هناك مجموعة جديدة من القوى الاقتصادية ستظهر بحلول 2050، إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها.
يريد رئيس وزراء الهند ناريندرا مودى أن يتجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى فى بلاده عتبة الدخل المرتفع التى حددها البنك الدولى قبل ثلاثة أعوام من ذلك التاريخ.
فيما يعتقد زعماء إندونيسيا، أن أمامهم حتى منتصف القرن “عندما تبدأ الشيخوخة السكانية فى إعاقة النمو” للحاق بالدول الغنية.
ويعد عام 2050 أيضًا النهاية المقررة لإصلاحات ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، الذى يريد فطم بلاده من الاعتماد على البترول وتحولها إلى اقتصاد متنوع، كما أن البلدان الأصغر الأخرى، مثل تشيلى وإثيوبيا وماليزيا، لديها خططها الخاصة.
هذه الخطط تختلف بشكل كبير، لكن هناك أمرًا واحدًا يجمع بينها، وهو الطموح المذهل.
يعتقد المسولون فى الهند، أن نمو الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 8% سنويًا سيكون مطلوبًا لتحقيق هدف مودى، أى 1.5% أكثر مما تمكنت البلاد من تحقيقه فى المتوسط خلال العقود الثلاثة الماضية.
وستحتاج إندونيسيا إلى نمو بنسبة 7% سنوياً، ارتفاعاً من متوسط 4.6% خلال نفس الفترة، كما سيتعين على الاقتصاد غير البترولى فى السعودية النمو بنسبة 9% سنوياً، ارتفاعاً من متوسط 2.8%، وبالرغم من أن 2023 كان عامًا جيدًا بالنسبة للثلاثة دول، لم يشهد أى منها نموًا بهذه الوتيرة.
لا توجد وصفة واضحة للنمو الجامح
لتعزيز الرخاء، عادةً ما يصف الاقتصاديون الإصلاحات من ذلك النوع الذى يقدمه صندوق النقد الدولى والبنك الدولى منذ الثمانينيات تحت عنوان “إجماع واشنطن”، ويعتمدون سياسات مالية رصينة وأسعار صرف ثابتة على نطاق واسع.
واليوم يحث التكنوقراط على قواعد منافسة أكثر مرونة وخصخصة الشركات المملوكة للدولة، حسب ما نقلته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية، ومع ذلك، فإن هذه المقترحات تهتم فى النهاية بإزالة الحواجز التى تحول دون النمو، بدلا من تعزيزه.
وطبقاً لحسابات ويليام إيسترلى، من جامعة نيويورك، فإنه حتى بين الدول الـ52 التى تبنت سياسات أكثر اتساقاً مع إجماع واشنطن، فإن نمو الناتج المحلى الإجمالى لم يتجاوز 2% سنوياً فى المتوسط فى الفترة من 1980 إلى 1998.
اقرأ أيضا .. “بترونت” الهندية تعتزم تمديد واردات الغاز المسال القطري لما بعد 2028
الهدف من ذلك يكمن فى تحقيق ذلك النوع من النمو السريع الذى تمكنت دول شرق آسيا من تحقيقه فى السبعينيات والثمانينيات، والتى لديها أقصى حد من القوى العاملة الكبيرة الرخيصة والمنخفضة المهارة فى ظل انتشار العولمة، وبالتالى احتلت اليابان أسواق السيارات، واحتلت كوريا الجنوبية قطاع الإلكترونيات، وسنغافورة قطاع الأدوية.
فقد بُنيت الصناعات خلف أسوار الحماية، التى قيدت الواردات، ثم ازدهرت عندما تم تشجيع التجارة مع بقية العالم، ثم جلبت الشركات الأجنبية لاحقًا المعرفة ورأس المال اللازم لإنتاج سلع أكثر تعقيدًا وربحية، مما أدى إلى زيادة الإنتاجية، إذاً لا غرابة أن يظل القادة فى مختلف أنحاء العالم النامى متحمسين للتصنيع.
ففى عام 2015، أعلن مودى عن خطط لزيادة حصة الصناعة فى الناتج المحلى الإجمالى الهندى من 16% إلى 25%، كما تأمل كمبوديا مضاعفة صادراتها من مصانعها، باستثناء الملابس، بحلول 2025، فيما تريد كينيا أن تسجل نموًا سنويًا قدره 15% فى قطاع التصنيع، لكن هناك عقبة، فقد أصبح تحفيز التصنيع أصعب مما كان عليه قبل 40 أو 50 عامًا.
كما أن التقدم التكنولوجى يعنى أن هناك حاجة إلى عدد أقل من العمال لإنتاج زوج من الجوارب مثلاً، وفى الهند، كان عدد العمال المطلوبين لتشغيل مصنع فى 2007 أقل بخمس مرات مما كان عليه فى 1980.
فى مختلف أنحاء العالم، تعتمد الصناعة الآن على المهارات ورأس المال، وهى موارد تتوفر بكثرة فى الدول الغنية، التى تعتمد على عمالة أقل، وهذا يعنى أن القوى العاملة الضخمة الرخيصة لم تعد تمهد الطريق بشكل كبير أمام التنمية الاقتصادية.
ولذلك فإن لدى مودى وآخرين خطة لعب جديدة، فهم يريدون التوجه نحو التصنيع المتطور، فلماذا تهتم بخياطة الجوارب بينما يمكنك التوجه إلى أشباه الموصلات؟.
هذا “الهوس غير العادى بتصحيح الأمور على الحدود التكنولوجية”، على حد تعبير مستشار سابق للحكومة الهندية، يؤدى فى بعض الأحيان إلى نزعة حمائية قديمة الطراز.
وربما تكون الشركات الهندية موضع ترحيب للبيع فى أى مكان، لكن مودى يريد أن يشترى الهنود المنتجات الهندية، فقد أُعلن عن حظر الاستيراد على كل شئ بدءًا من أجهزة الكمبيوتر المحمولة وحتى الأسلحة، لكن ليست كل النزعة الحمائية قديمة الطراز.
منذ تفشى المرض الأخير فى الهند، فى السبعينيات، حلت الإعانات والإعفاءات الضريبية فى الغالب محل حظر الاستيراد والترخيص.
فى ذلك الوقت، كان كل استثمار يتجاوز عتبة معينة يجب أن تتم الموافقة عليها من قبل موظف حكومى.
والآن يتلقى كبار المسئولين أوامر من مودى بجذب استثمارات بقيمة 100 مليار دولار سنويًا، وقد أعلن رئيس الوزراء أن إغراء شركات صناعة الرقائق هو من بين أهدافه الاقتصادية الرئيسية.
فى عام 2023، بلغت تكلفة هذا الدعم 45 مليار دولار، أو 1.2% من الناتج المحلى الإجمالى، ارتفاعًا من 8 مليارات دولار أو نحو ذلك عندما تم إطلاق المخطط فى 2020.
وعلى نحو مماثل، تقدم ماليزيا المنح للشركات التى تنشئ عمليات الحوسبة السحابية، وتساعد فى تغطية تكاليف المصانع المقامة فى البلاد، كما تبنى كينيا خمس مناطق صناعية معفاة من الضرائب، والتى ستكون جاهزة فى 2030، ولديها خطط لإنشاء 20 منطقة أخرى.








