البترول مرشح لملامسة 150 دولارا للبرميل والركود يقتطع تريليون دولار من الناتج العالمي
مثلما حدث في حروب الشرق الأوسط في الماضي، يمكن للصراع بين إسرائيل وحماس الذي اندلع الأسبوع الماضي عرقلة الاقتصاد العالمي، بل وحتى دفعه نحو الركود إذا تورطت مزيد من الدول في الصراع.
هذا الصراع الذي أسفر عن آلاف القتلى والمصابين يشكل خطرًا حقيقيًا، إذ تشير تقديرات “بلومبرج إيكونوميكس” إلى أن أسعار البترول قد ترتفع إلى 150 دولارا للبرميل، وقد ينخفض النمو العالمي إلى 1.7%، وهو ركود يقتطع حوالي تريليون دولار من الناتج العالمي.
يمكن للصراع في الشرق الأوسط هز العالم لأن المنطقة مورد حيوي للطاقة وممر شحن رئيسي، ويُعد الصراع العربي الإسرائيلي في 1973، الذي أدى إلى حظر البترول وتسبب في أعوام من الركود التضخمي في الاقتصادات الصناعية، أوضح مثال على ذلك، علمًا بأن تأثير الصراعات الأخرى كان محدودًا أكثر، حتى مع ارتفاع الخسائر البشرية.
يبدو الاقتصاد العالمي معرضًا للخطر حاليًا، فهو لا يزال يتعافى من موجة التضخم التي تفاقمت بسبب الحرب الروسية الأوكرانية العام الماضي، حسب ما نقلته وكالة أنباء “بلومبرج”.
ويمكن أن تعيد حرب أخرى في منطقة منتجة للطاقة ، إشعال التضخم من جديد، وقد تمتد العواقب الأوسع نطاقاً لتشمل الاضطرابات المتجددة في العالم العربي، والانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة العام المقبل، حيث تشكل أسعار البنزين أهمية بالغة في توجهات الناخبين.
كل هذه التأثيرات المحتملة تعتمد على كيفية تطور الحرب خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة، لذا أجرت “بلومبرج إيكونوميكس” دراسة للتأثير المحتمل لثلاثة سيناريوهات للحرب على النمو العالمي والتضخم.
في السيناريو الأول يتعلق انحسار الصراع بشكل كبير في غزة وإسرائيل، فيما يفترض الثاني امتداد الصراع إلى دول الجوار ومنها لبنان وسوريا التي تستضيف ميليشيات قوية مدعومة من طهران، مما يحوله بشكل أساسي إلى حرب بالوكالة بين إسرائيل وإيران.
أما السيناريو الثالث فينطوي على تصعيد الصراع إلى تبادل عسكري مباشر بين العدوين الإقليميين.
وفي كل هذه السيناريوهات، تظل النتيجة واحدة، وهي ارتفاع أسعار البترول ومعدلات التضخم وتباطؤ النمو، لكن الحجم مختلف، فكلما اتسع نطاق الصراع، زاد تأثيره على النطاق العالمي وليس الإقليمي.
وبطبيعة الحال، يتنوع النطاق الفعلي للمخاطر والاحتمالات بشكل أوسع وأكثر تعقيدًا مما يمكن أن تشمله هذه السيناريوهات.
وحتى السلاسل الاقتصادية الضيقة القائمة على السبب والنتيجة ثبت أنه من الصعب التنبؤ بها وسط التقلبات التي شهدتها الأعوام الأخيرة، كما أن الحروب أصعب في التنبؤ بها.
ومع ذلك، فإن السيناريوهات المرسومة يجب أن تساعد على الأقل في تحديد إطار للتفكير في المسارات المحتملة المقبلة.
السيناريو الأول: اقتصار الصراع على غزة
في ظل هذا السيناريو، سيكون التأثير على الاقتصاد العالمي ضئيلاً، خصوصا إذا قامت السعودية والإمارات بتعويض البراميل الإيرانية المفقودة باستخدام طاقتهما الاحتياطية.
وفي حديثها في اجتماع صندوق النقد الدولي، قالت وزيرة الخزانة جانيت يلين، إن الولايات المتحدة “تراقب التأثيرات الاقتصادية المحتملة للأزمة”، لكنها أضافت أنها لا تتوقع أن تكون “محركًا رئيسيًا محتملاً للتوقعات الاقتصادية العالمية”.
إذا ظل الصراع محصورًا في غزة، فإن هذه التقديرات ستكون على الأرجح صحيحة.
السيناريو الثاني: حرب الوكالة
ماذا لو لم يتم احتواء الصراع؟ خصوصا أن حزب الله تبادل النيران بالفعل مع القوات الإسرائيلية على الحدود، وقال إنه استهدف موقعًا للجيش الإسرائيلي بصواريخ موجهة.
إذا امتد الصراع إلى لبنان وسوريا، حيث تدعم إيران أيضًا الجماعات المسلحة، فإنه سيتحول فعليًا إلى حرب وكالة بين إيران وإسرائيل، وستزداد التكلفة الاقتصادية.
ومن شأن التصعيد على هذه الخطوط أن يزيد من احتمالية نشوب صراع مباشر بين إسرائيل وإيران، مما سيؤدي على الأرجح إلى ارتفاع أسعار البترول.
و الحرب القصيرة الدموية التي نشبت بين إسرائيل وحزب الله عام 2006 تسببت في ارتفاع سعر البترول الخام بمقدار 5 دولارات للبرميل، وأي تحرك مماثل اليوم سيرفع السعر بنسبة 10% إلى حوالي 94 دولارا للبرميل.
يأتي التأثير الاقتصادي العالمي في هذا السيناريو من صدمتين، الأولى ارتفاع أسعار البترول بنسبة 10%، وتحرك أسواق المال للعزوف عن المخاطرة تماشيًا مع ما حدث خلال ثورات الربيع العربي وهذا يزيد مؤشر “في.أي.إكس”، وهو مقياس مستخدم على نطاق واسع للنفور من المخاطرة، بمقدار 8 نقاط.
تجتمع هذه العوامل مع تباطؤ متوقع بنسبة 0.3% في النمو العالمي خلال العام المقبل، أي نحو 300 مليار دولار من الناتج المفقود، مما سيبطئ وتيرة النمو إلى 2.4%.
وباستثناء أزمة “كوفيد” في 2020 والركود العالمي في 2009، سيكون هذا أضعف نمو منذ ثلاثة عقود.
كما أن ارتفاع أسعار البترول سيعزز التضخم العالمي بنحو 0.2%، مما يبقيه بالقرب من 6%، ويواصل الضغط على محافظي البنوك المركزية لإبقاء السياسة النقدية متشددة حتى في ظل النمو المخيب للآمال.
السيناريو الثالث: الحرب بين إيران وإسرائيل
يعتبر الصراع المباشر بين إيران وإسرائيل هو سيناريو ذي احتمالية منخفضة، لكنه خطير. فقد يكون سببًا في حدوث ركود عالمي، كما أن ارتفاع أسعار البترول وانخفاض الأصول المخاطرة ستوجهان ضربة قوية للنمو الاقتصادي وستتسببان في ارتفاع التضخم.
في هذا السيناريو، فإن التوترات بين القوى العظمى ستزيد من المزيج المتقلب، خصوصا أن الولايات المتحدة حليف وثيق لإسرائيل، فيما ستعمق الصين وروسيا العلاقات مع إيران.
يقول المسؤولون الغربيون إنهم يشعرون بالقلق من أن الصين وروسيا ستستغلان الصراع لتحويل الانتباه والموارد العسكرية من أجزاء أخرى من العالم.
مع وصول حوالي خُمس إمدادات البترول العالمية من منطقة الخليج، فإن الأسعار سترتفع بشكل كبير، كما أن تكرار هجوم مسلحين موالين لإيران على منشآت “أرامكو” في 2019، والذي أدى إلى تعطل نحو نصف إمدادات البترول السعودية، ليس أمرًا مستبعدًا.
ربما لا يتضاعف سعر البترول الخام أربعة أضعاف، كما حدث في 1973 عندما فرضت الدول العربية حظراً على البترول رداً على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في حرب ذلك العام.
لكن إذا أطلقت إسرائيل وإيران الصواريخ على بعضهما البعض، فقد ترتفع أسعار البترول بشكل يتماشى مع ما حدث بعد غزو العراق للكويت في 1990، لكن أسعار البترول قد ترتفع إلى 150 دولار للبرميل مع نقطة انطلاق أعلى بكثير اليوم.
ربما لا تتمكن القدرة الإنتاجية الفائضة في السعودية والإمارات من إنقاذ الوضع إذا قررت إيران إغلاق مضيق هرمز، الذي يمر من خلاله خُمس إمدادات البترول العالمية اليومية.
سيكون هناك أيضًا تحول أكثر تطرفًا في العزوف عن المخاطرة في الأسواق المالية، وقد يمكن مقارنته بارتفاع قدره 16 نقطة في مؤشر “في.أي.إكس” خلال عام 1990.
وباستخدام هذه الأرقام، يتوقع نموذج “بلومبرج إيكونوميكس” انخفاضًا بمقدار 1% في النمو العالمي، مما يؤدي إلى انخفاض رقم النمو الخاص بعام 2024 إلى 1.7%.
من الصعب تحديد حالات الركود العالمي، خصوصا أن التوسع السريع لاقتصادات مثل الصين يعني أن الانكماشات الصريحة نادرة، لكن نسبة 1.7% ستلبي المعايير.
ومع استبعاد صدمات “كوفيد” والأزمة المالية العالمية، فإن هذا المعدل سيكون أيضًا أسوأ نمو منذ 1982، وهي الفترة التي رفع فيها بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لكبح التضخم الناتج عن صدمة البترول خلال فترة السبعينيات.
لا شك أن صدمة البترول الكبيرة هذه من شأنها عرقلة الجهود العالمية لكبح الأسعار، مما يترك التضخم العالمي عند 6.7% العام المقبل.
وفي الولايات المتحدة، سيظل هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% بعيد المنال، كما سيشكل البنزين باهظ الثمن عقبة أمام حملة إعادة انتخاب الرئيس جو بايدن.
مسار أكثر قتامة
لا تزال الاحتمالات تشير إلى احتواء الصراع، مع تكبد تكلفة باهظة في المعاناة الإنسانية لكن بتأثير اقتصادي وسوقي محدود.
وهناك شيء وحيد مؤكد هو أن الآمال في شرق أوسط أكثر استقرارًا أصبحت في حالة يرثى لها، إذ تظهر حرب روسيا على أوكرانيا والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتصاعد التوترات بشأن تايوان، أن الجغرافيا السياسية عادت كمحرك للنتائج الاقتصادية والسوقية، لكنها لم تنتهي أبدًا في الشرق الأوسط.