الأرباح المرتفعة تنبع جزئياً من سلاسل التوريد المنهكة
ظهر مصطلح جديد يُعرف بـ”تضخم الجشع” ليصاحب ارتفاع معدلات التضخم من جديد في أستراليا وأوروبا منذ العام الماضي إلى مستويات لم تُشهد منذ عقود.
لاقت هذه الفكرة الجديدة قبول كثيرين باعتبارها تفسيرا لارتفاع الأسعار وغيرها من المشاكل الاقتصادية، لكنها أيضًا مثلت حالة كتابية لشيء حذر منه الكاتب الأمريكي الراحل إتش إل مينكين، والذي قال “هناك دائمًا حل معروف جيدًا لكل مشكلة بشرية”.
ثمة غموض يحيط بالدليل على التربح من الشركات، إذ وجد البنك المركزي الأسترالي أن أرباح الشركات خارج قطاع الموارد لم ترتفع بشكل غير متناسب، لكن البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا وجدا خلاف ذلك.
أوضحت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية أن وجود بيانات ومنهجية ضعيفة وغير متسقة وغير كاملة تعتبر من الأمور المركزية في هذا الاختلاف.
ثمة طرق عدة لقياس الربح، خاصة أن الأرباح المطلقة وهوامش الربح تتأثر باللوائح وتغيرات الإنتاجية وعمليات الاستحواذ وأسعار السلع وتقلبات العملات وأسعار الفائدة والضرائب والتسويات المحاسبية.
ينبغي العلم أن المتوسطات والإجمالي المسجل عبر الصناعات أمور خادعة، فارتفاع المبيعات بالنسبة للشركات ذات التكاليف الثابتة المرتفعة يعني تضخم الأرباح، لكن المقياس الحقيقي للربح هو العائد على الأموال المستثمرة.
يعتبر الاستثمار الرأسمالي المطلوب للعديد من الأنشطة كبير الآن.
فقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة تكاليف رأس المال.
وهذا المزيج يتطلب بدوره أرباحًا أكبر، إذ تحتاج الشركات لتحقيق عوائد كافية للنجاه وضمان الوصول إلى الإمدادات ورأس المال الاستثماري.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون مقاييس مستوى الربح مضللة دون تعديل مخاطر المشاريع وانعدام اليقين.
لا تزال بعض الشركات تحاول التعافي من الخسائر الناجمة عن الوباء، ويرجع ذلك جزئيًا إلى سداد الديون التي تكبدتها للنجاه، وتسعى شركات التعدين إلى تعظيم الأرباح في ظل تقلبات أسعار السلع لتعويض الانخفاضات الحتمية، كما أن أرباح البنوك عادة ما ترتفع خلال فترة ارتفاع أسعار الفائدة.
يخلط التضخم الناتج عن الجشع بين السبب والنتيجة، ففي اقتصاد السوق يوازن السعر بين العرض والطلب.
تعكس الأرباح المرتفعة الأخيرة آثار التحفيز المالي المفرط أثناء وبعد الوباء مباشرة، والتي طغت على سلاسل التوريد المقيدة بفيروس كورونا.
ربما يرى المتشائمون أن صُناع السياسة يلومون جشع الشركات باعتباره مجرد تحويل للانتباه عن آثار السياسات النقدية والمالية الفضفاضة للغاية.
يؤدي التضخم الناتج عن الجشع أيضًا إلى تشويش تأثير التنظيم الصناعي.
لقد أصبحت العديد من الصناعات الآن شديدة التركيز في مكان محدد الآن، فآستراليا مثلاً لديها أربعة بنوك كبيرة، واثنين من كبار تجار التجزئة، واثنين من شركات التنقيب الكبرى، واثنين من مزودي الاتصالات الأساسيين، وشركة طيران محلية مهيمنة وعدد صغير من شركات المرافق والإعلام.
كان الاندماج عبر الصناعات، والمصمم لتعزيز الحجم والكفاءء، مساهمًا في خلق احتكارات واحتكارات قلة مع زيادة الأسعار والقوة السوقية.
كما أدت خصخصة العديد من الخدمات الأساسية والبنية التحتية إلى ضخ مخاوف تتعلق بهامش الربح في الأنشطة التي كانت في السابق سلعًا اجتماعية يتم توفيرها على أساس استرداد جزئي أو كامل للتكلفة.
يعتبر نمو الخدمات مهم، إذ تنقسم الاقتصادات المتقدمة مثل أستراليا بين عدد قليل من الشركات العملاقة وعدد كبير من الشركات الصغيرة والمقاولين والمشاركين في اقتصاد الوظائف المؤقتة.
هذه الشركات الصغيرة تعتبر في الأساس وظائف لأصحابها والربح الذي تحققه يعادل الأجور، وقد تعرضت “عائداتها” لضغوط بسبب ارتفاع نفقات المعيشة، فمعدلات الفشل المرتفعة لا تشير إلى أن هذه العمليات تحقق أرباحًا زائدة.
هذا الأمر يتناقض مع الهياكل الاقتصادية في العديد من الدول الآسيوية التي تتميز بتركيز خارجي كبير، وشركات وطنية كبرى ومنافسة محلية قوية.
كان التنافس الذي لا هوادة فيه في العديد من الصناعات اليابانية أحد العوامل الكامنة وراء انخفاض الربحية والتضخم المتواضع.
وحتى لو كان التضخم الناتج عن الجشع حقيقيًا، فإن العلاجات المقترحة- مثل سياسات الدخل والحد الأقصى للأسعار وضرائب الأرباح المفاجئة- ستكون مثيرة للمشاكل.
في الوقت نفسه، يطالب المستهلكون بالوصول الفوري إلى كافة أنواع السلع والخدمات بأسعار منخفضة، وهذا يتطلب رأس مال كبير ونطاق عالمي، مما يسهل هيمنة كبار الموردين على الصناعات.
في الوقت نفسه، تؤدي مطالب السيادة إلى إعادة توفير الحكومات للدعم وإزالة المنافسة، مما يتيح سيطرة أكبر للشركات على هوامش الربح.
والأكثر دلالة على ذلك هو أن مفهوم تضخم الجشع يتجاهل فكرة أن الشركات مجرد وكلاء للمستثمرين.
يذكر أن غالبية السكان، وليس فقط عدد قليل من أصحاب الدخل الأثرياء، يوجهون المدخرات الآن إلى الشركات عبر برامج مدخرات التقاعد الإلزامية، ويحتاج أصحاب الشركات هؤلاء إلى عوائد، مثل توزيعات الأرباح، كما أن ارتفاع توقعات عائدات المستثمرين يجبر الشركات على إعطاء الأولوية للأرباح.








