بالتضخم، ولا تزال تستحق تصنيفها باعتبارها دولة الركود التضخمى، لكن الأخبار الاقتصادية للشهر الماضى أشارت إلى أن الفجوة تضيق».
ورفعت شركة الاستشارات «إى واى»، يوم الاثنين، توقعاتها للنمو الاقتصادى فى المملكة المتحدة للعام الجارى إلى 0.4% من 0.2%، والتى كانت مقدرة سابقاً، على خلفية دلائل تشير إلى قدر أكبر من المرونة.
وقال تورستن بيل، الرئيس التنفيذى للمؤسسة الفكرية «ريزوليوشن فاونديشن»، إنَّ «الاقتصاد البريطانى فى وضع سيئ، لكن البيانات الاقتصادية الصادرة خلال العشرة أيام الماضية قدمت بعض التشجيع المرحب به».
وانخفض التضخم الأساسى فى المملكة المتحدة، الذى يستبعد أسعار الغذاء والطاقة، فى يونيو، ثم بدأ أخيراً فى التقارب مع الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، بعد ارتفاعه فى الاتجاه المعاكس فى الأشهر السابقة.
وفى الوقت نفسه، فإنَّ الانخفاض الحاد فى معدل التضخم يخف من حدة الضغط المفروض على المستهلكين، وكذلك مقترضى الرهن العقارى؛ حيث تتوقع الأسواق الآن أن يرفع البنك المركزى للبلاد أسعار الفائدة، الأمر الذى يؤدى إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض بسرعة أقل.
وقال كالوم بيكرينج، الاقتصادى فى بنك الاستثمار «بيرنبرج»، إنَّ هذا «يقلل من مخاطر قيام بنك إنجلترا بفرض هبوط حاد للسيطرة على التضخم الجامح».
وحذر خبراء الاقتصاد من أن النمو القياسى المرتفع للأجور المسجل فى الأشهر الثلاثة حتى مايو لا يزال مصدر قلق فيما يتعلق بالتضخم.
وقال «بيل»، من «ريزوليوشن فاونديشن»، إن «السؤال الكبير يتعلق بكيفية إنهاء سوق العمل سريع البرودة نمواً قوياً للأجور تاريخياً، كما حدث بالفعل فى الولايات المتحدة ومنطقة اليورو».
ومع ذلك، يتوقع العديد من المحللين أن يحدث ذلك قريباً، ويرجع ذلك جزئياً إلى تراجع الخمول الوظيفى الذى أبقى سوق العمل فى المملكة المتحدة أكثر تشدداً مما هو عليه فى الدول الأخرى.
وأظهرت أحدث البيانات أن الخمول الوظيفى انخفض إلى أدنى معدل له منذ ربيع عام 2020 فى بداية جائحة كورونا.
كما أظهرت البيانات الرسمية أن مرونة النمو وسوق العمل فى المملكة المتحدة أسهما فى تراجع اقتراض القطاع العام فى يونيو، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضى، كما حفز الطقس الأكثر دفئاً توسع أحجام مبيعات التجزئة المسجلة فى يونيو للشهر الثالث على التوالى.
وقال سايمون هارفى، رئيس قسم التحليلات فى شركة الصرف الأجنبى «مونكس»، إنَّ المخاوف بشأن التضخم الجامح وتقلبات الأجور وارتفاع تكاليف الاقتراض وانخفاض أسعار المنازل «تراجعت إلى حد كبير».
ولكن بالرغم من البيانات المشجعة، تواصل المملكة المتحدة أداءها السيئ فى المقارنات الدولية، ففى الأشهر الثلاثة حتى مارس، كان الاقتصاد لا يزال أقل بنسبة 0.5% مما كان عليه فى الربع الأخير من 2019، أى قبل تفشى الوباء.
فى المقابل، نما الاقتصاد الأمريكى بنسبة 5.6% ومنطقة اليورو بنسبة 2.2% خلال الفترة نفسها.
وفى الوقت نفسه، لا يزال التضخم الرئيسى فى المملكة المتحدة أكثر من ضعف نسبة 3% المسجلة فى الولايات المتحدة والأعلى بين مجموعة السبع.
وبالرغم من انخفاض تضخم أسعار الغذاء، فإنه لا يزال أعلى مما هو عليه فى معظم الدول الغنية، ولا تزال الأسواق تتوقع ارتفاع أسعار الفائدة فى المملكة المتحدة بشكل أكثر من الاقتصادات الكبيرة الأخرى خلال الأشهر المقبلة.
وقال «ديلز»، من «كابيتال إيكونوميكس»، إنَّ «المملكة المتحدة حققت عموماً بعض التقدم فى تضييق فجوة التضخم، لكن الصورة الأكبر هى أنها لا تزال تعانى مشكلة تضخم أكثر، كما أنها شهدت نمواً ضعيفاً فى الناتج المحلى الإجمالى فى الأعوام الأخيرة أكثر من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو».