عندما كانت الكاتبة سوزان سونتاج صغيرة، كانت تتردد على مكتبة بيكويك فى لوس أنجلوس وتسرق الأعمال الأدبية من المتاجر، وكتبت لاحقًا: “كل سرقاتي العرضية كلفتنى أسابيع من ذم الذات والخوف من الإذلال فى المستقبل، ولكن ماذا يمكننى أن أفعل، فى ضوء مصروفي الضئيل؟”.
وهذا ما جعلها سارقة. فوفقًا للتعريف المنصوص عليه فى دراسة كلاسيكية عن سرقات الأفراد فى متجر متعدد الأقسام فى شيكاجو خلال الستينيات، كان السارقون من الهواة، ومعظمهم من النساء اللواتى يسرقن المحافظ والإكسسوارات من المعروضات الجميلة. ثم كانت هناك جماعات السرقة المنظمة التى تسرق بهدف إعادة بيع المنتجات بأسعار أقل فى الشوارع.
وطبقا للشكاوى، يبدو أننا نعيش عصرا ترتفع فيه السرقات المنظمة، بالنظر إلى شكاوى محلات السوبر ماركت، والمتاجر وتجار التجزئة العاملون في نشاط الإلكترونيات.
قالت سلسلة “تارجت” الأمريكية، إنها ستغلق تسعة متاجر فى مدن من بينها نيويورك وسان فرانسيسكو لأن “السرقة وجرائم التجزئة المنظمة” أصبحت تشكل تهديدا لسلامة موظفيها وعملائها.
وتعد “تارجت” من بين العديد من تجار وسلاسل التجزئة الذين يحذرون من ارتفاع معدلات السرقة المنظمة، بما فى ذلك “السرقة السريعة” التى يقوم بها لصوص شباب يهددون الموظفين، وآخرون يخرجون بوقاحة بأكياس كبيرة مليئة بالغنائم. ووصفت السيدة شارون وايت، رئيسة شركة جون لويس، السرقة من المتاجر بأنها “وباء”.
لكن السرقة لا تشكل تهديدا وجوديا لجميع المتاجر، إذ قدر الاتحاد الوطنى للبيع بالتجزئة فى الولايات المتحدة، أن “الفاقد”، بما فى ذلك السرقة من قبل الموظفين والعملاء، إلى جانب فقدان الأشياء، ارتفع إلى 112 مليار دولار العام الماضي. لكن هذا الرقم يمثل 1.6% من المبيعات، وهى مستويات ما قبل الوباء. وتمثل السرقات الخارجية حوالى ثلث الفاقد فقط.
لا يزال السارقون الهواة فى العصر الحديث، مسؤولون عن كثير من عمليات سرقة المتاجر. فى السابق اعتاد المحققون على الشكوى من دخول النساء إلى المتاجر للحصول على سلع تعزز مكانتهن، لكن الآن حتى لضروريات أصبحت بعيدة عن متناول بعض العائلات. ويؤدى ارتفاع معدلات التضخم والفقر إلى الإغراءات: فحتى اتحاد تجار التجزئة يقول إن التحديات الاجتماعية “تستحق حلاً متعاطفاً”.
ولا يتم إغلاق جميع المتاجر بسبب السرقة، فشركة “تارجت” التى سيظل لديها أكثر من 1900 متجر أمريكى بعد إغلاق تسعة متاجر، تتعرض لضربة مع سلاسل أخرى من قبل المتسوقين الذين خفضوا الإنفاق مع ارتفاع الأسعار.
ومن الملائم إلقاء اللوم على الفائدة إذا كنت بحاجة إلى تخفيض حجمك على أى حال، ولكن سيكون من العبث التظاهر بعدم وجود مشكلة.
روى كل من تحدثت إليهم حول هذا الموضوع، بعض التجارب أو التأثيرات غير المباشرة لجرائم السرقات من المتاجر، إذ تحدد محلات السوبر ماركت عدد عربات التروللى لمنع استخدامها في السرقة؛ بينما تغلق متاجر الملابس أبوابها وتثير ضجة كبيرة لدى العملاء للسماح لهم بالدخول.
ويضطر العاملون بمتاجر التجزئة لتحمل اساءات كبيرة من المتسوقين الغاضبين فى هذه الأوقات المليئة بالقلق، ويتعين على أولئك الذين يعملون فى المتاجر الأكثر تضرراً أن يتحملوا الإجرام المتكرر والعنف فى بعض الأحيان؛ ولا يحصلون على أجور كافية للتعويض عن هذا الضغط.
وتزيد التكنولوجيا الطين بلة ، بما تكفله التقنيات المتاحة على الإنترنت.
فأحد العروض الإجرامية يتيح حقائب معززة مغطاة بأنسجة معدنية للتغطية على الكروت المستخدمة للحماية من السرقة، هناك أيضًا مفاتيح لفتح الكروت وأجهزة التشويش لحظر الماسحات الضوئية.
كما أن الجريمة المنظمة بها توزيع للعمل.. فالأطفال يجولون المحال ويختلسون البضائع ويهربوها ليتم بيعها بالجملة على الإنترنت.
وبحسب دراسة للاتحاد الوطنى للبيع بالتجزئة فإن معظم مجموعات السرقة المنظمة، والتى تشبه مجموعة فاجن فى القصة الكلاسيكية “أوليفر تويست” غالبًا ما توظف المشردين أو المدمنين كلصوص. فى الواقع، يقوم أعضاء عصابات المخدرات بجمع الأشياء من خلال سرقة الأشياء من المتاجر فى أوقات فراغهم. وكلما زاد الخلل الوظيفى فى المناطق الحضرية، كلما زاد عدد المجندين المحتملين، وليس من الواضح كيفية إيقاف انضمامهم.
وتشكو المتاجر من عدم وجود إجراءات شرطية ضد الجرائم الفردية، أن ذلك يجعل الناس تعتقد أن السرقة من المتاجر بالسلاسل هى جريمة بلا ضحايا.
القدرة على التسوق واستكشاف المنتجات بحرية هى معجزة يومية، كما أنها مريحة للغاية، وسيخسر المجتمع الكثير إذا أصبحت هذه الحرية ميزة لبعض الفئات، أو أولئك الذين يعيشون فى أماكن لا تخشى فيها المتاجر التعرض للنهب.
المصدر: فاينانشيال تايمز
كاتب المقال: جون جابير كاتب فى فاينانشيال تايمز








