في ظل ارتفاع درجات الحرارة على مدى العقد الماضي، وما صاحبها من أحداث مناخية متطرفة وما يرتبط بها من خسائر وأضرار، أصبح النقاش حول من يجب أن يتحمل المسؤولية أكثر حدة.
تشير الدول الغنية في الشمال العالمي بأصابع الاتهام إلى الصين، التي تعد بالفعل قوة عظمى في مجال الطاقة والبلد الأكثر تلويثًا في العالم، فضلاً عن دول مثل إندونيسيا وماليزيا بسبب ممارسات إدارة الغابات التي غالبًا ما تترك أجزاء من جنوب شرق آسيا مغطاة بالضباب الدخاني الضار.
وفي المقابل، فإن دول الجنوب العالمي واضحة في أن الغالبية العظمى من تلوث المناخ حتى الآن كان سببها الدول الصناعية الشمالية، وأنها يجب أن تتحمل المسؤولية عن معالجة المشكلة.
والأمر الذي يخفف من جراحها حقيقة أن الدول الغنية جمعت ثرواتها من خلال استغلال مصادر الطاقة والموارد الطبيعية الموجودة في الجنوب العالمي، لكن يبدو الآن أنها تريد جعل هذه الموارد محظورة على البلدان النامية.
من المتوقع أن ينمو عدد من الاقتصادات الناشئة بشكل كبير خلال الأعوام السبعة المقبلة.
وتعد فيتنام مثالاً على ذلك، إذ يُتوقع ارتفاع ناتجها المحلي الإجمالي السنوي من 327 مليار دولار هذا العام إلى 760 مليار دولار بحلول عام 2030.
لا شك أن البلدان الآسيوية ستحتاج إلى الطاقة لتعزيز هذا التطور، لكن في ظل انحدار مستوى استخدام الفحم بشكل حتمي، تتجه العديد من الاقتصادات إلى الغاز الطبيعي المسال كوقود انتقالي مفضل.
شهد الطلب على الغاز الطبيعي المسال نمواً هائلاً في جميع أنحاء المنطقة، وأصبحت اليابان أكبر مستورد للوقود في العالم خلال العام الماضي، إذ استوردت ما قيمته 98.3 مليار متر مكعب.
تشير التوقعات إلى أن جنوب شرق آسيا سيتضاعف استخدامه للغاز الطبيعي المسال أربع مرات في غضون عشرة أعوام، وهذا من شأنه أن يرفع حصة المنطقة من الاستهلاك العالمي إلى 12%.
ويمكن أن يحترق الغاز الطبيعي المسال بشكل أنظف من الفحم، لكنه لا يزال مصدر طاقة كثيف الانبعاثات، لذا يتعين على الحكومات وضع خطاً رفيعاً بين الفرص الاقتصادية وحق المواطنين في مناخ صحي وآمن.
يذكر أن التوقعات ليست جيدة، إذ يُظهر تحليل أجرته مجموعة الأبحاث “كلايمت أكشن تراكر” أنه لا توجد دولة واحدة تسير على المسار الصحيح فيما يتعلق بمساهماتها في الحد من الاحتباس الحراري العالمي والذي ينبغي ألا يتجاوز 1.5 درجة مئوية.
وفي العموم، يتجه العالم نحو ارتفاع كارثي في درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية هذا القرن.
هذا الواقع يدعم الدافع الذي يقوده العديد من صناع السياسات للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، لكن البعض يزعمون أن التركيز لابد أن يكون على تكييف حرق الوقود الأحفوري مع استخدام تكنولوجيات احتجاز وتخزين ثاني أكسيد الكربون المنبعث.
في كلتا الحالتين، ثمة شيء واحد مؤكد، وهو أنه لن يكون من المجدي سياسياً أو على المستوى السمعي أو التجاري إطلاق ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري دون إتباع شكل من أشكال التخفيض، وهذا أمر ممكن تحقيقه بشكل أكثر مما يبدو بفضل الآلية القائمة منذ أكثر من 25 عامًا، وهي أسواق الكربون.
أنشئت أسواق الكربون لأول مرة كجزء من بروتوكول كيوتو لعام 1997، والتي تسمح للشركات بالتعويض عن انبعاثات الكربون التي لا تستطيع إزالتها بشكل مباشر من سلاسل القيمة الخاصة بها.
وبهذه الطريقة، تدفع الشركات تعويضات لكوكب الأرض عن الكربون الذي تستمر في إطلاقه أثناء عملها على إزالة الكربون من عملياتها.
هذا التعويض، والذي يأتي في هيئة أرصدة الكربون المشتراة، يتم توجيهه إلى المشاريع، والتي يقع المئات منها في مختلف أنحاء آسيا، التي أثبتت قدرتها على إزالة أو منع انبعاثات الكربون.
فعندما تشتري الشركة الائتمان، فإنه يصبح بمثابة تعويض للكربون.
بدأ تطبيق تعويض الكربون في الغاز الطبيعي المسال عام 2019 عندما استلمت شركتي “طوكيو غاز ” و “جي إس إنرجي” أولى الشحنات المحايدة للكربون من شركة “شل”، إذ جُمع الغاز مع الاعتمادات المتعلقة بمشاريع متعددة، كما تهدف إندونيسيا إلى إزالة أكبر قدر من ثاني أكسيد الكربون مثل ذلك الناتج خلال “دورة حياة” الشحنة.
وفي ظل الارتفاع المتوقع في الطلب على الغاز الطبيعي المسال وتزايد الضغوط لتعزيز العمل المناخي والطموح، فمن المرجح نمو الطلب على الغاز الطبيعي المسال، لأنه إذا كان سيُسوق للغاز بشكل موثوق كوقود انتقالي، فيجب تخفيف تأثيره المناخي.
ولا شك أن موازنة الانبعاثات الصادرة عن كل شحنة من الغاز الطبيعي المسال ستكون خطوة إيجابية في انتقال اقتصادات آسيا نحو مستقبل مستدام ومزدهر، ومن شأنها تخفيف الاحتكاك بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على سلامة المناخ.
تحقيق هذه الغاية سيتطلب مصدراً ملموساً بشكل أقل للطاقة لكنه لا يقل أهمية، ألا وهو الإبداع والبصيرة لدى زعماء السياسة ورجال الأعمال في آسيا.