أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن ، وجهة نظر بكين التي تفيد بأنه لم ينته من تكثيف الجهود لمنع صعود الصين الاقتصادي، بعد فرض حظر جديد على الاستثمار الأمريكي في قطاعات التكنولوجيا الصينية الرئيسة.
في هذا السياق، يعتبر وقف تدفق رأس المال إلى الذكاء الاصطناعي وتطوير أشباه الموصلات والحوسبة الكمية لدى الصين خطوة هامة، لكن يجب أن يكون فريق بايدن حذرًا بشأن ما يسعى إليه.
يستهدف بايدن سياسة تجارية جديدة معاكسة لطريقة الصين، لكنه يضيف إلى القوى التي أدت بالفعل إلى اختلال التوازن في أكبر اقتصاد في آسيا في أسوأ لحظة ممكنة.
سقطت الصين في حالة ركود اقتصادي في يوليو وسط انخفاض متسارع في الاستهلاك والطلب على الائتمان والنشاط الاستثماري والمعنويات العامة، فيما يستمر الإنتاج الصناعي في تحقيق انخفاضات أكبر وأكبر، ويعاني الاستثمار العقاري حالة سقوط حر مع تعثر كبار المطورين من جديد.
تسبب التخلف المحتمل لشركة “كونتري جاردن هولدينجز”، أكبر شركة تطوير عقاري في الصين، في حدوث تضرر كبير، حسب ما نقلته مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
وبعد مرور عامين على بدء مخاوف التخلف عن السداد في إبتلاع منافستها “تشاينا إيفرجراند جروب”، تظهر الأخبار التي تفيد بأن “كونتري جاردن” يؤخر مدفوعات السندات استمرار النزيف الهائل في النظام المالي.
يمكن لقطاع العقارات في الصين المثقل بالديون أن يولد 30^ من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فإن هذا الوضع يحمل أصداء أزمة القروض المعدومة في اليابان في فترة التسعينيات.
كما أن بنك الشعب الصيني في وضع التسهيل، حتى مع دفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في الاتجاه الآخر وبنك اليابان ما يزال واقفًا في مكانه.
أدت هذه الحرب النقدية بين واشنطن وبكين إلى وضع اليوان تحت ضغط هبوطي، لكن صادرات الصين المتباطئة ثد تستفيد من ضعف سعر الصرف، خاصة مع تراجع الين الياباني، لكن ضعف العملة يُصعب سداد المطورين الصينيين المتعثرين مدفوعات ديونهم المقومة بالدولار.
كما أن هذا الأمر قد يُعرض الصين للخطر، من الناحية الجيوسياسية، فضرب الصين بالقيود التجارية يتعلق بالشيء الوحيد الذي يتفق عليه الديمقراطيون والجمهوريون في واشنطن.
يمكن للصين أن تتوقع تلقي نيران واردة من جميع الجهات مع اشتداد دورة الانتخابات الأمريكية لعام 2024.
يتقدم بايدن بالطبع على المرشحين الجمهوريين للرئاسة في إظهار أوراق اعتماده بشأن مواجهة الصين.
لكن ربما يرغب فريق بايدن الاقتصادي في التفكير فيما إذا كانت زيادة مشاكل الرئيس الصيني شي جين بينغ الحالية تصب في مصلحة الاقتصاد العالمي.
كلما زاد فرار رأس المال من الصين، زاد مستوى الاضطرابات لدى أسواق الأوراق المالية في البر الرئيسي، والذي قد ينتقل بعد ذلك إلى العالم.
تعتبر الآثار طويلة المدى مهمة أيضًا، فليس هناك شك في أن الطرق التجارية الصينية مصدر إزعاج شائع في واشنطن.
وكذلك الأمر بالنسبة لسياسة شي “صنع في الصين 2025” التي تمولها الدولة للسيطرة على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية والسيارات الكهربائية والطاقة المتجددة وأشباه الموصلات وتقنيات المستقبل الأخرى.
دفعت طموحات شي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى إقامة عدد من الحواجز التجارية حتى ترك منصبه في 2021، ثم جاء بايدن ليتمسك برسوم ترامب الجمركية، لكنه منذئذ ركز على عدد من الجهود المستهدفة للحد من وصول شركات الصين إلى التكنولوجيا الحيوية اللازمة لتغذية نموها السريع.
وعلى عكس ترامب، تعاون بايدن مع الحلفاء لتضخيم سياساته واستثمر في بناء قوة اقتصادية داخلية.
ومع ذلك، تنتشر الآن مخاطر المبالغة في السياسة الواقعية مع انحراف رؤية شي لعام 2023 بطرق لم يتوقعها سوى القليل، فأحد المخاطر يتمثل في زعزعة استقرار اقتصاد غير متوازن بالفعل.
من المؤكد أن وجهات نظر واشنطن بشأن الصين معيبة إلى حد ما حالياً، فالاقتصاد الذي قاده شي لعقد زمني ليس على وشك الانهيار أو السيطرة على الاقتصاد العالمي.
مع ذلك، هناك تحديات هائلة لم يتصدى لها فريق الإصلاح التابع للرئيس شي، مثل الطفرة العقارية التي قيدت الصين بالديون المفرطة والتي حذر بايدن من كونها “قنبلة موقوتة” في وسط النموذج الاقتصادي لبكين.
إضافة إلى بلوغ بطالة الشباب مستويات قياسية في وقت يتقلص فيه عدد السكان ويزداد الركود.
جدير بالذكر أيضًا أن التحليلات الاقتصادية بشأن الصين تواجه “عقداً ضائعاً” شبيهاً باليابان.
علق الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، بول كروغمان، مؤخرًا أن الصين ستكون محظوظة لاتباع المسار الذي سلكته اليابان في الـ20 عامًا الماضية لأن “حكومة الصين كانت مقاومة بشكل غريب للإصلاحات التي قد تجعل نموها مستدامًا”.
ومع ذلك، فبقدر ما يمكن فهمه من الناحية السياسية مثل الحروب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة منذ 2017، فإن الأضرار الجانبية التراكمية تستحق المتابعة الآن.
كل اقتصاد صاعد يواجه أزمة ديون، فقد انتهت فترات الازدهار المدفوعة بالائتمان بشكل سيئ في اليابان في 1989، وجنوب شرق آسيا خلال 1997، وروسيا خلال 1998، والولايات المتحدة عام 2008، وأوروبا عام 2010.
ليس هناك قوة قادرة على تجنب ما يسمى بـ”لحظة مينسكي”، والاحتمالات هي أن الصين لن تفعل ذلك أيضًا.