لا يزال الصراع فى الشرق الأوسط متصاعداً بعد مرور ما يزيد قليلاً على 100 يوم من هجوم حماس على إسرائيل، الذى أشعل الحرب فى غزة.
وفى 11 يناير، بدأت أمريكا وبريطانيا، مهاجمة معاقل الحوثيين فى اليمن، بعد أشهر من الهجمات الصاروخية الحوثية على السفن فى البحر الأحمر.
وبعد خمسة أيام، أطلقت إسرائيل أكبر قصف مستهدف حتى الآن على لبنان، وكان هدفها هو حزب الله، الجماعة المسلحة المدعومة من إيران.
لا يزال تجنب نشوب حرب إقليمية شاملة ممكناً حتى الآن، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى عدم رغبة إيران أو أمريكا فى اندلاعها.
ومع ذلك، فإن العواقب الاقتصادية للصراع هائلة بالفعل. فقد أغلقت طرق التجارة، ما أدى إلى تعطيل الشحن العالمى وتدمير الاقتصادات المحلية.
كما تتعرض الصناعات الأكثر إنتاجية فى الشرق الأوسط لضربة قوية، وتهدد الصعوبات المتزايدة بإشعال المزيد من أعمال العنف فى لبنان والضفة الغربية.
إذا بدأنا بالتجارة، فقد أصبحت الطرق التى تنقل أكثر من نصف البضائع مغلقة حالياً، كما انهارت التجارة البينية الإقليمية.
فى الوقت نفسه، ارتفعت تكلفة شحن البضائع من الشرق الأوسط، ما سيؤدى إلى إغلاق العديد من شركات التصدير، التى تعمل بهوامش ربح ضئيلة للغاية، فى الأشهر المقبلة.
كانت 10% من جميع البضائع حول العالم تمر عبر البحر الأحمر، لكن منذ أن بدأ الحوثيون هجماتهم الصاروخية، انخفضت أحجام الشحن إلى 30% فقط من المستويات العادية.
وفى 16 يناير، أصبح عملاق البترول والغاز «شل» أحدث شركة متعددة الجنسيات تقول إنها ستتجنب البحر الأحمر.
تنطوى الضربات الصاروخية للحوثيين على عواقب أسوأ بكثير بالنسبة لبعض الدول المطلة على البحر الأحمر.
ويدعم اقتصاد إريتريا صادرات صيد الأسماك والزراعة والتعدين، التى تنتقل جميعها عبر البحر؛ بسبب العلاقات المتوترة مع جيرانها.
وبالنسبة للسودان المنكوب بالأزمة، يعد البحر الأحمر نقطة الدخول الوحيدة للمساعدات، ولم يصل أى منها تقريباً إلى 24.8 مليون شخص يحتاجون إليها منذ بدء الهجمات.
كذلك، يمكن أن تتأثر مصر مالياً؛ بسبب الاضطرابات المثارة فى الشرق الأوسط، خاصة أن البحر الأحمر يعد مصدراً حيوياً للدولار بالنسبة لسكانه البالغ عددهم 110 ملايين نسمة، إذ حققت الحكومة مكاسب 9.4 مليار دولار العام المالى الماضى (يوليو 2022 ـ يونيو 2023) من رسوم عبور قناة السويس، التى تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر.
وربما تشتد الأزمة فى 2024. إذ انخفض دخل مصر من قناة السويس منذ بداية العام حتى الآن بنسبة 40% عما كان عليه فى مثل هذا الوقت من العام الماضى، ما يعرضها لمخاطر انخفاض النقد الأجنبى.
كما ضربت الصراعات أكثر الصناعات الواعدة فى الشرق الأوسط.
وفى الوقت نفسه، يعانى الأردن انخفاض السياحة، التى تشكل عادة 15% من الناتج المحلى الإجمالى للبلاد، وانخفض عدد الوافدين الدوليين بنسبة 54% فى الأسابيع التالية لهجمات حماس. وهذه المعاناة تشبه معاناة مثيلاتها من الدول فى جميع أنحاء المنطقة، فحتى دول الخليج شهدت انخفاضاً فى أعداد السياح.
مع ذلك، فإنَّ العواقب الاقتصادية الأكثر خطورة للحرب قد تتمثل فى الصعوبات التى يواجهها السكان فى لبنان والضفة الغربية، وهما قنبلتان موقوتتان قد تنفجران بسهولة وتثيران عنفاً أكثر.
ولا شك إن الإصلاحات ستكون باهظة الثمن، لكن لن تكون هناك أموال للإصلاح، فقد كان لدى لبنان حكومة صورية منذ تخلفه عن السداد فى 2019، ثم تسارع سقوطه الاقتصادى فى الأشهر الأخيرة مع تزايد خروج السياح الأجانب والبنوك الأجنبية، التى تشكل مجتمعة 70% من الناتج المحلى الإجمالى، من البلاد بناءً على نصيحة حكوماتهم.
الأمور ليست أفضل فى الضفة الغربية، فهناك 200 ألف عامل فى المصانع، من بين سكانها البالغ عددهم 3.1 مليون نسمة، الذين اعتادوا التنقل إلى إسرائيل يومياً، لكنهم أصبحوا عاطلين عن العمل بعد إلغاء إسرائيل لتصاريح عملهم.
وفى الوقت نفسه، لم يحصل 160 ألف موظف حكومى على رواتبهم منذ بدء الحرب.
ولطالما عانت العديد من اقتصادات الشرق الأوسط من وقوفها على حافة الهاوية، وربما تسقط بالفعل جراء الحرب التى تخوضها إسرائيل ضد حماس.
واتخذت حكومات تلك الاقتصادات، إجراءات ضعيفة لتغطية نفقاتهم، علاوة على موازنة عمليات الإنقاذ من دول الخليج، والمنح من أمريكا والقروض باهظة الثمن قصيرة الأجل.
ولا شك أن خطر انهيار كل ذلك مرتفع بشكل مثير للقلق.
لم يواجه بقية الاقتصاد العالمى حتى الآن سوى قليل من التكاليف الناجمة عن الصراع.
وظلت أسعار البترول هادئة نسبياً، باستثناء الارتفاع الذى شهدته فى أوائل يناير، وربما تكون التأثيرات على النمو العالمى والتضخم ضئيلة.
لكن إذا انزلق جزء كبير من الشرق الأوسط إلى أزمة ديون، فإن كل ذلك قد يتغير، وبسرعة، ومن شأنه التأثير على السكان من الشباب والحضريين والعاطلين عن العمل بشكل متزايد.
وهذه قد تكون بداية لسياسات أكثر تطرفاً فى مجموعة كبيرة من الدول ذات الأهمية الاستراتيجية والمتقلبة بشكل مزمن، كما سيتردد صدى العواقب فى جميع أنحاء العالم.