يعيش نحو 700 مليون شخص حول العالم على أقل من 2.15 دولار في اليوم، وهو خط الفقر الذي حدده البنك الدولي، لكن كيف يمكن سد الفجوة بين الدول الفقيرة والغنية؟
هذا السؤال شغل أجيالاً من كبار الاقتصاديين، بمن فيهم عالم الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل روبرت سولو الذي توفي في 21 ديسمبر الماضي.
يقول مايكل كريمر، من جامعة شيكاغو، وهو حائز آخر على جائزة نوبل، إن نموذجه للنمو “لا يزال ذي رؤية بعيدة المدى ووثيق الصلة بالموضوع”.
نشأ سولو في فترة الكساد الاقتصادي، ثم رأى الاقتصادات الأوروبية تنتعش سريعًا في العقد التالي للحرب العالمية الثانية.
وعلى حد تعبيره، فإن السؤال عن السبب وراء نمو بعض الدول بشكل أسرع من غيرها كان “محط اهتمام كبير”.
أصبح النموذج الذي كتبه أساسيًا، فلا يزال يُدرس حتى اليوم، وكانت تنبؤاته مذهلة.
لنبدأ ببلدين يتمتعان بمعدلات متماثلة على صعيد الادخار والنمو السكاني وإمكانية الوصول إلى التكنولوجيا، ثم لنفترض أن عوائد الاستثمار تنخفض كلما حصلت على مزيد منه.
وبالاستعانة بالقليل من علم الجبر، يمكن إثبات أن الدول التي تبدأ فقيرة لا بد أن تنمو بسرعة أكبر من نظيراتها الأكثر ثراءً، حسب ما أوضحته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
كان هذا “التقارب غير المشروط” فكرة رائعة ومتفائلة، لكنه كان أيضًا حقل ألغام إحصائيًا.
ويبدو أن إحدى الدراسات التي أجريت في 1986 وجدت أدلة في أوساط مجموعة مكونة من 16 دولة غنية، لكن كما يصف الاقتصادي ديبراج راي، سيكون من السهل اكتشاف التقارب إلى النجومية بين فريق كرة سلة كبير.
ولا شك أن استنتاج أن مجموعة عشوائية من الطامحين ستتجه نحو الطبقة العليا سيكون بمثابة قفزة هائلة.
دفعت معالجة الأرقام على نطاق أوسع الاقتصاديين للتخلي عن التقارب غير المشروط، فمن المحبط أن الدول الفقيرة على مدى قرون لم يكن من المرجح لها النمو بسرعة أكبر من الدول الأكثر ثراء.
ولم يصمد التقارب المشروط إلا عندما وضع في الاعتبار الاختلافات بين الدول، في عوامل مثل النمو السكاني أو معدلات الاستثمار.
ثم حدث شيء غير عادي، فقد بدأت الدول الفقيرة تشهد نموًا أعلى مقارنة بالدول الثرية، وأقل تقلبًا وأكثر استمرارًا في منتصف التسعينيات تقريبا.
هذا التوجه كان واسع النطاق، ولم يكن مدفوعًا من قبل أي دولة مثل الصين. فقد أطلقت إحدى الدراسات التي نشرت في 2021 على هذا الأمر اسم “العصر الجديد من التقارب غير المشروط”.
وجدت دراسة مختلفة نشرها كريمر وجاك ويليس، من جامعة كولومبيا، ويانج يو، من جامعة هونج كونج، في 2021 أن التغيير تزامن مع تزايد تشابه الدول في العديد من النواحي الأخرى أيضًا، مثل معدلات النمو السكاني والاستثمار وإنفاق الحكومات.
وبالرغم من أن مؤلفي الدراسة كانوا حريصين على الإشارة إلى عدم اتضاح ما الذي يسبب ماذا، فمن المحتمل أن السياسات المتشابهة على نحو متزايد ساعدت الدول الفقيرة على التقارب مع الدول الثرية.
ويقول ويليس إنه إذا اقتنعت بهذه الفكرة، فهذا سبب للتفاؤل.
لسوء الحظ، ربما يكون هذا العصر الذهبي الجديد قد انتهى بالفعل، إذ تؤكد أحدث البيانات الصادرة عن البنك الدولي أنه خلال عقد 2000، انخفض تشتت دخل الفرد عبر مجموعة متسقة من 204 دول.
لكن ابتداء من منتصف عقد 2010، استقر الوضع، وهو توجه عطله الوباء مؤقتًا.
وبقياس التقارب بشكل مختلف، في عقدي 2000 و2010، نمت الدول الفقيرة بشكل أسرع من الدول الأكثر ثراءً.
لكن ابتداء من 2015، لم يكن دخل الفرد مرتبطًا بشكل أساسي بالنمو حتى 2022.
وبين 2019 و2022، نمت الدول الفقيرة بشكل أبطأ من نظيراتها الثرية.
سيكون من المريح التشبث بالأمل في التقارب غير المشروط.
ولعل التوجهات الحديثة للغاية تتحدث عن غرابة كوفيد-19 أكثر من تحدثها عن حقبة جديدة.
وربما أدت الاستجابات المالية القوية من قبل الدول الثرية إلى تمكين التعافي بشكل أسرع، وهو تأثير سيتلاشى بمرور الوقت.
يشير جاريد روبين، من جامعة تشابمان، إلى وجهة نظر أكثر تشاؤمًا، وهي أن التقارب في أوائل عقد 2000 كان مجرد تحول لمرة واحدة للعمال إلى سوق العمل العالمية.
بعبارة أخرى، إنها ثمرة العولمة المتدلية.
ومن ناحية أخرى، تبدو مؤسسات كالبنك الدولي متشائمة بشأن التنمية، نظرًا لتغير المناخ وارتفاع أسعار الفائدة وضعف المؤسسات الديمقراطية.
عند مناقشة نظرية النمو، قال سولو ذات مرة إن “عدد الأسئلة المطروحة كان أكبر من الإجابات”.
ولا يزال ذلك صحيحًا، فنحن لا نعرف بالضبط كيف نضمن لحاق الدول الفقيرة بالدول الثرية؟ لكننا نعلم أنه لا يوجد شيء تلقائي في هذا الأمر.