ضم تايوان يمنح بكين السيطرة على 60% من الإنتاج العالمي
يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تقترب من نقطة تحول هادئة لكنها بالغة الأهمية في السياسة التكنولوجية تجاه الصين.
فبعد التركيز الأولي على تقييد نقل تكنولوجيات أشباه الموصلات المتقدمة إلى الصين، يظهر المسؤولون الآن استعدادهم لفكرة تقييد التجارة في أشباه الموصلات “التقليدية” المصنوعة بتقنيات أقدم أيضًا.
وتشكل هذه الرقائق حصة أكبر بكثير من تجارة أشباه الموصلات العالمية نظراً لتشغيلها معظم الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية والسيارات والطائرات والمصانع والأجهزة الطبية والأنظمة العسكرية.
لاشك أن تقييد التجارة في الرقائق التقليدية سيشكل نقطة تحول هامة في الانفصال بين الولايات المتحدة والصين، لكن الفشل في ذلك سيشير إلى عدم تماشي حديث الولايات المتحدة عن الحد من المخاطر ومرونة سلسلة التوريد مع الواقع السياسي على الإطلاق.
بدأت وزارة التجارة الأمريكية مؤخرًا استطلاعًا حول الاعتماد الصناعي للولايات المتحدة على الصين في الرقائق التقليدية، حسب ما نقلته مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
ومن المؤكد أن الاستطلاع سيجد اعتماداً متزايداً على الصين في هذه الإمدادات، وهذة النتيجة ستؤدي إلى اتخاذ قرار محوري بالنسبة لبايدن، أو لدونالد ترامب، وذلك اعتمادًا على التوقيت ونتائج انتخابات نوفمبر.
ومن شأن الاعتماد على الصين للحصول على الرقائق التقليدية أن يمنح بكين نفوذًا استراتيجيًا قويًا وخطيرًا، وهذا سيساعد الصين في تحقيق هدفها المتمثل في أن تصبح منظمة “أوبك” الكبرى بمفردها، قادرة على التحكم في تدفق المدخلات الحيوية للاقتصاد العالمي.
ولمنع ذلك، ربما تضطر واشنطن إلى اتخاذ خطوات سياسية أكثر تداخلاً بكثير مما فعلته حتى الآن.
وفي حالة أشباه الموصلات التقليدية، ربما يتطلب الأمر تجاوز ضوابط تصدير التكنولوجيا وفرض تعريفات جمركية صارمة أو حتى حظر الاستيراد.
وتمثل الصين بالفعل نحو 30% من الطاقة الإنتاجية العالمية للرقائق المنطقية التقليدية، وقد يرتفع هذا الرقم بشكل كبير في غضون بضعة أعوام مع تطبيق بكين لقواعد السياسة الصناعية المتمثلة في الإعانات ونقل التكنولوجيا والإنتاج الزائد، وهو ما منحها بالفعل ميزة استراتيجية في بناء السفن والألواح الشمسية والسيارات وغيرها من الصناعات الحيوية.
لطالما دعمت بكين صناعة الرقائق المحلية، خاصة منذ 2015، عندما أطلقت مبادرتها الصناعية “صنع في الصين 2025”.
وبحلول 2020، أصبحت الصين أكبر مشتري في العالم لمعدات تصنيع أشباه الموصلات، وهو مؤشر قوي على القدرة الإنتاجية المستقبلية.
إذا نفذت بكين تهديدها بضم تايوان، البلد المصنع الرئيسي العالمي الأخر لأشباه الموصلات التقليدية والرائد في مجال الرقائق المتقدمة، فإنها قد تسيطر على 60% من إنتاج الرقائق العالمية التي يتراوح نطاقها من 20 إلى 45 نانومتر، و75% من إنتاج الرقائق التقليدية بشكل عام بحلول 2027.
وهذا سيمنح بكين نفوذًا تجاريًا واستراتيجيًا يمكن استخدامه بشكل قسري.
بمجرد أن تعتمد أمريكا على الصين للحصول على الرقائق التقليدية، سيكون لدى بكين قدرة على خفض الصادرات أو التهديد بذلك عندما يناسبها ذلك استراتيجيًا، وستستطيع أيضاً استخدام صادراتها لأغراض التجسس أو التخريب، وهذا طريق سهل نظرًا لاعتماد العالم الواسع النطاق للتكنولوجيات مفتوحة المصدر المعرضة للاختراق التقني.
كل هذا سيشكل سلطة غير مقبولة على الولايات المتحدة في وقت السلم، وأكثر من ذلك في حالة الأزمات أو النزاعات.
وتشمل خيارات السياسة الافتراضية توسيع ضوابط التصدير، وتقييد مشتريات الوكالات الحكومية والمقاولين من الرقائق الصينية، ومنع استخدام مثل أشباه الموصلات هذه في البنية التحتية للاتصالات والمجالات الحساسة الأخرى.
تستحق هذه الإجراءات النظر فيها، لكنها لن تمنع على الأرجح الرقائق الصينية التقليدية من إغراق السوق الأمريكية، والحصول على حصة سوقية مهيمنة وطرد الموردين الآخرين.
نجحت الصين بالفعل في الوصول إلى التكنولوجيات اللازمة للإنتاج التقليدي، مما يجعلها أقل عرضة لضوابط التصدير، كما أنها تبني الآن مصانع رقائق جديدة على نطاق لا مثيل له في أي دولة أخرى، وستستطيع تقديم أسعار أقل بكثير من أي مورد آخر.
ونتيجة لذلك، يتجه المشترون الأمريكيون لشراء مزيد من الرقائق الصينية، حتى لو كان ذلك يضر بالأمن القومي الأمريكي.
يُقال إن إدارة بايدن تدرس فرض تعريفات جمركية جديدة على واردات الرقائق الصينية، وهذه خطوة مرحب بها وستعتمد على التعريفات التي فرضتها إدارة ترامب بنسبة 25%، والتي ساعدت في تقليل الواردات المباشرة من الرقائق الصينية بنحو 72%.
لكن معظم الرقائق الصينية تدخل إلى الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، كمكونات للأجهزة ومنتجات أخرى مثل الهواتف والسيارات والإلكترونيات والمعدات الطبية.
وللتصدي لهذا الأمر، ربما يتعين على واشنطن صياغة رسوم جمركية معقدة على المكونات قد يصعب فرضها وقد تحتاج أيضًا إلى أن تكون مرتفعة للغاية للتغلب على الميزة السعرية التي تتمتع بها الصين، وهذه التعريفات تبلغ الآن 30% وتتزايد.
ربما يكون التنافس على الأسعار مع صادرات الصين المدعومة، خاصة في مجالات التكنولوجيا ذات الأهمية الاستراتيجية التي تفضلها بكين، لعبة خاسرة بكل بساطة.
وبمرور الوقت، ربما تضطر واشنطن إلى حظر استيراد الرقائق الصينية والسلع المصنوعة من الرقائق الصينية، وفقط إذا رفضت السوق الأمريكية للرقائق الصينية، فسيتعين على الشركات الراغبة في البيع في أمريكا التفكير في ضرورة الحصول على الرقائق في مكان آخر.
وهذا بدوره سيجعل بناء مزيد من قدرات تصنيع الرقائق في دول أخرى أكثر اقتصادية.
وربما يتطلب النجاح المشاركة الفعالة لحلفاء الولايات المتحدة، مثل اليابان والاتحاد الأوروبي.
ومن شأن حظر الرقائق الصينية فرض تكاليف مرتفعة نسبيًا على المستهلكين والشركات الأمريكية على المدى القصير، لكن هذه التكاليف ستكون في المتناول مقارنة بمخاطر الاعتماد على بكين في المعيشة الاقتصادية.
وستكون السياسة الأكثر تكلفة هي مواصلة تعزيز ثقة بكين المتزايدة في امتلاكها نفوذ اقتصادي لمضايقة الولايات المتحدة.
