تلغى الصين سلسلة من مشروعات البنية التحتية فى المناطق المثقلة بالديون فى وقت تكافح فيه للتوفيق بين الحاجة إلى توفير المال وهدف النمو الاقتصادى لهذا العام.
وأمرت بكين عشرات المناطق المثقلة بالديون، وكثير منها أقل نموًا وبعيدة عن الساحل، بالحد من الإنفاق على البنية التحتية بينما تحاول التخلص من فورة الاستثمار المستمرة منذ عقد، والتى يعتقد الكثيرون أنها غير مستدامة.
لكن المحللون يقولون، إن حملة التقشف قد تزيد من صعوبة تحقيق هدف النمو السنوى الطموح البالغ 5% الذى حدده رئيس مجلس الدولة لى تشيانج خلال الجلسات السياسية التى عقدت فى الصين هذا الشهر، مع ما يترتب على ذلك من آثار بعيدة المدى محتملة على الاقتصاد العالمى.
ويأتى إلغاء الطريق السريع فى مقاطعة يونان ونفق فى قانسو ضمن المشاريع التى ألغيت، كما همشت مقاطعة قويتشو العديد من مشاريع البنية التحتية، ويُتوقع أن تنخفض نفقات المقاطعة على المشاريع الكبرى هذا العام بنسبة 60%.
لايزال الاقتصاد الصينى يتحمل تأثير أزمة القطاع العقارى التى بدأت بعد أن سعت السلطات إلى كبح الاقتراض الضخم للمطورين، حسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وقال مايكل بيتيس، أستاذ المالية فى جامعة بكين، إن “السلطات استهدفت فى 2021 العقارات، لكنهم يعالجون هذا العام جانب البنية التحتية من المعادلة وديون الحكومات المحلية”، موضحًا أن الاستثمار فى العقارات والبنية التحتية كان مصدرًا مهمًا للتوسع الاقتصادى، “لذا فإن السؤال هو: من أين سيأتى النمو؟”.
وفى وثيقة سياسية اطلعت عليها “فاينانشيال تايمز”، أمر مجلس الدولة الصينى 10 مقاطعات ومناطق مثقلة بالديون ومدينتين رئيسيتين بتعزيز الرقابة والموافقات على المشاريع الحكومية، حيث تمنع القواعد، التى دخلت حيز التنفيذ فى الأول من يناير، المناطق الـ12 من إطلاق العديد من أنواع المشاريع الجديدة، مثل بناء الطرق السريعة أو المبانى الحكومية، وتدعو إلى تعليق بعض المخططات فى المرحلة المبكرة.
وقال وزير المالية لان فوان، فى مؤتمر صحفى، إنه “من الأفضل للحكومات على جميع المستويات أن تعتاد على التقشف والبدء فى إدراك أن هذه ليست حاجة مؤقتة، بل حل طويل الأجل”.
جدير بالذكر أن مسئولون من عدة أقاليم سعوا إلى إعفاء من الديون من المصرفيين التابعين للدولة فى مناقشات جرت على هامش الجلسات الموازية للمجلس الوطنى لنواب الشعب، والبرلمان الصينى، والمؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصينى وأشاد المندوبون الإقليميون بالحملة التى شنتها الحكومة على الإنفاق على البنية التحتية.
كما يصف المحللون فى بنك “جولدمان ساكس” الضغط من أجل تأجيل المشاريع فى بعض المناطق الأكثر مديونية، مع توفير ما يكفى من الحوافز المالية فى أماكن أخرى لتعزيز النمو الاقتصادى، باعتباره “عمل متوازن”.
وتراهن بكين على أن زيادة الاستثمار فى البنية التحتية فى المقاطعات الساحلية الأكثر ثراءً يمكن أن يعوض التخفيضات فى المناطق المستهدفة الـ12، والتى تشمل مدينتى تيانجين وتشونغتشينج على مستوى المقاطعة والمقاطعات الشمالية الشرقية.
وقال “جولدمان ساكس”، إن المناطق الـ12 تمثل مجتمعة 22% من استثمارات الأصول الثابتة فى الصين و18% من الناتج المحلى الإجمالى فى العام الماضى.
كما توقع “جولدمان”، أن تنخفض استثمارات الأصول الثابتة خلال العام الجارى بنسبة 60% فى مقاطعة قويتشو الغربية، وبنسبة تتراوح بين 11% و15% فى عدة مناطق أخرى.
وفى المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى، قال رئيس مجلس الدولة لى: “سنبذل جهودًا متضافرة لنزع فتيل مخاطر ديون الحكومات المحلية مع ضمان التنمية المستقرة”، لكن المحللين يعتقدون أن القول سيكون أسهل من الفعل.
وأشار “لى” إلى تقديم مزيد من الدعم للاقتصاد خلال 2024، بجانب خطط لإصدار سندات خاصة طويلة الأجل للحكومة المركزية بقيمة تريليون رنمينبى “أى ما يعادل 140 مليار دولار”، وهى أدوات تستخدم لجمع أموال إضافية.
وقال كريس بيدور، من “جافيكال دراجونوميكس”، إن هذا من شأنه أن يساعد الحكومات المحلية المثقلة بالديون على تقليص ديونها.
جدير بالذكر أن عملية تقليص الديون بدأت فى العام الماضى، حيث أعادت بنوك الدولة هيكلة الديون، كما أصدرت الحكومات المحلية سندات قيمتها تزيد على 1.4 تريليون رنمينبى لسداد الديون الضمنية من أدوات التمويل خارج الميزانية العمومية.
وقال بيدور، إنه “من الواضح أن صُناع السياسات يعتقدون أن بإمكانهم التغلب على هذا الأمر من خلال مطالبة الحكومة المركزية بإصدار المزيد من السندات والقيام بالمزيد من العمل المالى للحكومات المحلية بينما ينخرط بعضها على الأقل فى نوع من التقشف المالى.. أعتقد أن هذا يخلق مجالاً كبيرًا للخطأ فى السياسة”.
فى الوقت نفسه، ربما يؤدى الحماس لفرض قيود على الإنفاق إلى تعزيز مخاوف الاقتصاديين بشأن قوة الاستهلاك الصينى.








