مزيد من الشركات الكبيرة تكشف انخفاض إيراداتها رغم الأرباح الجيدة
طبقاً لرؤية حاكم البنك المركزي الهندي شاكتيكانتا داس، فإن الخطر الرئيسى الذي يواجه بلاده هو عدم الاستقرار المالي.
قال داس، في بيان السياسة النقدية للبنك الشهر الماضي: “لا يجب أن ننتظر اشتعال النيران ثم التصرف، بل يجب أن تكون الحكمة في جميع الأوقات هي الفلسفة التوجيهية، لكل من صُناع القوانين والكيانات الخاضعة للقوانين”.
في الواقع، يتضح من السياسات الأخيرة للبنك الاحتياطي الهندي أن الاستقرار المالي يمثل أولوية أكبر حاليًا من النمو الاقتصادي أو السيطرة على التضخم، وهي الركائز الأساسية المعتادة للبنوك المركزية الحديثة، على ما يبدو بسبب الشعور بأن التضخم تحت السيطرة والنمو ثابت.
المشكلة هي أن النهج الذي يتبعه داس، جُرب من قبل في الهند وكانت النتيجة كارثية، ففي ظل محاولته لاستباق الاضطرابات المالية من خلال أدوات السياسة القديمة، يعرض البنك المركزي الاقتصاد للخطر بشكل غير مقصود.
عندما تولى راغورام راجان، منصب محافظ بنك الاحتياطي الهندي في 2013، بدأ بقناعة تفيد أنه لا يمكن استعادة ثقة المستثمرين إلا من خلال التركيز الحازم على الاستقرار المالي .. لذلك حث البنوك لتحديد القروض المتعثرة.
على عكس توقعات راجان، تسببت هذه الحملة في انهيار ثقة القطاع الخاص في بنك الاحتياطي الهندي ، لأنها أدت إلى ارتفاع حالات إفلاس الشركات وتراجع رغبة البنوك في إصدار قروض جديدة.
بعد رحيل راجان في 2016، بلغ متوسط النمو الاقتصادي حوالي 5.5% فقط بين 2017 و2019، أي أقل بأكثر من 2% من معدل النمو السابق، كما انخفض الإنتاج الصناعي.
يظهر الاقتصاد مرة أخرى الآن علامات ضعف هيكلي.
رغم أن التشديد النقدي السريع كان فعالاً في خفض التضخم، فقد انخفضت رغبة الأسر في الاستهلاك.
والواقع أن مساهمة الاستهلاك في الناتج المحلي الإجمالي تتراجع، إذ انخفضت إلى 56.8 في الربع الثاني من أبريل إلى يونيو مقارنة بـ 59.3% في العام السابق، وهذه مسألة مثيرة للقلق لأن الهند في الأساس اقتصاد مدفوع بالطلب المحلي.
يستمر التضخم الأساسي، الذي يستثني الغذاء والوقود، في الانخفاض منذ يناير الماضي، مما يعني أن الطلب أقل من المتوقع، وهذا يشير إلى أن الأسر الهندية إما تفتقر إلى الثقة في مصادر دخلها المستقبلية أو تعتقد أن دخلها لن يكون كافياً لمواجهة الاحتمالات المستقبلية.
في الوقت نفسه، يتزايد الطلب على القروض الشخصية، فقد كان حجم القروض الشخصية الجديدة غير المضمونة أعلى بنسبة 27% في أكتوبر عن العام السابق.
جاء النمو في الغالب من القروض الصغيرة المقدمة من بنوك الظل ومصدري بطاقات الائتمان، وهذا يدل على ما يبدو على أن الأسر تكمل دخلها بالقروض، وبالتالي يشير إلى ضعف القدرة المالية.
طلب بنك الاحتياطي الهندي، في نوفمبر، من البنوك تخصيص زيادة بنسبة 25% من رأس المال للقروض الشخصية، وذلك خوفًا من أن يكون هذا الاقتراض غير مستدام، لكن تقييد رأسمال البنوك للتخفيف من المخاطر سيجعل إصدارها للقروض الشخصية أكثر تكلفة.
الريف الهندي لم ينج من الضغط أيضًا، إذ سجل القطاع الزراعي نموًا في الإنتاج بنسبة 1.2% بين شهري أبريل ويونيو، وهي أدنى زيادة منذ أعوام عديدة.
ويمكن ملاحظة ضعف الطلب في البيانات الصادرة عن جمعية مصنّعي السيارات الهندية، والتي تظهر أن مبيعات الجرارات والمعدات الزراعية انخفضت بنسبة 27% في نوفمبر عن العام السابق.
كما أسهمت ظاهرة أل نينو المناخية في خلق ظروف مناخية أكثر جفافاً من المعتاد داخل الهند، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي.
ومع ذلك، لا يزال أكثر من نصف الهنود يعتمدون على الزراعة في معيشتهم.
تتأثر الشركات الهندية بالضغوط أيضًا، وأبلغت مزيد من الشركات الكبيرة عن انخفاض إيراداتها رغم هوامش الربح الجيدة، وهذا قد يعني أن نمو الناتج الصناعي القوي يعزز المخزونات وليس المبيعات الفعلية.
في القطاع المالي، كانت البنوك التجارية تمرر زيادات أسعار الفائدة القياسية بسرعة إلى المقترضين، فيما اتسمت بالبطء في رفع أسعار الفائدة على الودائع، وهذا سمح لهم بتعزيز صافي هوامش الفائدة والأرباح.
ومع ذلك، تواصل البنوك شطب كميات كبيرة من القروض المتعثرة. فقد أوضح بنك الاحتياطي الهندي أن حوالي 24 مليار دولار من القروض صُنفت باعتبارها غير قابلة للاسترداد خلال العام المالي المنتهي في مارس الماضي.
لكن الغريب أن هذا المستوى المرتفع من الديون لا يبدو وكأنه يثير قلق البنك المركزي.
في الوقت نفسه، أدى التشديد السريع للسياسة النقدية إلى امتصاص السيولة من النظام المصرفي، إذ تتعرض البنوك الصغيرة لمخاطر متزايدة، بالنظر إلى ارتفاع أسعار الفائدة بين عشية وضحاها وسوق رأس المال المحلي.
من الواضح أن المقترضين والمصرفيين الذين يعانون ليسوا متفائلين على النحو الذي يوحي به الضجيج حول قصة النمو في الهند.
إحدى المشكلات هي أن بنك الاحتياطي الهندي لديه الكثير للعمل عليه، ويجب أن ينقل مسئولياته عن تنظيم البنوك التجارية إلى منظمة أخرى في أقرب وقت ممكن، وهذا سيتيح له التركيز بشكل أفضل على الأولويات الأساسية لإدارة التضخم والنمو الاقتصادي.
ثانيًا، يجب على بنك الاحتياطي الهندي والهيئات التنظيمية المالية الأخرى العمل معًا لتعزيز أسواق رأس المال في البلاد.
وأخيرًا، يجب على بنك الاحتياطي الهندي الامتناع عن تضييق الخناق بقوة على البراعم الاقتصادية الخضراء المرتبطة بثقة القطاع الخاص تحت مسمى الاستقرار المالي، فهذا غير مفيد بشكل واضح في الهند.
من المقبول تمامًا عمل بنك الاحتياطي الهندي كمرساة لاستقرار الاقتصاد، لكن ليس على حساب دوره الأكثر أهمية كعامل تمكيني وداعم للنمو الاقتصادي.
وفي ظل ارتفاع ديون الحكومة الهندية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، لا يوجد الكثير مما يمكن للقطاع العام القيام به، بل يجب أن يتولى القطاع الخاص زمام الأمور، لكن لكي يحدث ذلك، يجب على البنك المركزي تنظيم مزيج السياسات الصحيح بعناية.







