الإنفاق الاستهلاكي سيتعزز من خلال تراجع التضخم بشكل أسرع واحتمالية خفض الفائدة
كشفت بيانات الناتج الاقتصادى، الأسوأ من المتوقع، معاناة المملكة المتحدة للهروب من فخ الركود الاقتصادي، مما ترك الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث لعام 2023 بالكاد فوق المستويات المسجلة نهاية العام الماضي.
لكن الأرقام الخاصة بالفترة السابقة لعيد الميلاد تشير إلى وجود بصيص أمل في بعض أجزاء الاقتصاد، خصوصا بين الأسر التي تشهد أخيرًا تراجعًا في معدلات التضخم الحادة.
صدرت هذه الأرقام بعد يوم من تصريح وزير المالية جيرمي هانت لصحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن عام 2024 هو “العام الذي نحتاج فيه للتخلص من تشاؤمنا حيال اقتصاد المملكة المتحدة”.
كيف كان أداء الاقتصاد البريطاني في 2023؟
ثمة كلمة واحدة تصف أداء الاقتصاد البريطاني وهي “ضعيف”.
فقد أشارت البيانات الرسمية المنقحة المنشورة يوم الجمعة، إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 0.1% في الربع الثالث، بعد عدم تسجيل أي نمو في الأشهر الثلاثة السابقة، فيما نما الناتج الاقتصادي بنسبة فاترة قدرها 0.3% في الربع الأول من العام.
على صعيد الإنفاق، تراجعت الأرقام بسبب حذر الأسر البريطانية، التي خفضت إنفاقها الحقيقي بنسبة 0.5% خلال الربع الثالث، حتى مع نمو الدخل المتاح بشكل طفيف، وهذا أدى إلى ارتفاع نسبة ادخار الأسر إلى 10.1%.
في الوقت نفسه، انخفض الاستثمار التجاري بنسبة 3.2%، أي أقل بقليل من التقدير السابق الصادر عن مكتب الإحصاءات الوطنية.
هذه الانخفاضات عوضت إلى حد ما من خلال زيادة الإنفاق الحكومي والتدفقات التجارية.
قالت إليزابيث مارتينز، من بنك “إتش.إس.بي.سي”، إنه “من الواضح أن اقتصاد المملكة المتحدة يعاني تحت وطأة التكاليف المرتفعة وارتفاع أسعار الفائدة، بجانب انخفاض الاستثمار في الأعمال التجارية، بعد ربعين سنويين جيدين، وهذا أمر مخيب للآمال بشكل خاص”.
يشير نمو الإنتاجية الضعيف إلى أنه من غير المرجح أن تشهد البلاد معدلات نمو قوية ومستدامة في أي وقت قريب، فقد ظلت الإنتاجية، التي تمثل في النهاية العامل المهم في ارتفاع مستويات المعيشة، ثابتة تقريبًا منذ 2007.
ماذا عن أحدث البيانات؟
انخفض الناتج الاقتصادي بنسبة 0.3% على أساس شهري في أكتوبر، مما يشير إلى أن المملكة المتحدة معرضة لخطر الركود الفني إذا كان هناك انكماش خلال الربع الرابع ككل.
ومع ذلك، فإن بعض الأرقام الأحدث تحكي قصة أكثر تشجيعًا، إذ قفزت مبيعات التجزئة أكثر من المتوقع بنسبة 1.3% بين أكتوبر ونوفمبر، وهي أسرع زيادة منذ يناير.
وقال توماس بوغ، الاقتصادي في “أر.أس.إم يو.كيه”، إن “حقيقة أن مبيعات التجزئة كانت قوية في جميع المجالات تتوافق مع العديد من الدراسات الاستقصائية، مما يشير إلى أن الاقتصاد استمر في تحقيق بعض النمو في الربع الأخير من العام”.
هل انخفاض التضخم عامل مساعد؟
لا شك أن تراجع التضخم يعد عاملا رئيسا بالنسبة لأولئك الذين يتوقعون أداء اقتصاديا أفضل في الأشهر المقبلة.
فقد انخفض التضخم أكثر من المتوقع إلى 3.9% خلال نوفمبر، وهو أدنى مستوى منذ سبتمبر 2021.
وفي ظل تراجع نمو الأسعار، أصبحت الأجور الآن في ارتفاع أكبر من معدل التضخم.
وفي الأشهر الثلاثة حتى أكتوبر، ارتفعت الأجور العادية الحقيقية بمعدل سنوي قدره 1.4%، ارتفاعاً من 1.3% في الأشهر الثلاثة حتى سبتمبر، علمًا بأن الأجور الحقيقية كانت تنخفض حتى يونيو.
يقول الاقتصاديون إنه إذا استمرت الدخول في الزيادة، فإن الأسر ستبدأ في النهاية في إنفاق المزيد.
ويتوقع كثيرون أن يستمر دعم الدخل من خلال توسيع الأجور الحقيقية وخفض وزير المالية هانت لسعر التأمين الوطني، والذي سيدخل حيز التنفيذ في يناير.
قال مارتن بيك، كبير المستشارين الاقتصاديين لشركة “إي.واي أيتم كلوب” الاستشارية، إن “الإنفاق الاستهلاكي سيتعزز من خلال تراجع التضخم بشكل أسرع من المتوقع واحتمالية خفض أسعار الفائدة في وقت أقرب وبشكل أكبر مما كان متوقعًا”.
ماذا عن أسعار الفائدة؟
يلعب بنك إنجلترا دوراً حاسماً في هذه القصة الاقتصادية.
فتكاليف الاقتراض المرتفعة، إذ يبلغ سعر الفائدة الرسمي 5.25%، تشكل تهديدًا رئيسيًا للآمال في انتعاش إنفاق الأسر.
لكن مع تراجع التضخم أكثر من المتوقع لشهرين متتاليين، ترجح الأسواق أن يبدأ البنك المركزي البريطاني في خفض أسعار الفائدة في النصف الأول من العام المقبل، مما يخفف الضغوط على حاملي الرهن العقاري.
يتوقع المستثمرون الآن أن يخفض بنك إنجلترا أسعار الفائدة من النسبة الحالية 5.25% إلى 3.75% بحلول نهاية 2024.
بدأت احتمالات خفض أسعار الفائدة الرسمية تظهر بالفعل في سوق الإسكان، فقد تراجعت أسعار الفائدة على صفقات الرهن العقاري الشهيرة عن أعلى مستوياتها منذ 15 عامًا منذ يونيو، مما خفف الضغط على الأسر التي تحتاج إلى إعادة رهن عقاري أو توقيع صفقات اقتراض جديدة.
وأسهم انخفاض معدلات الرهن العقاري في رفع الموافقات على الرهن العقاري إلى أعلى مستوى في ثلاثة أشهر في أكتوبر، وفقًا لبيانات بنك إنجلترا التي نشرت الشهر الماضي.
أفاد مكتب الإحصاءات الوطنية أن أسعار المنازل انخفضت بأسرع وتيرة سنوية منذ أكثر من عقد خلال أكتوبر، لكن الأرقام تستند إلى المعاملات التي ربما تم الاتفاق عليها قبل عدة أشهر ولن تعكس على الأرجح التحسن الأخير.
وفي الختام، قالت مارتينز، من بنك “إتش.إس.بي.سي”، إنه “مع انخفاض التضخم وتسهيل الأوضاع المالية، نأمل أن يكون العام الاقتصادي الجديد أكثر سعادة”.