موجات من التضخم بسبب تراجع الفيضان وانهيار قيمة العملة
تعيش مصر أزمة اقتصادية منذ نحو عامين مظهرها الأساسى اختلال سعر العملة وارتفاع التضخم لمستويات تاريخية، وهى أزمة مشابهة لما كانت عليه الأمور فى العامين 2015 و2016، ومن قبلهما فى 2003، وتكرار للأوضاع فى عقد الثمانينيات من القرن الماضى.
وقد يعتقد البعض أن هذا النوع من الأزمات المرتبط بالتضخم وانهيار سعر العملة وليد العصر الحديث أو أنه من الأزمات المستجدة، لكن مصر صاحبة التاريخ الطويل والمشهور بين حضارات العالم القديم لها تاريخ طويل أيضًا مع هذا النوع من الأزمات، والتى كانت تتراوح بين الاعتدال والشدة التى تصل إلى حد المجاعة.
وعلى مدار القرون لعب انتظام فيضان النيل وقرارات الحكام والإجراءات الإدارية دور البطولة فى التمهيد للأزمات الاقتصادية وإطلاقها، والقضاء عليها أيضًا.
انخفاض منسوب النيل يسبب أزمة اقتصادية فى عهد الدولة الإخشيدية
قال تقى الدين المقريزى فى كتابه إغاثة الأمة بكشف الغمة، إنه فى عهد أونجور بن الإخشيد فى زمن الدولة الإخشيدية عام 954، تراجع منسوب النيل مما تسبب فى تلف المحاصيل، فتعاظمت الأسعار فى شهر رمضان وحدث تضخم كبير فى أسعار الأغذية.
تابع المقريزى، أنه فى عهد على بن الإخشيد عام 963، بيع ما كان بدينار واحد بثلاثة، وتضخم أسعار القمح، فكان الويبتان “64 كيلوجرام” من القمح بدينار كامل.
وتابعت الأوضاع الاقتصادية بالتدهور بسبب انخفاض منسوب النيل وكثرة الاضطرابات حتى عام 966، وصل سعر ويبة القمح “32 كيلوجرام” بدينار.
تعزيز الرقابة للسيطرة على ارتفاع التضخم
وذكر أن الأزمة الاقتصادية تم حلها بسبب ارسال المعز لدين الله الفاطمى عساكره من المغرب ودخل جوهر بن عبد الله الرومى إلى القاهرة وجمع سماسرة الغلات فى مكان واحد ووحد الأسعار وزادت الرقابة وفرضت عقوبات على السماسرة وحلت الأزمة عام 972.
كيف أفقد الفاطميون العملة الذهبية قيمتها؟
طبقاً لكتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء للمقريزى، أصر الخليفة المعز لدين الله الفاطمى حين قدم مصر على ألا يقبض الخراج إلا بالدينار المعزى، فانحطت قيمته، رغم أنه كان أكثر وزن وأشد نقاوة في عيار الذهب، وأدى هذا الإجراء لسحب العملة القديمة وبيعها بأقل من قيمتها، وهكذا جنت الخلافة الفاطمية مزيدًا من الأموال، وضمنت نجاح تحول النظام النقدي من عملة لأخرى مع ضمان هيمنة عملتها الجديدة لتودع مصر آخر عملة ذهبية في العصر العباسي.
السوق السوداء فى عهد الفاطميين
أضاف المقريزى أنه فى زمن الحاكم بأمر الله عام 997 ميلادية، بدأت بوادر أزمة اقتصادية جديدة بسبب انخفاض منسوب النيل، فوصل سعر الخبز أربعة أرطال “1.8 كيلو” بدرهم.
ويمكن أن نشبه ما حدث فى عام 1005، بالسوق السوداء حالياً، قال المقريزى إن الدنانير ندرت فى تلك الفترة، وبدأ الناس يبيعونها بأعلى الأسعار بـ”نظام المزايدة”، فزاد سعر الدينار إلى 26 درهما وتابع الزيادة حتى وصل إلى 34 درهم عام 1007، وتم حل الأزمة بعد أن أمر الحاكم بإنزال 20 صندوقاً من بيت المال، وتم توحيد سعر صرف الدراهم، فتم صك درهم جديد بسعر أربع “دراهم مزايدة”، وعاد يصرف الدينار بـ18 درهم.
وتابع: “أمر الحاكم أن يباع 5.44 كيلوجرام من الخبز بدرهم جديد واحد”.
ثم ارتفعت الأسعار من جديد، فجمع الحاكم الغلال والطحانين والخبازين، وجمع كل الغلال وأمر ألا تباع للطحانين لمنع الاحتكار والتخزين، وتم تسعيرها من الحاكم، فبيع الكيس الكبير من القمح بدينار، وفرضت عقوبات على المغالين.
وذكر أنه بعد أن كثر الخبز بين الناس وكان سعره فى متناول اليد، بدأ بالنفاذ من السوق من جديد، وزاد سعر كيس الدقيق إلى دينار ونصف، و 2.72 كيلوجرام من الخبز بدرهم.
وتابعت الأسعار بالتضخم، حتى وصل كيس الدقيق الكبير 6 دنانير، وكيس القمح بـ 4 دنانير، والأرز الـ 36 كيلوجرام بدينار واحد، ولحم البقر 0.68 كيلو بدرهم، ولحم الضأن 0.45 كيلوجرام بدرهم، والبصل ارتفع سعره فوصل 4.5 كيلو بدرهم.
وحلت المشكلة حين فرض الحاكم عقوبات على من يجد فى منزله قمح مخزن، وأمر بإرسالها إلى قصره ليتم توزيعها، فوزع القمح وشبع الناس وحلت الأزمة.
وظهرت أزمة “عرض وطلب” فى زمن الخليفة المستنصر، فقال المقريزى إنه فى عهد الخليفة المستنصر، انخفض منسوب النيل من جديد عام 1053 ميلادية، ونضب مخزون الدولة من الغلات، فكان يرفع الخبازين سعر الخبز بسبب ندرته، فوضع الخبازين الأربعة أرطال من “1.8 كيلو” الخبز بدرهم وقليل.
وذكر أنه تم حل الأزمة حين تم تغريم عريف الخبازين وصرفه من العرافة، فباع بعض التجار الـ 2.27 كيلو خبز بدرهم فباع الكل مثله خوفا من فساد بضاعتهم، ثم بيع الـ 2.72 كيلو خبز بدرهم، حتى وصل 4.5 كيلو بدرهم.
وأضاف أنه فى زمن الخليفة الفاطمى الثانى المعروف بالمستنصر بالله وقعت أزمة اقتصادية طاحنة، ووصل سعر رغيف الخبز بـ 15 دينارا، وسعر الـ 150 كيلو قمح بـ 80 دينارا، ولم تحل الأزمة الاقتصادية حتى تم حل أزمة احتكار الغلة، ووزع التجار والطحانين الخبز المحتكر، وتم تعمير السوق ورخصت الأسعار، وانخفض سعر الـ 1.8 كيلو خبز بدرهم، ثم الـ 3.6 كيلو خبز بدرهم.
وأشار إلى أن الأزمات الاقتصادية اشتدت فى زمن الفاطميين، حيث كانت أكثر الفترات التي عانت فيها مصر من أزمات اقتصادية، فبعد الأزمة فى زمن المستنصر بالله, جاءت أزمة اقتصادية فى زمن الخليفة الآمر بأحكام الله، وتلاه غلاء آخر في زمن الحافظ لدين الله وآخر في زمن الفائز بنصر الله.
الدولة الأيوبية
يمكن تشبيه الهجرة إلى المحافظات الجاذبة للسكان وازدياد الازدحام فيها وقلة الموارد الاقتصادية مقارنة بأعداد الأشخاص بالأزمة التى حدثت فى فترة حكم أبو بكر بن أيوب.
استرسل المقريزى فى كتابه، أن أول الأزمات الاقتصادية فى حكم الأيوبيين كانت فى عام 1200 أثناء حكم أبو بكر بن أيوب وكان بسبب انخفاض منسوب النيل وتزاحم الناس فى القاهرة هرباً من الجوع فى القرى.
وأضاف أن رأس البقرة بيع بـ 70 دينار، واردب القمح بـ 80 دينارا، وحلت الأزمة الاقتصادية بعد ثلاث سنوات حين وزع أرباب المال القوت على الفقراء، وبيعت الدجاجة بـ 2.5 دينار، وبيع 0.45 كيلو الخبز بدرهم ونصف ومرت الأزمة.
الدولة المملوكية
ويمكن تشبيه أزمة “زيادة الإنفاق” و”قلة المال” الحالية بنفس الوضع فى عهد السلطان المملوكى العادل كتبغا.
قال المقريزى إن الدولة المملوكية لم تسلم من الأزمات الاقتصادية، ففى عام 1296، أثناء عهد السلطان العادل كتبغا، جف المطر فى البلاد بين الإسكندرية وليبيا، وحلت أزمة اقتصادية بسبب قلة المواد الغذائية.
وأضاف أن الأسعار زادت بشدة، حتى وصل سعر 150 كيلو قمح بـ 100 درهم، والشعير بـ 60 درهم، والفول بـ 50 درهم، واللحم بـ 3 دراهم، ورجع السبب إلى قلة الأموال فى البلد وزيادة الإنفاق، وزادت أسعار البضائع وتضخمت أسعارها على الناس.
وذكر أن الناس كانوا يطمحون إلى الحصاد القادم لتخفيف حدة الأزمة، فحلت آفة أفسدت المحصول، وزاد سعر السكر والعسل، وبيعت الدجاجة بـ 30 درهم، والبطيخة بـ 40 درهم، والبيض كل ثلاث بيضات بدرهم، وزاد سعر القمح حتى وصل الـ 150 كيلو بـ 190 درهم، والفول والعدس إلى 120 درهم للـ 150 كيلو.
“فيتش سوليوشنز”: صندوق النقد قد يتخلى عن شرط تعويم الجنيه
وتابع أن أسعار الفاكهة تضاعفت أربع مرات، وتم حل الأزمة الاقتصادية حين وزع الأمراء الطعام والمخزون على الشعب، وتضخمت قبلها أسعار الأدوية بسبب تفشى الأمراض، فكان يبيع العطار فى اليوم الواحد 32 ألف درهم دواء.
وفسر أن من الأسباب الجوهرية لحل الأزمة أن فخر الدين الطنبغا فتح مزارع الفول للعامة ليأكلوا منها، وبدأت الأزمة تنحل حتى باع التجار الـ 90 طن قمح بنفس سعر الـ 22.5 طن.
ومن أسباب الأزمة الاقتصادية آنذاك، هو زيادة الضرائب من الولاة والمحتسبين والقضاة، وبدأ الناس يعبثون فى وزن النقود وقلت أسعارها.
ووقعت أزمة اقتصادية أخرى فى عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وتم حلها بسبب دعم السلطان شهر للناس، وتركهم شهر. حتى خفت الأزمة واستقرت الأسعار.
الدولة العثمانية
قال جرجى زيدان فى كتابه مصر العثمانية واصفاً حالها حين حضر سليم الأول، أول سلاطين العثمانين فى مصر بعد عهد قنصوه الغورى، إن مصر كانت فى غاية الاضطراب، وانخفضت قيمة العملة حتى تحولت من ذهب إلى نحاس وفضة ورصاص.
وتابع أنه تم تسليم دار الضرب إلى شخص يسمى جمال الدين، فعبث بأموال الدولة، وصك الكثير من العملات حتى لم يصبح لها قيمة، ثم شُنق وتولى مكانه يعقوب اليهودى، فاتخذ نفس النهج حتى مات.
وذكر أن يعقوب اليهودى كان يفرض على الأغنياء من بلاد الشام وحلب أضعاف الضرائب الذى يأخذها من المصريين، فضعف الإقبال على مصر، وبدأ الأغنياء يرحلون منها من ظلم النواب.
وكان يفرض على تجار الهند عشرة أضعاف ما يفرضه على التجار العاديين، فامتنع التجار عن التجارة فى مصر، وقلت الأصناف التى تدخل إلى مصر كالأرز، وفرض ضريبة على كل كيلو من القمح من البائع والمشترى، وكذلك على البطيخ والرمان.
وأخذ نقود من يعقوب المستمسك بالله أحد خلفاء الدولة العباسية فى القاهرة، حتى دخل دار الضرب فى جملة من الديون.
وأضاف أن يعقوب اليهودى سجن الكثير من الأشخاص بسبب المال، وزادت الضرائب حتى طالت جميع العمال، حتى جمع الكثير من الأموال.
وتابع : كان يعقوب اليهودى يصرف تلك الأموال على عمائر ليس بها نفع للناس ويزخرف الحيطان والسقوف بالذهب.
ذكر زيدان أنه فى فترة حكم أحمد باشا، زادت صناعة النحاس كثيراً، وأنشأ السلطان معامل وكرس كثير من العمال لتلك الصناعة، وصدر النحاس إلى السودان وباقى بلاد أفريقيا، وأجبر المصريين على دفع ضريبة ثمن صناعة النحاس، فقلت النقود فى الدولة.
وفسر أن تلك الضريبة كانت “ثقلاً كبيراً” على كاهل المصريين، مما سبب قلة النقود فى البلاد، وتضخمت أسعار الحبوب والمأكولات.
أزمات العثمانيين
لدى مصر تاريخ طويل من مشكلات سعر الصرف، وإن كانت الأمور فى العصر الحديث مرتبطة بالدولار إلا أنها كانت مرتبطة بالعملات الذهبية فى العصور السابقة.
ويقول جرجى زيدان فى كتابه مصر العثمانية، إن المعاملة فى مصر عند الفتح الإسلامى كانت بالدرهم وكان من الفضة، والدينار من الذهب، فكان يصرف الدينار بـ 10 دراهم، حتى كثرت الفضة وأصبح يصرف بـ 12 درهم فى أيام بنى أمية.
وتابع أنه أصبح بـ 15 درهم أوائل أيام بنى العباس، ثم 20 درهم وواصل الارتفاع حتى كان 30 درهم.
ودخلت الكثير من النقود البلاد الإسلامية وانتشرت عملات جديدة كالـ”بندقى”، والـ”بنتو”، والإفرنجة والمصرى وكلها من الذهب بالإضافة إلى الأنصاف الفضية.
وأضاف أنه كانت هناك نقود فضية تعرف بالدراهم وتستخدم للمبيعات الصغرى وتقدر أسعارها بأسعار العملات الأجنبية أو الدينار.
كان الدينار فى نهاية القرن الثانى عشر الهجرى يساوى 110 من عملة الأنصاف، والبندقى يساوى 225 نصف، والبنتو 400 نصف، وكانت الأنصاف تقل قيمتها بتوالى الأعوام مع ثبات قيمة الذهب.
واستخدم المصريون الكثير من العملات، وكانت “الأنصاف” من العملات الشائعة والتى يشترى بها المصريين السلع فى تلك الفترة.
وذكر أن عام 809 هجريا كان الدينار يساوى 110 نصف، وبعد عشر سنوات أصبح الدينار بـ 150 نصف، وكانت الأسعار تتضخم بمرور السنوات، وأرجع زيدان السبب إلى غش النقود الفضية، فكانت تقل قيمتها وترتفع أسعار البضائع.
وتابع أن سعر العملات الذهبية كان ثابتة، ولم ترتفع إلا عند التعامل بالعملة الفضية كالأنصاف، وكان يلجأ الأغنياء إلى تبديل نقودهم بالعملات الذهبية.
فى عهد محمد على باشا، شاع استعمال القرش، وكان القرش سنة 1815 يساوى 40 نصف، وبتوالى الأعوام قل سعر القرش وأصبح مع الوقت يشبه النصف.
وأشار زيدان إلى أن سعر القرش انخفض إلى النصف تقريبا أمام الجنيه المصرى الذهبى، وإلى الربع أمام الجنيه الإفرنجى.
خفض العملة
وأضاف أن الحكومة المصرية عام 1870 أصدرت تعريفة جديدة للنقود، وجعلت المعاملة بها، فكان قيمة الجنيه الإفرنجى 199 قرشا، فجعلته الحكومة 99.5 قرش، وكان سعر الجنيه المصرى 202 قرش، فحعلته الحكومة 101.5 قرش.
وقال محمد فهمى لهيطة فى كتابه تاريخ مصر الاقتصادي في العصور الحديثة، إن سلاطين المماليك لم يكونوا يهتمون بسك النقود، وكانت تتعرض العملة للغش حتى فى دار السك، وزاد اختلال النقود فى زمن السلطان الغورى.
وأرجع سبب اضطراب الأسواق وضياع الفائدة من عمليات البيع والشراء إلى عدم ثبات قيم العملات، وفى بداية الحكم العثمانى، تم إلغاء بعض العملات المسكوكة من الفضة والنحاس، واستبدلت بالنقود العثمانية.
وأضاف أن النقود تم تعديلها 24 مرة فى حكم أول الولاة العثمانيين، وكان الشغل الشاغل لهم هو المكسب لبيت المال.
كانت العملة المصرية مرتبطة بالعملة التركية وتسعر بها، وتتأثر بتأثرها.
وتم تقسيم الدينار فى وقت دخول العثمانيين إلى 10 دراهم فضة، وأدخلوا عملة جديدة وهى البندقى واستبدلت الدينار، وظهرت عملة “الميدى”، وتساوى نصف درهم، وتم تسميتها “بارة” والبارة تساوى 40 قرشا.
فوضى التبادل التجارى والعملات الأجنبية
وتابع أنه كثر الاضطراب وكان من الصعب تحديد سعر المبادلة الخارجية وقيمة النقود المصرية إلى الأجنبية، ومع تلك الفوضى، كانت تتداول فى السوق المصرية عملات كثيرة كالبندقى، وأبوكلب، وأبوطاقة، والريال الهولندى، والريال الأسبانى.
وذكر أنه تم تحديد سعر الفرنك من 28 إلى 35 نصف فضة.
وفى عهد محمد على، كانت العملة المتداولة فى السوق المصرية خليط من العملة التركية والمصرية، وكانت أسعارها ترتفع وتهبط، مما أجبر الحكومة على إعادة تسعيرها.
ربط العملات المصرية بعملات الأستانة.. واحتكار سك النقود
وأضاف الكتاب، أنه فى بداية حكم محمد على، صدر فرمان يمنع فصل قيمة العملات عن نظيرتها فى الأستانة، وكان سعر البندقى الذهبى 8 قروش، والمحبوب اسلامبولى 7 قروش، والمحبوب المصرى بـ 5 قروش، والقرش بـ 40 بارة.
ولم تستقر تلك التسعيرة، وأصدرت الحكومة عدد من التسعيرات الأخرى والتى أدت إلى اضطراب سوق العملات، واستمر الاضطراب حتى عام 1834، حين صدر نظام المعدنين، وهو أن تسك العملة من الذهب والفضة، ويسدد الدين بها.
وتابع أن الحكومة وضعت أوزان ونسب فى كل عملة مقابل الذهب والفضة، واحتكرت سك النقود.
وأضاف أن العملات الأجنبية شاعت فى السوق بسبب التبادل التجارى والعلاقات التجارية الخارجية، ولكن لم تكن النقود المتداولة متناسبة مع النمو الاقتصادى فى عهد محمد على، حيث أن سياسة الاحتكار التى اتبعها قللت من قيمة النقود بشكل كبير.
ضريبة الثروة على طريقة إسماعيل باشا
فى كتاب عجائب الآثار فى التراجم والأخبار، لعبد الرحمن الجبرتى، قال إن منسوب النيل تراجع فى عام 1695 فى زمن على باشا، مما سبب فى عدد من الأحداث أدت إلى وصول اردب القمح بـ600 نصف فضة، والشعير بـ 300 نصف فضة، والفول بـ 450 نصف فضة، والأرز بـ 800 نصف فضة واختفى العدس من الأسواق.
وتابع أنه تم حل الأزمة بعد أن تم عزل على باشا وتولى إسماعيل باشا، فجمع الفقراء ووزعهم على الأعيان والأغنياء وعلى من يقدر أن يعيلهم، فوفروا الطعام لهم يومياً حتى انقضى الغلاء.
وذكر أنه فى عام 1697، جمع الوالى الأمراء، وأمر أن يكون عيار الذهب 22 قيراطا، وسعر العملات وثبت أسعارها.
شاهد: “عين على البورصة”.. تأثير رفع الفائدة 2% على سوق المال والتضخم والجنيه
فى عام 1705، انخفض منسوب النيل، فحدثت أزمة اقتصادية فى البلاد فى عهد رامى محمد باشا، فبلغ سعر كيلو اللحم الضأن بـ 3 أنصاف فضة، والجاموسى والبقرى بنصف فضة، والثلاثة بيضات بنصف فضة، وانتشر الفقر آنذاك فى أنحاء البلاد.
وأضاف الجبرتى أن التجارة مع الهند واليمن انقطعت فى عام 1707، فقل القماش الهندى وزادت أسعار البن المستورد، حتى بلغ سعر الكيلو 27.5 نصف فضة، وغلا الشاش، فكان سعر خامة الشاش “الفرحات خان” بـ 400 نسف فضة، و”الخنكارى” بـ 700 نصف.
وفى عهد محمد بيك، قام بعمل منشور ليسعر به بعض المنتجات، ومنع بيع الحيوانات والقهوة للخارج حتى تتوفر فى الأسواق وتنخفض أسعارها، وأرسلوا قائمة التسعير للأقاليم وينادى بها فى الأسواق، فلم يفعل بها التجار وقالوا “لابد من إجراء قائمتنا وإبطال المظالم”.
توقف الاستثمارات خشية بطش الاحتلال
وقال محمد فهمي لهيطة، فى كتابه تاريخ مصر الاقتصادى فى العصور الحديثة، لهيطة، إن البلاد فى طوال مدة الحملة الفرنسية كانت فى حالة حرب وثورات، وكان الناس يخافون من استثمار أموالهم، خوفا من أن يستولى على الأرباح من هو أقوى منهم وكان ذلك من أسباب اضطراب الاقتصاد وقتها.
وأثناء محاصرة الأسطول الإنجليزي سواحل مصر، انقطعت التجارة الخارجية تماماً، وكان لها جزء كبير من اقتصاد مصر، وتأثر الإنتاج المحلى، وتعذر تصريف الفائض من الأهالى إلى الخارج لتوفير النقود.
ووصف أن الحالة الاقتصادية كانت أسوأ من ما كانت عليها فى أيام المماليك، ولم تجد جهود الفرنسيين وأنظمتهم فى تحسين المناخ الاقتصادى.
وأشار إلى أن الاقتصاد عانى من ركود فى عهد الحملة الفرنسية، وبالرغم من ذلك، تغير نظام الاقتصاد كثيرا، واستعان محمد على بدراسات الحملة، واستعمل أساليبها، ونفذ مشاريع رى جديدة وكانت أساساً لتغيير أساليب الصناعة بإقامة مصانع كبيرة وشركات وتنظيم الأسواق المحلية.
هل نجحت محاولات الاستقلال الاقتصادى فى مصر الحديثة؟
وقال لهيطة إن سياسة محمد على الاقتصادية كانت مبنية على تحقيق الاستقلال الاقتصادى، واتباع مذهب الاشتراكية الحكومية او نظام الاحتكار فى تنفيذ مشروع الاستقلال الاقتصادى.
وفسر أن محمد على كان يرغب فى أن تعتمد مصر على نفسها فى الإنتاج الصناعى والزراعى والتجارى وألا تلجأ إلى البلاد الأجنبية إلا فى الضرورة القصوى.
واعتمد على زيادة الإنتاج فى كل النشاطات، لكن كانت مصر دولة زراعية فى الأساس، وتم اعتماد الزراعة كأكثر الحرف ملاءمة لدفع الاستقلال الاقتصادى بجانب الصناعة والتجارة، حيث أنشأ مصانع كبيرة على النهج الأوروبى، وأسطول عملاق لتنشيط حركة التجارة.
وتابع أنه فى عهد محمد على، ازدهرت الزراعة بسبب عدد من النشاطات كإغلاق سد أبوقير، وإنشاء سد ترعة الفرعونية، وحفر ترعة المحمودية، بالإضافى إلى 20 ترعة وعدد من الجسور، والقناطر الخيرية، وكانت القناطر تقفل أثناء انخفاض النيل، وتوفر مياه لباقى الأراضى.
وأوضح أن محمد على قام بتسعير المحاصيل والمواد، وتتغير الأسعار تبعاً لحاجة الحكومة إلى المال، وكان من الملحوظ أن أسعار الشراء من الحكومة نصف أسعار البيع للحكومة، وكانت بسبب السياسة التى تتبعها الحكومة لتطبيق التوجيه الاقتصادى.
وذكر لهيطة أن نظام الاحتكار لم يكن ناجحاً تماماً، لأنه قلل من الإنتاج، لأن الفلاح لا يملك الحق فى زراعة المحاصيل التى يريدها أو التصرف فى بيعها، وكانت الحكومة تتعسف فى فرض الضرائب وجمعها، مما أدى إلى إرهاق الفلاحين وانخفاض مستوى معيشتهم.
وتابع: كان من مزايا الاحتكار أنه أدخل محاصيل جديدة وتوسع فيها كالقطن والنيلة والأفيون والأشجار المختلفة.