أوضحت الرسائل الأخيرة التى أطلقها البنك الاحتياطى الفيدرالى والبنك المركزى الأوروبى، أن التخفيض الأول فى أسعار الفائدة الرسمية مقبل لا محالة.
يقول كلا البنكين المركزيين الشىء نفسه، إنَّ الأمر يعتمد على البيانات.. لكن رسائل البنك المركزى الأوروبى جاءت أكثر غموضاً من تلك التى يصدرها الاحتياطى الفيدرالى، والذى يقدم توقعات أسعار الفائدة لأعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة.
وفى تقييم مدى سرعة ومدى خفض البنك المركزى الأوروبى لأسعار الفائدة فى هذه الدورة، من الممكن تبنى عدة أساليب.
وعند تقديم تقرير السياسة النقدية نصف السنوى إلى الكونجرس، صرح جيروم باول، رئيس «الفيدرالى الأمريكي» بأن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة تنتظر أن تصبح أكثر ثقة بأن التضخم يتحرك بشكل مستدام نحو هدف الـ2%.
أضاف أنه حينما يتم التأكد من ذلك، وهم ليسوا بعيدين عن ذلك سيكون من المناسب البدء فى خفض مستوى التشديد النقدى.
وفى مؤتمره الصحفى فى 20 مارس، عقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، أكد الرسالة التى مفادها أن تخفيف السياسة النقدية سيبدأ هذا العام.
وفى وقت سابق من هذا الشهر، ذكرت كريستين لاجارد خلال مؤتمرها الصحفى، أن البنك المركزى الأوروبى يحرز تقدماً جيداً نحو هدف التضخم ولكن ثمة حاجة إلى مزيد من البيانات ليكون واثقاً بدرجة كافية من أنه سيتم الوصول إلى هدف التضخم.
وأردفت: «سنعرف المزيد فى أبريل، لكننا سنعرف الكثير فى يونيو».
ويبدو أن السؤال السهل بشأن «هل سيتم خفض سعر الفائدة؟» قد تمت الإجابة عنه، إذن فلننتقل إلى الأسئلة الصعبة المتعلقة بعدد التخفيضات وبأى سرعة، وماذا سيكون السعر الذى ستتوقف عنده البنوك المركزية عن تخفيض سعر الفائدة؟
«إذا تطور الاقتصاد كما هو متوقع فى أمريكا فإن متوسط سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية سيكون 4.6% فى نهاية هذا العام، و3.9% نهاية عام 2025، و3.1% نهاية 2026، والذى لا يزال أعلى من متوسط سعر الفائدة على الأموال طويلة الأجل.
ومن الواضح أنه نظراً إلى اعتماد السياسة على البيانات، فإنَّ مسار سعر الفائدة الذى يقرره بنك الاحتياطى الفيدرالى سيكون مختلفاً إذا تطور الاقتصاد بشكل مختلف عن المتوقع.
ومع ذلك، فإن الرسم البيانى النقطى «دوت بلوت» يوفر صورة واضحة للسيناريو الأساسى الذى يضعه أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة فى الاعتبار ويعمل كنقطة مرجعية جيدة للمشاركين فى الاقتصاد.
على النقيض من ذلك فى البنك المركزى الأوروبى.
فخلال حديثها فى مؤتمر مراقبى البنك المركزى الأوروبى الأخير، قالت كريستين لاجارد: «لا يمكننا الالتزام مسبقاً بمسار سعر معين مهما كان مغرياً، ومهما كانت رغبة البعض منكم فى رؤيته. فإذا كنا صادقين مع منهجيتنا، وإذا كان لدينا انضباط فى الالتزام بهذا المبدأ، فلن نتمكن من ذلك».
لكن غياب التوجيه بشأن أسعار الفائدة الرسمية فى منطقة اليورو يثير سؤالين، هل من المهم وجود تصور لمسار الفائدة؟ وكيف يمكن تقييم إلى أى مدى يمكن خفض أسعار الفائدة؟ وفيما يتعلق بالأولى، من الناحية النظرية، يتوقع المرء تأثيراً إيجابياً على أداء الاقتصاد الكلى من نشر توقعات أسعار الفائدة. وينبغى لهم أن يقللوا من حالة عدم اليقين بشأن مسار سعر الفائدة فى المستقبل.
ونتيجة ذلك، قد تكون الأسر والشركات أكثر حرصاً على الاستجابة لاحتمال خفض أسعار الفائدة كما هو مبين فى هذه التوقعات مقارنة بتلك التى يمكن استنتاجها من الأسواق المالية والتى هى بطبيعتها أكثر تقلباً.
ومع ذلك، ينبغى للمرء أن يضع فى اعتباره أن التغييرات الكبيرة فى توقعات أسعار الفائدة يمكن أن تزيد من عدم اليقين بالنسبة للأسواق والأسر والشركات.
فى المرحلة الحالية، فإن السؤال الأكثر أهمية بمنطقة اليورو هو مدى سرعة ومقدار خفض أسعار الفائدة فى هذه الدورة فى ظل فرضية مفادها أن المتغيرات الاقتصادية الرئيسة – التضخم، والنمو، والأجور، وما إلى ذلك – ستتطور بما يتماشى مع أحدث التوقعات الصادرة عن البنك المركزى الأوروبى.
ويرى أحدث استطلاع للبنك المركزى الأوروبى للمحللين النقديين أن سعر الفائدة على الودائع، الذى يبلغ حالياً 4%، سينخفض إلى 3% نهاية هذا العام، و2.25% نهاية عام 2025 قبل أن يصل إلى توقعاته طويلة المدى البالغة 2.00% فى 2027.
ثمة منهجية أخرى.. فيمكن للمرء أن ينظر إلى أسعار السوق، واستناداً إلى المنحنى الآجل لسعر اليورو قصير الأجل، تتوقع الأسواق انخفاضاً فى سعر الفائدة على الودائع بمقدار 85 نقطة أساس بحلول نهاية هذا العام و150 نقطة أساس بحلول نهاية عام 2025.
ومع ذلك، يمكن أن تتقلب أسعار السوق بشكل كبير، كرد فعل على مفاجآت البيانات وتعليقات أعضاء مجلس محافظى البنك المركزى الأوروبى.
وثمة نهج ثالث يتمثل النهج فى تطبيق الانخفاض المتوقع فى التضخم على سعر الفائدة الاسمية على الودائع. ومن خلال القيام بهذا، يفترض المرء بشكل ضمنى أن سعر الفائدة الحقيقى الحالى لا بد أن يظل مناسباً فى المستقبل، لكن ذلك محض هراء، إذ إن ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية ضرورى عندما تكون هناك حاجة إلى إعادة التضخم تحت السيطرة، ولكن بعد ذلك، ينبغى خفض أسعار الفائدة الحقيقية من خلال تخفيضات أسعار الفائدة الأسمية التى تكون أكبر من انخفاض التضخم.
ولهذا السبب، ثمة نهج أكثر وضوحاً، من الناحية النظرية على الأقل، يتلخص فى النظر إلى المعدل المحايد، أى سعر الفائدة الحقيقى قصير الأجل الذى يحقق أهداف النمو واستقرار التضخم.
تُظهر الأبحاث الحديثة التى أجراها البنك المركزى الأوروبى أنه منذ النصف الثانى من عام 2023، تراوحت التقديرات بين حوالى -0.75% و0.5% مع متوسط تقدير أعلى قليلاً من الصفر.
ومن المثير للاهتمام أن هذا قريب إلى حد ما من السعر الحقيقى الضمنى الذى يمكن استنتاجه من مسح البنك المركزى الأوروبى للمحللين النقديين، إذ يتماشى التضخم الرئيسى مع هدف البنك المركزى الأوروبى بنسبة 2% اعتباراً من الربع الثالث من عام 2025، لتنخفض بعد ذلك الفائدة على ودائع البنك المركزى الأوروبى إلى 2.25% فى الربع الرابع من عام 2025 وإلى 2.00% اعتبارًا من الربع الأول من عام 2026.
واستناداً إلى مصداقية البنك المركزى الأوروبى والتقديرات المعقولة لسعر الفائدة المحايد، فمن المنطقى استخدام افتراض يتراوح بين 2% و2.50% لسعر الفائدة على ودائع البنك المركزى الأوروبى كنقطة نهاية لدورة التيسير.